تعرف على آخر موعد للتقديم بموقع التنسيق الإلكترونى لتقليل الاغتراب    الأنبا ثيئودوسيوس يترأس القداس الإلهي بكنيسة العذراء مريم بفيصل    رئيسة القومي للمرأة تهنئ المستشار محمد الشناوي بتوليه رئاسة هيئة النيابة الإدارية    انخفاض أسعار الدواجن بأسواق الإسكندرية.. والدجاج الأبيض ب75 جنيها للكيلو    وزير السياحة يعلن إطلاق حملة "إحنا مصر" لتعزيز الوعي السياحي.. فيديو    توقيع بروتوكول تعاون بين بحوث الهندسة الزراعية وهايتك للبذور لتصنيع آلات تطويش الذرة محليا    مدير عام الطب البيطري سوهاج يناشد المواطنين سرعة تحصين حيواناتهم ضد العترة الجديدة    فتح باب التسجيل في هاكاثون NeuroNexus للذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء    وزير الري يتابع حالة منظومة الصرف الزراعي وأعمال وأنشطة هيئة الصرف    2400 طن مساعدات غذائية وطبية في قافلة زاد العزة ال16 إلى غزة    الجيش اللبناني ينفي خرق قواته الجوية للأجواء السورية    باكستان: ارتفاع حصيلة القتلى بعد فيضانات عارمة بإقليم خيبر باختونخوا إلى 344    اللواء محمد إبراهيم الدويري: أوهام «إسرائيل الكبرى» لن تتحقق وتصريحات نتنياهو تدق ناقوس الخطر عربياً    بعد شكاوى الأهلي والزمالك.. اتجاه لغلق ستاد القاهرة 10 أيام للصيانة    على خطى بالمر.. هل يندم مانشستر سيتي وجوارديولا على رحيل جيمس ماكاتي؟    بث مباشر مباراة منتخب مصر وأيسلندا في بطولة العالم لكرة اليد تحت 19 عاما    مصر تحصد ذهبية التتابع المختلط بختام بطولة العالم للخماسي الحديث تحت 15 عامًا    سيارة نقل تدهس طفلا خلال ممارسته رياضة التزلج في أكتوبر    الداخلية تكشف ملابسات تداول منشور تضمن مشاجرة بين شخصين خلافا على انتظار سيارتيهما بمطروح    عاجل| قرار وزاري جديد بشأن عدادات المياه المنزلي والتجاري    أمن قنا يكثف جهوده لضبط مطلقي النيران داخل سوق أبودياب    مهرجان بورسعيد السينمائي ينعى مدير التصوير تيمور تيمور.. ويطلق جائزة باسمه    الخارجية الروسية تتوقع فوز خالد العناني مرشح مصر في سباق اليونيسكو    انطلاق العرض المسرحي «هاملت» على مسرح 23 يوليو بالمحلة    أحمد سعد يغني مع شقيقة عمرو «أخويا» في حفله بمهرجان مراسي «ليالي مراسي»    136 مجلسا فقهيا لمناقشة خطورة سرقة الكهرباء بمطروح    الصحة: تقديم أكثر من 30 مليون خدمة طبية وعلاجية خلال النصف الأول من 2025    مدير تعليم القليوبية يكرم أوائل الدبلومات الفنية على مستوى الجمهورية    مصرع 3 عناصر إجرامية في تبادل إطلاق نار مع الشرطة بأسيوط    موعد بدء تنسيق المرحلة الثالثة 2025 للثانوية العامة والكليات المتاحة    حزب الجبهة الوطنية: تلقينا أكثر من 170 طلب ترشح لانتخابات مجلس النواب    سلامة الغذاء: فحص 504 طلبات تظلم وارد من مختلف الموانئ المصرية في أسبوع    شبكة بريطانية : محمد صلاح لاعب استثنائي وتألقه مع ليفربول فاق كل التوقعات    مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي يعلن تفاصيل مسابقة "أبو الحسن سلام" للبحث العلمي    محافظ القاهرة يترأس الحملة المكبرة لرفع الإشغالات والتعديات بمدينة "معًا" بحي السلام    المفتي يوضح حكم النية عند الاغتسال من الجنابة    وزير التعليم العالي يبحث تعزيز التعاون مع الإمارات ويتابع تنفيذ فرع جامعة الإسكندرية بأبوظبي    930 ألف خدمة طبية بمبادرة 100 يوم صحة في بني سويف    الصحة: 30 مليون خدمة طبية للمواطنين خلال النصف الأول من 