"التضامن الاجتماعي" تحتفل بعيد الأضحى بعدد من الفعاليات مع الأطفال بالعاصمة الإدارية الجديدة    كاسيميرو وفينيسيوس يدافعان عن أنشيلوتي بعد التعادل    حجاج الجمعيات الأهلية يرمون جمرة العقبة الكبرى.. والبعثة توفر خدمات متكاملة بمشعر منى    رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني: مقترح ويتكوف منحاز بشكل فاضح ضد حماس    مواعيد مواجهات العين الإماراتي في كأس العالم للأندية 2025    وزيرة العدل الأوكرانية: أمامنا عام واحد لتلبية شروط التمويل الأوروبي الكامل    رفع درجة الاستعداد القصوى ومتابعة محطات المياه خلال أيام العيد فى سوهاج    حسين لبيب: تتويح الزمالك ببطولة كأس مصر نتاج عمل جماعى.. صور    الهلال يرفع عرضه لضم أوسيمين    البنك المركزي وضرورة تطوير منظومة إدارة الاحتياطي النقدي    السعودية: 10 آلاف نشاط توعوى و34 مليون رسالة خلال يومي التروية وعرفة    مصرع طفل سقط من علو في أكتوبر    أيمن بهجت قمر يعلق على انضمام زيزو للنادي الأهلي "زيزو في الأهلي"    النجم العالمى جيمى فوكس يشارك في إنتاج فيلم happy birthday ل نيللى كريم    محافظ الإسماعيلية يتفقد المجمع الطبى بحى ثالث فى أول أيام عيد الأضحى    في ليلة العيد.. "المشروع X" يتربع على المركز الأول في شباك التذاكر    القناة 12 العبرية: مقتل جندي إسرائيلي في مواجهات بجنوب غزة    الهيئة الوطنية للإعلام تنعى الإذاعية هدى العجيمي مقدمة برنامجي مع الأدباء الشبان وإلى ربات البيوت    ياسر جلال يحتفل بالعيد مع الفنان مصطفى أبو سريع بفيديو كوميدي    السينما والمسرحيات.. أشهر أفلام عيد الأضحى التي لا غنى عنها في البيوت المصرية    وزير الأوقاف يشهد صلاة الجمعة بمسجد سيدنا الإمام الحسين بالقاهرة    المجمعات الاستهلاكية تواصل عملها في أول أيام عيد الأضحى    جاسمين طه زكي: نشأت في بيت سياسي ودخولي الإعلام قوبل باستهجان    من الصلاة والأضاحى للاحتفالات.. بلاد العرب تستقبل عيد الأضحى.. ألعاب نارية وكرنفالات.. زيارة المقابر فى الكويت.. المغرب بدون "النحر" للمرة الأولى و"الرومى" بديل الأضحية.. مشهد مهيب للصلاة بالمسجد الحرام    أمين "الجبهة الوطنية" يؤدي صلاة عيد الأضحي مع أهالي قريته بالغربية (صور)    بالفيديو| مها الصغير تغني "علي صوتك" ومنى عبدالغني تشاركها الغناء    حمزة العيلي يكشف تأثير فيلم «إكس لارج» على الجمهور وأجره المتواضع في العمل    رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال مصر يلتقي نظيره البرازيلي في جنيف    نسب وأرقام.. أول تعليق من حزب الأغلبية على «القائمة الوطنية» المتداولة ل انتخابات مجلس الشيوخ    الصحة: إجراء 2 مليون و728 ألف عملية جراحية ضمن المبادرة الرئاسية لإنهاء قوائم الانتظار    مراسلة "القاهرة الإخبارية": المصريون يقبلون على الحدائق العامة للاحتفال بعيد الأضحى    السياحة تشكل غرفة عمليات لتلقي الشكاوى خلال إجازة عيد الأضحى    الرئيس النمساوي يهنئ المسلمين بعيد الأضحى المبارك    باكستان تدين الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت    مظاهر احتفالات المواطنين بعيد الأضحى من حديقة الميريلاند    عيد الأضحى في حديقة الأزهر.. 