الاحتفاظ بعناصر ميدان التحرير، والإبقاء عليها كما هى باعتبارها شاهدا على أحداث ثورة 25 يناير، أو تخليد وبناء ذاكرة للمكان، من خلال نصب تذكارى أو لوحة جدارية، كان هذا هو الجدل السائد مساء أمس الأول بقاعة المجلس الأعلى للثقافة التى عقد بها الجهاز القومى للتنسيق الحضارى ندوة عن تصورات طرح مسابقة عن مستقبل ميدان التحرير، ترأس الندوة سمير غريب رئيس الجهاز والدكتورة سهير حواس وشاركهما حضور كبير من أساتذة وخبراء العمارة والتخطيط فى مصر، كان على رأسهم الدكتور صلاح حجاب رئيس جمعية المعماريين والدكتور عادل يس والدكتورة سحر عطية الفائزة بمشروع تطوير قلب القاهرة التاريخى. وفسر سمير غريب رئيس جهاز التنسيق الحضارى السبب وراء الإعلان عن مسابقة تتناول مستقبل ميدان التحرير هو انه لوحظ بعد أيام قليلة من بداية الثورة أن الكثير من المهتمين والمعنيين بالعمارة بدأوا فى نشر أفكارهم فى الصحف عن إنشاء نصب تذكارى أو جدارية فى ميدان التحرير تخلد أحداث الثورة، لذلك قرر الجهاز بصفته المعنى بهذه الأمور من الناحية القانونية أن ينظم مسابقة تجمع كل هذه الأفكار والمجهودات للمشاركة فى الرؤية حول ميدان التحرير. واشتدت وجهات النظر فى اختلافها، حتى أعلن الدكتور نزار الصياد أستاذ التخطيط العمرانى بجامعة كاليفورنيا، رأيه عن تغيير اسم ميدان التحرير إلى ميدان الشهداء قائلا: لسنا إيران كى نغير اسم الميدان إلى الشهداء، رغم مصادفة تشابه أحداث ثورة يناير فى نفس تواريخ أحداث الثورة الإيرانية ففى 25 يناير 1979 كانت بداية الثورة الإيرانية، وفى نفس اليوم من 2011 كانت ثورة المصريين، وفى 19 فبراير كان إعلان سقوط نظام الشاه وفى نفس التاريخ تقريبًا تم إعلان تنحى الرئيس السابق فى مصر، واقترح تصور أن مساحة ميدان التحرير كبيرة لدرجة أنها تصلح لأن يكون بها أكثر من ميدان احدهما فى المساحة الموجودة الآن أمام مجمع التحرير والأخرى أمام المتحف المصرى. وتطورت الاقتراحات والرؤى حين شاركت فاطمة طالبة الهندسة الحضور فى فكرة مشروع التخرج الذى تعمل عليه الآن، والذى يختص باستخدام ميدان التحرير كساحة للكلام، فكما كان يجتمع فيه الثوار ليتحدثوا وشاركوا بعضهم الرأى ويعلنون وجهات نظرهم، فلماذا لا يكون هناك تصميم لمسرح مكشوف فى ميدان التحرير، وبدأ الحديث عن الطريقة التى استخدم فيها الميدان فى الثورة، واجمع المشاركون فى الندوة على أن استخدامات الميدان كانت متعددة ومختلفة فالثوار كانوا يفككون ملامح الميدان ثم يعيدون تشكيلها مرة أخرى حسب اللحظة التى يعيشونها، وهو ما أشار إليه المعمارى عادل يس قائلا إن هذا هو مصير الميادين الكبيرة فى العالم فدائما ما كانت ثورات العالم تستخدم الميادين، مؤكدا تكوين شخصية الفراغ فى ميدان التحرير، مقترحا أن يكون هناك أقواس للنصر على مداخل الميدان لتميز الفراغ الذى شهد الثورة دون التدخل فى هذا الفراغ وملئه ، وهنا اتفق معه الدكتور صلاح حجاب الذى يرى ان ميدان التحرير هو مجموعة من الفراغات وانه مجموعة من الطبقات وانه شاهد على أحداث تاريخية عظيمة كان آخرها ثورة يناير، ويجب الحفاظ على كل التاريخ العظيم الذى يحمله المكان، وأشار إلى ضرورة البحث عن فراغ غير مستغل فى الميدان ليكون به نصب تذكارى يخلد أحداث يناير واقترح حجاب أن يكون هذا الفراغ غير المستغل هو المستطيل بين جامعة الدول العربية والمتحف المصرى. وعاد الدكتور نزار ليطرح مفهوما اخر لتخليد ذكريات يناير فى التحرير بأن الأمر قد يكون من خلال شاشة عرض لبعض المشاهد والأحداث من الثورة، أو عبارة عن فاعلية يتم تنظيمها فى المكان كل عام، واقترحت رئيسة جمعية الخلق الحسن أن تكون هناك محاولات لسد الفجوة التى كانت بين الكبار والشباب حتى أصبح الشباب يستخدمون لغة لا يفهمها الكبار وانفصلوا عن الشباب، لذلك يجب أن يكون الميدان ملكا للشباب واقترح تحويل مبنى مجمع التحرير رمز السلطوية والمركزية والشمولية إلى بيت شباب عالمى يتواصل من خلاله كل شباب العالم بتنظيم زيارات لهم لمصر وكذلك مبنى الحزب الوطنى، الذى طرحت حوله الدكتورة سهير حواس استفهامات عديدة حول طبيعة التعامل معه لأن المبنى له تاريخ أقدم من كونه مقر الحزب الوطنى فكان مقرا للاتحاد الاشتراكى وكان هذا المبنى أول مقر لبلدية القاهرة حينما كانت شوارع القاهرة يتم غسلها بالماء والصابون، وفضلت أن يتم الاحتفاظ بالمبنى بحالته الحالية وتأثير الحريق به أو على الأقل الاحتفاظ بوجهته كما هى الآن لتذكر دائما بما حدث، وهنا كشف سمير غريب عن سر قال انه كان يحتفظ به لنفسه يخص التعامل مع مبنى الحزب الوطنى وهو تحويل المبنى إلى متحف لتاريخ التعذيب فى العالم. وطلب المهندس الشاب مؤمن الحسينى فى مداخلة قصيرة جدا أن تتم دراسة ميدان التحرير اكثر ودراسة كيف كان يتحرك الشباب فى الميدان ومن اى اتجاه وكيف كان هذا الميدان الأكثر تنظيمًا فى مصر والأكثر احتواء ليكون ذلك مأخوذا فى الاعتبار قبل اضافة أو حذف اى عنصر فى ميدان التحرير. وأنهت الدكتورة سهير حواس الندوة بطرح تساؤل فلسفى ضخم بخصوص التكنولوجيا الحديثة واستخدامها فى ثورة يناير لتوثيق كل الأحداث التى شهدتها الثورة، فبعد هذه التكنولوجيا لم تعد تطرح علينا ازمة التوثيق للحدث، ولكن هل هذا يعنى ان هذه القدرة العالية على التوثيق ستفقد مكانا مثل ميدان التحرير أهميته أو قد تفقد بعض عناصره جزءا من أهميتها، مع الأخذ فى الاعتبار أن المكان هو عنصر مهم فى صناعة التاريخ.