2025    مركز تميز إكلينيكي لجراحات القلب.. "السبكي" يطلق مبادرة لاستعادة "العقول المهاجرة"    مرصد الأزهر: تعليم المرأة في الإسلام فريضة شرعية والجماعات المتطرفة تحرمه بقراءات مغلوطة    صحفي فلسطيني: أم أنس الشريف تمر بحالة صحية عصيبة منذ استشهاد ابنها    دعوى قضائية أمريكية تتهم منصة روبلوكس ب"تسهيل استغلال الأطفال"    يسري جبر: الثبات في طريق الله يكون بالحب والمواظبة والاستعانة بالله    إصلاح الإعلام    صفقات الأهلى الجديدة قنبلة موقوتة    فتنة إسرائيلية    حظك اليوم وتوقعات الأبراج    "يغنيان".. 5 صور لإمام عاشور ومروان عطية في السيارة    قوات الاحتلال تُضرم النار في منزل غربي جنين    «ميلعبش أساسي».. خالد الغندور يهاجم نجم الزمالك    موعد إجازة المولد النبوي الشريف 2025 بحسب أجندة رئاسة الجمهورية    "زيزر صنع فارق وتريزيجيه لم يقدم المنتظر"..نجم الزمالك السابق يعلق على أداء الأهلي ضد فاركو    نتنياهو: لا اتفاق مع حماس دون إطلاق الأسرى دفعة واحدة ووقف الحرب بشروطنا    هيئة الأركان الإيرانية تحذر الولايات المتحدة وإسرائيل: أي مغامرة جديدة ستقابل برد أعنف وأشد    وكيل صحة سوهاج يصرف مكافأة تميز لطبيب وممرضة بوحدة طب الأسرة بروافع القصير    مصرع شابين وإصابة آخر في حادث انقلاب دراجة بخارية بأسوان    عمرو حسن: وسائل منع الحمل متوفرة فى الوحدات الصحية مجانا وآمنة وفعالة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعد (معركة) الاستفتاء.. ماذا نفعل معا لاستكمال الثورة؟
نشر في الشروق الجديد يوم 28 - 03 - 2011

كشفت المعركة التى اندلعت فجأة بين شركاء الثورة المصرية العظيمة حول التعديلات الدستورية ليس فقط عن عورات وعيوب هيكلية فى الحالة السياسية والدينية المصرية، بل وما هو أهم وأخطر من هذا أنها أحدثت فى قاع هذه الحالة صدوعا وشقوقا تنذر إذا لم تتم معالجتها بسرعة وبحكمة بأن تتحول إلى أخاديد ضخمة بعمق واتساع كبيرين بين القطاعات الرئيسية من القوى السياسية والدينية المصرية.
فأما عن العورات والعيوب، فإن أولها وأبرزها هو تلك الحالة من التربص التى شابت تعامل الفرقاء السياسيين، كل مع الآخر وبخاصة بين من يمكن وضعهم تحت اللافتة العريضة لتيارات الإسلام السياسى والدينى والذين كان موقفهم هو الموافقة على التعديلات وبين من يتجمعون خارجها تحت لافتة أعرض تحمل عنوان القوى المدنية من يسارية وليبرالية وقومية، والذين كانت رؤيتهم هى رفضها، وذلك على الرغم من وجود تداخلات ملحوظة بين المعسكرين من بعض المنتمين إلى كل منهما الذين تبنوا الموقف من التعديلات المحسوب على المعسكر الآخر. وقد كان ممكنا فهم بل وتبرير هذه الحالة من التربص أثناء الجدال حول التعديلات، نظرا للتاريخ الطويل من الخلاف بين المعسكرين ضمن المناخ السيئ الذى أضفاه النظام السابق على الممارسات السياسية فى مصر، إلا أنه لا يمكن اعتبارها أمرا طبيعيا بعد ظهور نتيجة الاستفتاء وانتقال البلاد بعدها إلى مرحلة أخرى من المهام العملية التى تتطلب التعامل الإيجابى معها من جميع الفصائل والأطياف السياسية والدينية فى البلاد. وقد بلغ التربص وسوء التفسير لموقف كل معسكر من جانب الآخر حدودا تجاوزت ليس فقط «الرفاقة» أو «الأخوة» التى جمعت الكل تحت عباءتها فى أثناء الثورة التى كان الجميع فيها مهددين فى وجودهم وحياتهم، بل وأحيانا أصول اللياقة والصدق فى التعامل مع خصوم فى معركة سياسية كانوا بالأمس القريب شركاء فى خندق واحد.