15 صورة توثق بهجة العائلات والأطفال    طريقة تنظيف الممبار وتقديمه فى أيام العيد    صحة الأقصر تتابع سير أعمال مستشفى الحميات فى أول أيام اجازة العيد    أهالى بنى سويف يلتقطون الصور السيلفى مع المحافظ بالممشى السياحي أول أيام عيد الأضحى المبارك    جوزيه بيسيرو يهنئ الزمالك بعد الفوز بلقب كأس مصر    الهلال الأحمر المصري يشارك في تأمين احتفالات عيد الأضحى    حكم من فاتته صلاة عيد الأضحى.. دار الإفتاء توضح التفاصيل    محافظ القليوبية يتفقد حدائق القناطر الخيرية    محافظ دمياط يحتفل بمبادرة العيد أحلى بمركز شباب شط الملح    إيطاليا تلتقي النرويج في مباراة حاسمة بتصفيات كأس العالم 2026    لا تكدر صفو العيد بالمرض.. نصائح للتعامل مع اللحوم النيئة    روسيا: إسقاط 174 مُسيرة أوكرانية فيما يتبادل الجانبان القصف الثقيل    محافظ بني سويف يؤدي شعائر صلاة عيد الأضحى بساحة مسجد عمر بن عبدالعزيز    وزير الدفاع الإسرائيلي يهدد لبنان: لا استقرار دون أمن لإسرائيل    محافظ الفيوم يؤدي صلاة عيد الأضحى المبارك بمسجد ناصر الكبير.. صور    تعرف على سعر الدولار فى البنوك المصرية اليوم الجمعه 6-6-2025    محافظ جنوب سيناء يؤدي صلاة العيد بشرم الشيخ ويوزع عيديات على الأطفال    مدح وإنشاد ديني بساحة الشيخ أحمد مرتضى بالأقصر احتفالا بعيد الأضحى    عاجل - موضوع خطبة الجمعة.. ماذا يتحدث الأئمة في يوم عيد الأضحى؟    سنن وآداب صلاة عيد الأضحى المبارك    سنن وآداب صلاة عيد الأضحى المبارك للرجال والنساء في العيد (تعرف عليها)    «ظلمني وطلب مني هذا الطلب».. أفشة يفتح النار على كولر    المثلوثي: جمهور الزمالك نمبر 1.. وناصر منسي: سنبني على تلك البطولة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صراع الثورة مع الواقع
نشر في الشروق الجديد يوم 17 - 03 - 2011

قامت ثورة 25 يناير 2011 وهى تمتطى جواد الحداثة والعولمة والتقنيات الحديثة، تنادى بقيم مجتمع ما بعد الحداثة من ديمقراطية وحقوق الإنسان ومواطنة ومساواة أمام القانون... إلخ، وكان فرسان الثورة شبابا اكتسبوا تعليمهم وثقافتهم إما من جامعات أجنبية فى مصر أو من شبكة الإنترنت، وقاموا بإجراء حوارات مع شباب من كل دول العالم بل وتطلعوا بإعجاب إلى تجارب الشعوب الأخرى وبدأوا يدافعون عن كل مظلوم، مثل موقع كلنا خالد سعيد وحركة 6 أبريل، وكان لنشاطهم الواضح فى حادث نجع حمادى الأثر الملموس فى تغيير الرأى العام، وعندما تواعد هؤلاء الشباب للقيام بتظاهرة يوم عيد الشرطة فى 25 يناير 2011 لم يكن يخطر ببالهم أن يتجمع حولهم كل مظلوم وكل مر النفس، وكل من يشعر بالتهميش، وانتهى الأمر بمفاجأة نجاح الثورة، لكن بعد نجاح الثورة كان الاصطدام بالواقع فالثورة نقطة ضوء فى محيط مظلم، فالمجتمع المصرى الذى خرج لنجاح الثورة به نسبة أمية لا تقل عن 40% وأمية المتعلمين والمثقفين ضاربة فى العمق، والتيار الدينى السلفى يسيطر على معظم شباب مصر، والفتنة الطائفية تضرب بأطنابها على أرض مصر، وبنظرة سريعة نجد أن مبادئ الثورة من الحرية والمساواة وتقدم حقوق الإنسان بدأت تختنق بكل هذه العوامل التى تسيطر على أرض الواقع ولولا حماية المجلس الأعلى للقوات المسلحة لمكتسبات هذه الثورة لانتهى أمرها منذ زمن بعيد ولقد كان صدام الثورة بالواقع فى موقعة قرية صول بأطفيح مؤلما وخطيرا ويدعو للقلق الشديد على مستقبل مصر، فلقد وضح تماما الفارق الحضارى الضخم بين مبادئ الثورة وواقع الحياة فى مصرنا الحبيبة ونستطيع أن نرصد صراع الثورة مع الواقع فى عدة تناقضات:
أولا: صراع مقومات الدولة الحديثة مع الواقع القبلى:
