لم يتسن لنا نحن المغتربين عن أرض الوطن أن نشارك في صناعة الثورة المصرية أو نحصل على شرف الإسهام في استمرارها إلا من خلال الدعاء والدموع والتضرع إلى الله للوقوف إلى جانب أهلنا المظلومين لعقود طويلة، الذين خرجوا رافضين استمرار الظلم والقهر والإذلال و الاستعباد. نعم لم يكن لدينا غير دموع تسح طوال الليل والنهار عندما كنا نجلس أمام شاشات التلفاز لنرى جيش مبارك، من رجالات الشرطة والأمن المركزي المفترض بهم حماية أمن الوطن وضمان سلامة المواطن، يستعرض كل ما لديه من قوة وبطش وأدوات فتك، يسحق بها شباب مصر الأبي فخر هذه الأمة وعنوان كرامتها وكبريائها، في منظر متوحش لم نره يحدث من قبل ضد أعداء مصر القابعين على حدودنا الشرقية من اليهود والصهاينة. فعذراً يا مصرنا أننا لم نُلب ندائك، فقد حبستنا غربة مريرة عن الهبة والانتفاض من أجل رفع الغبن والظلم عن ثراك الطاهر. لقد رأيت، ومن خلال أول سطور أخطها بعد الثورة،أن أبعث بعدد من الرسائل علها تمثل ولو قدراً يسيراً من المشاركة الإيجابية في دور نتقدم به قرباناً للعفو والاعتذار عن تقصير خارج حدود قدرتنا والمستطاع. بداية اسمحوا لي من هذا المكان أن أتقدم بأولى رسالاتي، رسالة إجلال وإعزاز وإكبار لكل أرواح شهدائنا الأبرار، شهداء الحرية الذين ضحوا بأرواحهم من أجل أن تعيش بلادنا الحبيبة، وتنهض من عثرتها، وتستعيد حريتها السليبة. تحية لكل الشهداء الذين قدموا أرواحهم وأجسادهم فداءً لهذا الوطن الغالي. تحية إلى من علمونا أن الموت والتضحية من أجل الحرية أسمى وأنبل بكثير من حياة القهر والعبودية، فتقدموا الصفوف حاملين أكفانهم بين أيديهم، ووهبوا أنفسهم رخيصة من أجل أن تحيا مصر حرة، ينعم شعبها بالحرية والعدالة والكرامة الإنسانية0هؤلاء الشهداء هم الأبطال الحقيقيون الذين صنعوا الثورة ورووها بدمائهم الزكية الطاهرة. رسالتي الثانية من العرفان بالجميل والتقدير أرسلها إلى الرئيس المخلوع حسني مبارك الذي يرجع له الفضل كاملاً، بعد الخالق سبحانه وتعالى، في التأليف بين المصريين بمختلف ألوانهم ومشاربهم وتوحيدهم على كراهيته والاجتماع على رفض بقائه واستمراره فرعوناً على مصر لأكثر من ثلاثين عاماً. تحية للرئيس المخلوع الذي نشر الفاسدين المفسدين في كل جنبات ومفاصل الدولة ليهدم حضارة سبعة آلاف سنة ...، فجعل من اليسير علينا أن نميز الخبيث من الطيب. تحية للرئيس المخلوع الذي تفنن في قتل المصريين براً وبحراً وجواً في قطارات الصعيد وفي سفن البحر الأحمر وفي طائرات تفجرت بخيرة جنود مصر وضباطها، فعرفنا مدى حرصه على حياة أبناء شعبه. تحية للرئيس المخلوع الذي اختار وزرائه بعناية فائقة من الذين يشهد لهم بالغباء المستحكم والفشل الزريع والقدرة الخارقة على الإفساد من دون رادع من ضمير أو دين، فكان منهم من مد يد العون للصهاينة في شراكة خالصة لتصدير القتل والفتك بإخواننا في غزة وحصارهم، وكان منهم من تفتقت عقليته عن خطط جهنمية للتمادي في إذلال المصريين بإرسال نسائنا وفتياتنا للعمل كخدم ورقيق في بلاد النفط،، ومنهم من خرب الزراعة ودمر الصناعة وأحتكر التجارة، ومنهم من جلب الأمراض المتسرطنة، ومنهم من لفظ العلماء والمفكرين وأصحاب الرؤى والعقول المستنيرة لخارج البلاد واستعاض عنهم بالقوالب المثيرة من نانسي و أليسا وهيفا وهند ولطيفة