لن تؤدى الثورات والحروب فى الدول العربية إلى تغيير الأنظمة فقط، بل ستعيد أيضا رسم خريطة المنطقة. فالحدود التى وضعتها الدول الاستعمارية الكبرى التى تقاسمت فيما بينها أفريقيا والإمبراطورية العثمانية توشك أن تتغير. كذلك ينذر الصراع من أجل البقاء الذى يخوضه معمر القذافى وبشار الأسد والحكام العرب الآخرون بنهاية قريبة لمعاهدة سايكس بيكو التى تعود إلى الحرب العالمية الأولى والتى أدت إلى التقسيمات السياسية الحالية للشرق الأوسط. فى الأعوام المقبلة ستظهر على خريطة المنطقة أعلام دول مستقلة جديدة مثل جنوب السودان، وكردستان، وفلسطين، وشرق ليبيا، أمّا الصحراء الغربية فسيفقد المغرب سيطرته عليها، وسيعاد تركيب اليمن، وستنفصل إمارت فى الخليج عن اتحاد الإمارات العربية. وليس مستبعدا تقسيم السعودية أيضا إلى «دولة الأماكن المقدسة» فى الحجاز، ودولة نفطية قوية فى الشرق، وتقسيم سوريا إلى دولة سنية ودولة علوية وأخرى درزية. إن هذه الخريطة الجديدة ستؤدى إلى بناء علاقات مختلفة بين دول المنطقة وستشكل فرصة كبيرة بالنسبة إلى إسرائيل. لقد اعتمدت السياسة الخارجية الإسرائيلية حتى قبل نشوء الدولة على استغلال الخصومات بين الدول العربية والإسلامية، مثلما قامت الوحدة العربية والإسلامية على العداء لإسرائيل. ولهذا السبب فضلت إسرائيل بروز القوميات المستقلة لدى جيرانها، إذ كلما زاد عدد الدول حولها، أصبحت المناورة فيما بينها أسهل عليها. حاليا، وبعد مرور أكثر من مائة عام يعاد النظر من جديد فى معاهدة سايكس بيكو. فالانسحاب الأمريكى من العراق سيعطى الأكراد فرصة للاستقلال على الرغم من معارضة تركيا. كذلك يعمل الفلسطينيون على الحصول على الاعتراف الدولى بدولتهم فى الصيف المقبل على الرغم من الرفض الإسرائيلى. هناك «دول مصطنعة» مثل ليبيا والأردن وعُمان والسعودية قد تتعرض للتفكك. فهذه الدول كلها تعانى من توتر داخلى حاد بين القبائل والمجموعات المختلفة التى تتكون منها، أو تعانى من فرض نظام الأقلية على الأغلبية. ولا يشكل التقسيم الجغرافى الحل الناجع، فقد كان اليمن مقسما فى الماضى وهى قد تنقسم من جديد بين شمال وجنوب. لكن كيف يمكن تقسيم الأردن بين البدو والفلسطينيين؟ لقد قسمت الحرب الدائرة فى ليبيا البلد إلى المنطقة الشرقية التى هى معقل الثوار، وإلى المنطقة الطرابلسية الواقعة تحت سيطرة القذافى. وليس واضحا متى يمكن توحيد ليبيا من جديد وما إذا كان هناك فائدة من ذلك. وتدل مشاركة الدول الأوروبية الكبرى فى القتال إلى جانب الثوار على رغبة هذه الدول فى إنشاء منطقة فاصلة واقعة تحت سيطرتها بالقرب من الحدود المصرية حيث يمكن أن تنشأ جمهورية إسلامية معادية للغرب. إذ لا يمكن أن يكون هناك منطق استراتيجى آخر لدخول الغرب إلى ليبيا. يفضل الغرب، وكذلك إسرائيل، أن يكون الشرق الأوسط منقسما ومليئا بالنزاعات. من هنا يمكن القول إن الغرب لن يحاول الوقوف ضد عملية تفكيك دول المنطقة، وإنما سيساهم فيها. ستكون هناك مهمة مزدوجة لإسرائيل فى عملية تفكيك دول الشرق الأوسط. فهى متورطة مباشرة فى النزاع وفى مسألة نشوء فلسطين المستقلة وفى بلورة حدودها، كما أنها ستتأثر إلى حد كبير جرّاء تفكك دول مجاورة لها، وفى طليعتها الأردن وسورية والسعودية. إن السياسة الإسرائيلية الصحيحة هى القادرة على انتهاز الفرص المترتبة على ظهور دول جديدة وكيفية الاستفادة منها، وهى التى تستطيع توجيه هذه العملية التى لا مفر منها نحو زيادة قوة إسرائيل ونفوذها فى المنطقة.