تشهد الجامعات المصرية الآن سيادة رغبة عامة للتغيير لدى كل من أعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم والطلاب والهيئة الإدارية والعمال. وقد تركز التغيير المطلوب فى إقصاء القيادات الجامعية الحالية وانتخاب قيادات جديدة بدءا من رؤساء الأقسام حتى رئيس الجامعة. ومع أن الجامعات تحتاج الآن لقانون جديد تماما يحل محل القانون الحالى الذى مضى على إصداره 37 عاما وتجاوزته التطورات العالمية فى ميدان تنظيم مؤسسات البحث العلمى قبل أن تسقطه الثورة مع دستور 1971 الذى صدر فى إطاره ووفقا لأسسه الاستبدادية، إلا أن مطلب تغيير القيادات الحالية الآن التى تم تعيين معظمها بترشيحات من أمن الدولة وباعتمادها وبشرط عضوية الحزب الوطنى وعلى أسس لا علاقة لها إطلاقا بالمعايير الموضوعية لابد أن تكون له الأولوية تماما مثل مطلب تغيير قيادات الحكم المحلى وقيادات الشرطة وقيادات المؤسسات الإعلامية، نظرا لما يمكن أن يكون لهذه القيادات من تأثير معاكس على مسار التغيرات الثورية فى هذه المجالات المهمة التى كان النظام شديد الحرص على السيطرة الكاملة عليها. إن جميع القيادات الجامعية الحالية تم تعيينها وفقا لقانون تنظيم الجامعات 43 لسنة 1972، وهذا القانون لم يحدد أى مواصفات موضوعية يشترط توافرها فيمن يشغل المناصب القيادية بالجامعات وجعل التعيين فى هذه المناصب بالاختيار الشخصى لمن بيده الأمر (وهو ما لا نجد له مثيلا فى أى من مؤسسات الدولة الأخرى). فالشرط الوحيد الواجب توافره فيمن يعين رئيسا لجامعة ما أو نائبا لرئيسها أن يكون قد شغل منصب أستاذ بأى من الجامعات المصرية وليس شرطا أن يكون من أساتذة نفس الجامعة لمدة خمس سنوات على الأقل وهذا الشرط ينطبق على الآلاف من الأساتذة فى مختلف كليات جامعات مصر، فعلى أى أساس كان يتم الاختيار؟ أول أساس كان موافقة أمن الدولة ولا يهم بعد ذلك أى شىء آخر وتاريخ رئاسة الجامعات شاهد على أن المحسوبية والوساطة والمصالح والقرابة أو القرب من رئيس الوزراء الذى يقدم الترشيحات للرئيس كانت هى معايير الاختيار، وليس بالقانون ما يلزم بتوافر أى كفاءات أو خبرات أكاديمية أو إدارية. وهذا القانون يعطى رئيس الجامعة بعد تعيينه سلطات فى جامعته تفوق سلطات أى وزير فى وزارته بل تفوق سلطات رئيس الجمهورية فى الدولة. فهو وحده الذى يملك سلطة تعيين عمداء الكليات والتجديد أو عدم التجديد لهم (وهم أعضاء مجلس الجامعة الذى يرأسه والمفروض أنه يمثل السلطة التشريعية بالجامعة ويراقب أداء رئيسها). وهذا القانون لا ينص على ضرورة توافر أى شرط فى العميد سوى أن يكون أستاذا بكليته ولرئيس الجامعة أن يختار أيا من مئات الاساتذة بالكلية لمنصب العميد دون ان يكون ملزما بإبداء أى أسباب للاختيار وينطبق الشىء نفسه على وكلاء الكليات بعد اخذ رأى العميد (وله أن يعمل بهذا الرأى او لا يعمل) وقد حدث أن رشح أحد العمداء زوجته الأستاذة بالكلية لوكالة الكلية وعينها رئيس الجامعة. وللعميد أن يرشح واحدا من بين أقدم ثلاثة اساتذة بالقسم لرئاسة القسم دون إبداء الأسباب ولرئيس الجامعة أن يعين المرشح أو يعين غيره. إن قانون تنظيم الجامعات الحالى فيما يتعلق بشغل المناصب القيادية بالجامعة يتنافى تماما مع مبدأ العقلانية وترشيد الادارة وهى السمة الاساسيه فى الاداره الحديثة ولا يتناسب مع الجامعة كمؤسسة أكاديمية ولكنه يتناسب مع أساليب الإدارة التقليدية ذات الطابع القبلى أو العائلى. فالإدارة الحديثة تقوم على أسس رسمية لا شخصية تحددها اللوائح والقوانين ويعتمد الاختيار فى المناصب فيها على توافر خصائص مهنية وخبرات وقدرات وكفاءات تخضع للتقدير الموضوعى وتسمح