وقد نال كاتب هذه السطور من هذا اللدد فى الخصومة ما تجاوز كل حقيقة تأكدت عنه وأدنى معرفة ولو ضئيلة به وأقل توخى للصدق ممن كان يظن أن قضاءه عقودا ثلاثة من عمره فى التعريف الصادق بهم والبحث الذى يظنه موضوعيا فى أحوالهم والدفاع عن حقوقهم الطبيعية كغيرهم من المواطنين المصريين، كان كفيلا بأن يقيه شر الاتهامات القاسية من بعضهم، معظمهم من حديثى السن والخبرة وبقيتهم من الكهول أبناء جيله، والتى لا يسندها دليل واحد بعدائه لمن اتهمه النظام السابق بأنه ينتمى إليهم بل وبعدائه لدينه الذى ليس لأحد أن يبحث فى صدق إيمانه به سوى الخالق وحده سبحانه وتعالى. وقد تذكر هؤلاء وأولئك فجأة لكاتب هذه السطور فكره القومى اليسارى المستند إلى أرضية الانتماء إلى الحضارة الإسلامية والذى لم يخفه يوما فى كل سنوات النظام الساقط فى أثناء تعريفه بتياراتهم وبحثه فى أحوالها ودفاعه عن حقوق أبنائها كمواطنين مصريين، لكى يسقطوا منه الجزء الأخير ويصفونه بالعلمانى المعادى للإسلام والتيارات الإسلامية كافة. وقد اتسعت رقعة هذا الذى سماه البعض «التكفير الدينى» من جانب و«التكفير الوطنى» من الجانب الآخر إلى الحد الذى طال الجميع تقريبا دون سعى جدى لإيقاف هذا التردى الخطير فى العلاقات بين شركاء الثورة وقبلها الوطن والمستقبل، والعودة إلى القاعدة الأصلية التى يجب أن تحكمها وهى بصياغة أحد المعسكرين أن «يعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه ويعين بعضنا بعضا فيما اتفقنا فيه»، وبصياغة المعسكر الآخر «بقاء الوحدة مع ممارسة الصراع»، طالما انطلقنا من أننا جميعا أبناء وطن واحد وهدف واحد هو تقدمه وإعادة بنائه لما فيه مصلحة شعبه كله.
وأما العورة الثانية والعيب التالى فهو غياب فضيلة الإنصات إلى ما يقال والتدقيق فيما يكتب، والأخذ دون تردد بما كان يتخيله كل معسكر عن الآخر خلال سنوات الخلاف الطويلة القاسية، لاعتبار أن كل ما ينطق به أحد المنتمين لأيهما فى شرح موقفه أو الدعوة إليه بمثابة هجوم بل وتهجم وهدم متعمد للمعسكر الآخر ودعوة صريحة لإقصائه من ساحة الشراكة المفترض أنها واسعة للجميع. وقد بلغ عمق هذا العيب أنه حتى الرؤى التى حاولت تحليل نتائج الاستفتاء بما تعتقد أنه الأقرب للدقة والواقعية من العوامل، لم يحسن الاستماع إليها أو قراءتها فى ظل هيمنة الصورة المسبقة عند طارحيها ومعسكرهم من جانب بعض من أبناء المعسكر الآخر، فتم على الفور تصنيفها فى نفس خانة الهجوم والتهجم والإقصاء بل ووصل البعض إلى وصفها بالندب والعويل والاستهبال من أحد المعسكرين أو بالاستعلاء والشماتة والاحتقار من جانب المعسكر الآخر. وهنا يظهر العيب الثالث الرئيسى وهو ينصرف بصورة خاصة إلى بعض من الشباب المتحمس القادم حديثا إلى ساحة العمل السياسى والمفتقد إلى بعض من تقاليد الخلاف فيها وحسن إدارته، حيث بدا اندفاعهم فى الدفاع عن رأيهم فى التعديلات ورؤيتهم لمخالفيهم أقرب للذود عن عقيدة مطلقة منه للترويج لرأى يحتمل الصواب والخطأ، وهو الأمر الذى لا يتحملون وزره بمفردهم فى المعسكرين بل يحمل مسئوليته كبارهم من كهول وشيوخ من المفترض أنهم يملكون من الخبرة والوعى ما يؤهلهم للتمييز بين الأمرين ونقل ولو بعض منهما لأولئك الشباب.