قام الصراع فى قرية صول بسبب قصة حب بين شاب وفتاة مختلفى الديانة، وهذا الأمر يمر مرور الكرام فى أى دولة تتبنى قيم الحداثة لأن هذه الدول تتبنى حقوق الإنسان ومن أهمها حرية اختيار العقيدة والطائفة والشريك... الخ، أما فى الدول التى ما زالت تعيش وتتحرك بالقيم القبلية فهذه جريمة كبرى لابد من إيقافها ومعاقبة مرتكبيها، ولذلك وقعت جريمة بين اثنين من الأقرباء لأن واحدا منهما اقر بحق الاختيار للفتاة ولم يقم بقتلها بينما الآخر رأى فى ذلك تلويثا لشرف العائلة، فتقاتلا وقتلا بعضهما البعض، مما أثار شباب القرية الذى انحاز إلى القبلية، وفى عودتهم من المقابر اتجهوا إلى الكنيسة وهدموها وأحرقوها، كل هذا فى تجاهل للدولة والقانون، ثم تلى ذلك عقد محكمة عرفية لا وجود لها فى أى دولة حديثة فى العالم لأنها تتواجد فقط بين القبائل البدوية ويتم فيها نوع من التراضى بين الأطراف المتخاصمة بين الجانى والمجنى عليه، سواء بدفع مبالغ مالية تجمع من رجال القبيلة، لكن يبقى الظالم والمظلوم يعيشان بجانب بعضهما البعض، وعادة ما يمتلئ حلق المظلوم بالمرارة، ولم تحل هذه المحاكم أى مشاكل وقعت من قبل من أحداث الكشح حتى العياط... الخ والمشكلة أن هذا يحدث فى تجاهل تام لدرجات التقاضى المدنية والجنائية، وكأن هؤلاء البشر يعيشون فى عالم آخر وليس بيننا، والمشكلة الأكبر أن هذه المحاكم العرفية تتم تحت عناية ورعاية السلطة التنفيذية الممثلة فى المحافظين ورؤساء المدن والقرى والشرطة، وأيضا تحت عناية أعضاء مجلس الشعب والذين يمثلون السلطة التشريعية، أليس هذا غريبا؟! ولقد تم هذا السيناريو فى قرية صول بنفس الأسلوب والطريقة، وذات الكلمات والإجراءات التى كانت تحدث قبل الثورة وكأن الثورة لم تقم بعد، ولقد تقبل معظم الناس الأمر وكأن شيئا لم يكن.
ثانيا: صراع التفكير العلمى مع الخرافة:
منذ أن بدأ الإنسان تبنى التفكير العلمى وهو يعانى تجذر الفكر الخرافى والذى امتد وتعمق لآلاف السنين فى نفوس البشر، ومن أهم مبادئ التفكير العلمى هو إرجاع الظاهرة إلى أسبابها الحقيقية، فقبل التفكير العلمى كان الإنسان يرجع ظاهرة الزلازل مثلا إلى الثور الذى يحمل الأرض على قرنيه ويحرك الأرض من قرن إلى آخر فيقع الزلزال، وعندما أدرك الإنسان السبب الحقيقى استطاع أن يقاوم الزلزال وهكذا مع فيضانات الأنهار وظاهرتى الخسوف والكسوف، وهذه الأمور كلها تجاوزها الفكر الإنسانى الحديث، ومن الواضح أن ثوار 25 يناير يتبنون التفكير العلمى، ويتبين ذلك بصورة جلية فى كتاباتهم على الفيس بوك وفى إدارتهم للثورة والأزمة... الخ، والسؤال هو ما هى المسافة أو الفارق بين فكر الثورة وفكر شباب صول بأطفيح الذين صرحوا بأنهم لم يكونوا ينوون حرق الكنيسة لكنهم عندما دخلوا الكنيسة وجدوا أوراقا فيها أسماء مسلمين تم سحرهم فثارت ثائرتهم واشتد غضبهم فقاموا بهدم وإحراق الكنيسة، وبالسؤال عن آثار هذا السحر قالوا إن المسلمين الذين تزوجوا وسكنوا بجوار الكنيسة تم طلاقهم سريعا بل إن الرجال منهم عجزوا جنسيا (الربط)، والأهم من كل ذلك أن الشيخ حسان الذى ذهب إلى القرية دافع عن هذا الأمر فى برنامج مصر النهارده قائلا انه رأى بعينيه هذه الأوراق وكأنه يبرر إحراق الكنيسة، أما مذيع الحلقة فلم يعلق بالرفض أو الموافقة، إذن هناك من يؤمن بالسحر الأسود أو العمل السفلى، وإذا كان هؤلاء أغلبية بين الشباب المصريين مسيحيين ومسلمين فهذا يعنى أن بلادنا من المستحيل أن تنجح فيها ثورة تحض على التفكير العلمى وترفض الخرافة، وهذا يعنى الانتحار الحقيقى لبلد مثل مصر.