بالمفاضلة بين أنسب العناصر لشغلها وعلى التنافس بين المرشحين لها وعلى تقويم أداء من يشغلها وفقا لأسس محددة. قد يقال إن علاج قصور القانون يتمثل فى انتخاب القيادات الجامعية ولكن فى ذلك أيضا تدعيما لمناخ القبلية فى الجامعة إذا لم توضع له قواعد موضوعية. ويعلم كل من شارك من قدامى الأساتذة فى انتخابات العمادة قبل إلغائها عام 1994 وأنا واحد منهم سلبيات هذه الانتخابات التى كان من بين أهداف النظام من إقرارها إشاعة الخلاف والفرقة بين أعضاء هيئة التدريس بالجامعات فى عملية كانت مباحث أمن الدولة فى الجامعات تلعب دورا كبيرا فى توجيهها من خلال عملائها من أعضاء هيئة التدريس لينتهى الأمر بتقديم أسماء الثلاث أساتذة الحاصلين على أعلى الأصوات لرئيس الجامعة ليختار من بينهم من يعينه عميدا على هوى أمن الدولة وعلى هواه دون إبداء الأسباب. إن المناصب القيادية بالجامعة لابد أن تشغل بناء على توافر خصائص موضوعيه قابلة للقياس والتقدير الدقيقين كما يحدث فى جامعات العالم المتقدم. إن الجامعة لابد أن يطبق بها مبدأ الرجل المناسب فى المكان المناسب وأن يكون التعيين فى المناصب القيادية بها عن طريق الإعلان عند خلو المنصب وتحديد الاشتراطات الواجب توافرها فيمن يتقدم لشغل المنصب وان تشكل لجان للمفاضلة بين المتقدمين على أسس موضوعيه واختيار أفضلهم ولابد أن توضع أسس لتقويم أداء من يشغل أى من هذه المناصب تكون متسقة بالطبع مع الأسس التى لابد من وضعها لتقويم أداء الجامعة ككل. ويمكن الجمع بين مبدأ الشروط الموضوعية التى لا بد من توافرها فى مختلف مستويات القيادات الجامعية وبين مبدأ الانتخاب الذى يشرك أعضاء هيئة التدريس جميعهم وليس الأساتذة فقط فى اختيار قياداتهم: رؤساء الأقسام، الوكلاء، العمداء، نواب رئيس الجامعة ورئيس الجامعة عن طريق تشكيل لجان من كبار الأساتذة تتولى فحص الطلبات المقدمة للترشح للمنصب والتأكد من انطباق الشروط المحددة على مقدميها، ثم ترتيب المتقدمين وفقا للتقديرات الحاصلين عليها من خبراتهم الأكاديمية والقيادية ومكانتهم ودورهم فى خدمة الجامعة والمجتمع...إلخ ثم يعرض الاسم أو الأسماء التى تقرها اللجنة للاستفتاء أو للانتخاب على أن يقدم كل مرشح البرنامج الذى ينوى العمل على تحقيقه فى حالة فوزه حتى يكون لدى الناخبين الأساس الذى يتخذون قرارهم بناء عليه فليس من المقبول إطلاقا أن يقوم الأساتذة بحملات انتخابية لأنفسهم أو لغيرهم كما كان يحدث فى نظام الانتخابات الملغى والذى أضر ضررا بالغا بالتقاليد الجامعية فالمطلوب أن يقوم الأساتذة بالمفاضلة بين المرشحين الأكثر كفاءة على أسس عقلانية تماما لا دخل للشللية أو المصالح الذاتية فيها. أملنا أن تتم دراسة متأنية لموضوع القيادات بالجامعة حتى يأتى القانون الجديد مسايرا لأسس الادارة العقلانية الحديثة ومحققا لأهدافنا جميعا فى تطوير مؤسساتنا الجامعية حتى تؤدى رسالتها فى تحقيق أهداف الثورة على أكمل وجه. وحتى يتم وضع قانون جديد للجامعات على أنقاض القانون الحالى لابد من إعلان وزارى يشبه الإعلان الدستورى يحدد كيفية اختيار القيادات الجامعية فى هذه المرحلة الانتقالية ويمكن الاسترشاد فيه بتجربة كلية الآداب بجامعة عين شمس حيث طبقت المبادئ السابق الإشارة إليها فى اختيار عميد جديد للكلية وتم انتخاب العميد من كل أعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم بالكلية وفى انتظار قرار رئيس الجامعة بتعيينه. وقد يكون تقديم جميع القيادات الحالية لاستقالاتهم والتقدم مع غيرهم لشغل المنصب وفقا للإعلان الوزارى أو القانون المؤقت خطوة تحسب لهم فى سبيل الإسراع باستقرار الأوضاع فى الجامعات المصرية.