وأما عن الأخطر فيما جرى ولايزال من تداعيات الخلاف حول التعديلات الدستورية، فهو تلك الصدوع والشقوق التى يتوجب التعامل معها فورا بحكمة ومسئولية قبل أن تتحول إلى أخاديد ضخمة بعمق واتساع كبيرين بين شركاء الوطن ورفاق وأخوة الثورة. ولعل الحقيقة التى يجب أن يقوم عليها أى حديث أو اقتراح للمعالجة هى التذكير بل والتحذير بأن الثورة لم تنجح بعد ولم تنته مهامها سواء فى هدم كل أركان النظام القديم أو فى بناء نظامها الجديد، وأن أى اعتقاد مخالف لهذه الحقيقة لن يؤدى فى حال الانطلاق منه لتحديد المهام أو المواقف سوى إلى فتح بوابات واسعة لكى تأكل الثورة نفسها مفسحة الطريق ممهدا لعودة النظام الساقط أو صورة منه للهيمنة على أحوال البلاد والعباد، وما هذا بأمر جديد على الثورات التى خيل لبعض أبنائها أنها اكتملت قبل أن يتجسد ذلك فى واقع يعيشه بسطاء الناس فى حياتهم اليومية بكل تفاصيلها الصغيرة. ومن نفس باب التذكير والتحذير فليسترجع الجميع من أبناء مصر سواء فى المعسكرين أو فى المجال الأوسع خارجهما كيف كان ذلك النظام الساقط يحكم ويسوس بلدهم وشئونهم وأنه العدو الحقيقى والوحيد الذى عليهم جميعا مواجهته والحيلولة دون رجوعه فى المرحلة الحالية شديدة الحرج من مسار الثورة.
ولكى تمكن المواجهة الجادة الفعالة مع نظام لا يزال بعض من أركانه البشرية والمادية قائمة وفاعلة فى مناحى المجتمع والدولة وساعية بدأب إلى استعادة مواقعها ومصالحها ونظامها بأكمله من بوابة الانتخابات البرلمانية القادمة وعلى حالة الصراع التى نشبت بين إخوة ورفاق الثورة، فإن خطوات محددة يجب القيام بها من الجميع. أولها أن يقبل الجميع، بغض النظر عن تفسيراتهم أو تبريراتهم لنتيجة الاستفتاء، نتيجته النهائية ويعتبرونها بداية مرحلة جديدة من التوافق والمشاركة بينهم حول خطوات المرحلة التالية. وثانيها أن يتشكل مجلس موسع لأمناء الثورة أو حكمائها أو حراسها، أيا كان الاسم، مهمته الرئيسية هى تبادل الرأى بين مختلف التيارات والفصائل والتشاور المستمر حول ما يستجد من مهام وقضايا عبر ممثلين لهم جميعا فيه، ونقل الرأى المتوافق حوله إلى المنتمين لكل منها أو إدارة الخلاف حول ما لم يتم التوافق عليه بصورة تحفظ للثورة تماسك وتجانس صفوفها الداخلية. وثالثها، أن يشترك الجميع عبر ما يرسمه هذا المجلس من مسارات عامة فى القيام بمهام محددة يكون لتنفيذها آماد زمنية واضحة، مثل ما سبق وقدمناه فى هذه المساحة قبل أسابيع قليلة من تشكيل لجان لكشف ممارسات الاستبداد والفساد بكل أنواعها وتقديم مرتكبيها بأدلة كافية إلى القضاء العادل، أو لجان أخرى أوسع لإعداد تصورات وتشريعات ومقترحات أبناء الثورة لبناء مختلف قطاعات المجتمع والدولة بصورة تختلف جذريا عما أقامها عليه النظام الساقط.
أما المهمة الرابعة والأكثر عجالة منها جميعا فهى التشارك فى الإعداد لتشكيل قائمة موحدة لمرشحى الثورة فى انتخابات مجلس الشعب القادمة وتجهيز ما تستوجبه تلك المعركة الحقيقية والأكثر أهمية فى مسار الثورة للانتصار الحاسم والنهائى فيها على بقايا وأركان النظام السابق الذين يرون فيها الباب الخلفى الذى سيعودون منه خلسة إلى حكم البلاد وقهر أبنائها بأضعاف مما كانوا يفعلون فى أثناء سنواتهم الثلاثين السوداء. إن إهدار الوقت فى خلافات أو مماحكات بين شركاء الثورة فى هذا الوقت الضيق العصيب أو اعوجاج الرؤية لمن هو العدو الحقيقى ومن هو الشريك المختلف، سوف تكون عواقبه وخيمة على الجميع وسيكون مصير الثورة كلها وحكم التاريخ عندها معلق فى رقبة من يرتكب مثل هذه الخطايا القاتلة لإنجاز شعب بأكمله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.