ثالثا: صراع الفكر الدينى المستنير مع الخطاب الدينى التقليدى:
من المعروف أن هناك فارقا بين النص الدينى والفقه أو اللاهوت، فالنص الدينى ثابت أما الفقه أو اللاهوت فيتغير بتغير الزمان والمكان والإنسان، وعلوم التفسير اتفقت على أن تفسير النص ينبغى أن يراعى ثلاثة أمور مهمة أولا: الخلفية التاريخية للنص أو ما يسمى بأسباب النزول أى الإجابة عن سؤال ما هى القضية التى كان النص يعالجها حينئذ، ثم الفهم اللغوى لمعانى الكلمات وأخيرا الإجابة عن سؤال «ماذا يعنى هذا اليوم وهنا أى فى الزمان والمكان» لكن الخطاب الدينى التقليدى يقف عند أسباب النزول أو عند الخلفية التاريخية، ويقف عند تفسير ظاهر اللفظ وليس معانيه، ويحاول أن يفرض الماضى الاجتماعى على المجتمع اليوم وبقوة، إن هذه النوعية من الخطابات ترفض القول بأن الإنسان فى حالة صيرورة أى يختلف من زمن إلى زمن ومن مكان إلى آخر، ولا تراعى التغيرات العلمية والثقافية فى المجتمع بل وتضع النص الدينى فى صراع مع المنطق والعقل، وهذه المدرسة تنشئ لمجتمعاتها شبابا يحفظ ولا يفهم يسير مغلق العقل والفهم والإدراك، أى يحدث له غسيل مخ، وما رأيناه وسمعناه عن حادث صول الأخير أن شباب القرية يعتصمون رافضين تسليم أرض الكنيسة للجيش بحجة أن هذه الكنيسة لم تكن فى الأصل كنيسة لكنها كانت تجمع خدمات ثم تحولت إلى كنيسة ولأنه يمارس بها السحر الأسود، لذلك لا مانع لديهم أن يعاد بناء الكنيسة خارج القرية، ورغم تفاهة هذه الآراء إلا أن معظم الدعاة الذين ذهبوا إليهم لإقناعهم بغير ذلك مثل الشيخ حسان وصفوت حجازى وعمرو خالد وجدوا مقاومة رهيبة، لأن هؤلاء الشباب يرفضون الحوار مع أن الذين يحاورونهم عمالقة بالمقارنة بدعاتهم على الأرض والذين شحنوهم بهذه الأفكار الغريبة والتى هى ابعد ما تكون عن الفكر الإسلامى المستنير.
وفى النهاية أقول لقد قامت الثورة لاسترداد الوطن لأصحابه الحقيقيين، ولأجل تحقيق ذلك لابد وأن يتغير أصحاب هذا الوطن لكى يصبحوا قادرين على استرداد أوطانهم من الجهل والتعصب والتخلف والقبلية إلى العدالة والمساواة والحرية والتفكير العلمى وإذا كانت الثورة قد قامت لوضع أساس كل هذه القيم فهل ستصمد لزمن التغيير الطويل الذى ينتظرها، أم أن الواقع سوف يدمر الثورة ويعود الوطن إلى حال أردأ مما كان قبل الثورة؟! أرجو ألا يكون هذا هكذا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.