وغيرهن، ومنهم من تآمر على أمن البلاد بسحب كل عناصر الشرطة وإثارة الفزع والاضطراب في ربوع الوطن ضمن خطة تنفيذ ما جاء في خطاب الرئيس من أن يختار الشعب ما بين الاستقرار أو الفوضى، فسقطوا جميعاً في خطيئة الإساءة لمصر والمصريين التي لا تغتفر. تحية لرئيس جعل من كرة القدم والأفلام والطبل والزمر والرقص مشاريع قومية يجب أن نتوحد خلفها، فأدركنا أهمية مشاريعه في بناء الإنسان المصري والعمل على تقدمه ورقيه. أخيراً تحية لرئيس أفنى سني عمره من أجل البقاء على عرش مصر حتى وإن قضى عليها وتسبب في موتها ، فقدم كل دلائل وجوب محاكمته كخائن للبلاد ومتآمر على أمنها القومي. رسالتي الثالثة أوجهها إلى من نصّبوا أنفسهم أوصياء على الشعب، وافترضوا فيه الغباء السياسي وعدم الفهم الحقيقي للديمقراطية. رسالتي إلى كل الذين يريدون الحجر على عقولنا وسلب حريتنا في التعبير عن أنفسنا، وتلغيم طريق الحرية أمامنا، وتسميم هذا الجو الإيجابي بديكتاتورية متأصلة بداخلهم لم يكشفها النظام السابق لتلاقيها مع مبادئه وأهدافه التي تتوائم و أهوائهم ومزاجهم. إلى كل هؤلاء الذين يحذرونا من خطر قادم اسمه الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية والتحذير من استيلاءهم على الحكم في مصر. يجب الفصل أيها السادة بين تخوفاتكم وهواجسكم وأحكامكم المسبقة على النوايا وبين إرادة الشعب وحريته في الاختيار والتعبير عن نفسه، والتي يجب أن نحترمها ونعمل على دعمها وتأييدها. فمن يختاره الشعب يجب الوقوف بجانبه ومساندته في بناء مصر ودوران عجلة الإنتاج، حتى وإن اختلف معنا في الأفكار والمعتقدات والاتجاهات، وهذه أسمى معاني الديمقراطية التي .طالما صدعوا بها رؤوسنا رسالتي الرابعة إلى كل المنتفضين المطالبين بإصلاحات عاجلة داخل مؤسساتهم ومصانعهم وشركاتهم فيم يعرف بالمطالب الفئوية. أقول لهم رحماكم بمصر، والصبر الصبر حتى تتمكن البلاد من عبور هذه .المرحلة الحرجة في تاريخها أما رسالتي الخامسة فهي موجهة إلى حكومة مصر المكلفة بتسيير شئون البلاد والعباد، إلى حكومة الدكتور عصام شرف الذي شاء الله سبحانه وتعالى من فوق سبع سموات أن يكون أميناً على مصرفي هذه المرحلة الحرجة. أقول له:- احرص على أن تكون خليفة ليوسف عليه السلام، وحفيداً لعمرو بن العاص وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهم، وامتداداً لصلاح الدين الأيوبي، وأحذر أن تكون من ورثة فرعون وهامان وقارون. اعمل على إقامة دولة الحق وإرساء قواعد العدل، وسنكون معك وإلى جانبك ولن نخذلك0 لقد فتح لك التاريخ أبواب المجد واسعة لك ولعائلتك من بعد، فكن لهم ولنا مصدر فخر واعتزاز. ورسالتي الأخيرة أكتبها إلى قواتنا المسلحة الباسلة، حامية حمى الوطن، قلعة الأمن وحصن الأمان لكل المصريين. أكتبها إلى أعضاء المجلس العسكري الذين تربوا على عشق مصر، وشبوا على عقيدة حب الموت والتضحية ليبقى الوطن. إن مسئوليتكم عظيمة والأمانة كبيرة. فانتم منوط بكم وضع مصر على خريطة العالم المتقدم، وبكم ستنهض وتنفض عنها أثار الانسحاب الطويل والهزيمة النفسية، وبكم تستعيد مكانتها الطبيعية بين أشقائها العرب وتمارس دورها الإقليمي والدولي باستقلالية كاملة. احرصوا على تسجيل أسمائكم بحروف من نور في صفحات التاريخ الحديث الذي ينتظر ما ستقومون به ونحن معه.