إدراج جامعة بدر في تصنيف التايمز لعام 2025 لمساهمتها في تحقيق أهداف التنمية المستدامة    الملتقى العلمي لقسم الصحافة ب«إعلام القاهرة» يناقش التعليم الصحفي في العصر الرقمي    معاً نحو مستقبل دوائي ذكي ومستدام.. صحة المنوفية تقيم مؤتمر لأهمية الدواء    «آي صاغة»: الذهب تحت ضغط العوامل الاقتصادية.. وترقب لتحولات الفيدرالي الأمريكي    الحكومة تطمئن المواطنين: «مفيش قلق على مصر»    جهود مشتركة بين وزارة المالية وجهاز تنمية المشروعات لدعم أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة    تخصيص أراضٍ لإقامة مدارس ومحطات صرف وحضانات ومنافذ بيع مخفضة في الغربية    فقدان مفاجئ في التوجيه.. قناة السويس تكشف سبب جنوح سفينة RED ZED1 وحجم الخسائر    في اسطنبول.. وزير الخارجية والهجرة يلتقي بوزير خارجية إيران    عراقجي: الشعب الإيراني يتمتع بأعلى درجات التماسك والتضامن الوطني    صن داونز ضد دورتموند.. التشكيل الرسمي للقمة المرتقبة فى كأس العالم للأندية    أخطر تصريح للرئيس الأمريكي.. أحمد موسى: ترامب يساند مصر بقوة في ملف سد النهضة    تصعيد التوترات: إسرائيل تهدد حزب الله ولبنان يدعو للحياد    بث مباشر مباراة صن داونز وبروسيا دورتموند (2-4) في كأس العالم للأندية (لحظة بلحظة) | صن داونز يضيف الثاني    منتخب شباب اليد يتأهل متصدرًا بعد 3 انتصارات في مونديال بولندا    فيفا يختار المصري محمود عاشور ضمن طاقم تحكيم مواجهة مانشستر سيتي والعين    نائب محافظ الجيزة: نولى اهتمامًا بالمبادرات الهادفة إلى إحياء التراث    رغم إغراءات الدوري السعودي.. نوتنجهام فورست يجدد عقد نونو سانتو    4800 جنية وراء مقتل طبيب مخ واعصاب شهير بطنطا    بينهم 5 من عائلة واحدة... ننشر أسماء ضحايا ومصابي حادث تصادم ميكروباص وجرار زراعي بكفر الشيخ (خاص)    أنهى حياته بسبب علبة سجائر.. تجديد حبس متهم بقتل صديقه وإلقاء جثته بالشارع في سفاجا    خوفًا من شقيق زوجها.. أم تلقي بنفسها ورضيعتها من شرفة المنزل بدار السلام بسوهاج    الأرصاد: بدأنا فصل الصيف فلكيا وذروة الحر ستكون خلال شهري يوليو وأغسطس    الحبس سنة مع الشغل ل 3 متهمين أصابوا آخر بعاهة في المنيا    خبير استراتيجي: إيران لديها مخزون استراتيجي كبير من الصواريخ وتتطور في ضرب إسرائيل    فلاحة وراقصة وعفوية.. صور نادرة للسندريلا سعاد حسني في ذكرى وفاتها ال24    وزير الصحة يتفقد مستشفى مدينة نصر للتأمين الصحي ويوجه بزيادة القوى البشرية    جامعة سوهاج تحدد 15 سبتمبر المقبل لتسلم «مستشفى الجراحات التخصصية»    حملات بيطرية لحماية الثروة الداجنة وضمان سلامة الغذاء بالإسماعيلية    "يمين في أول شمال" في أول لياليه على مسرح السلام.. صور    محمد ثروت: وقوفي أمام ميمي جمال شرف.. وسعيد بفيلم «ريستارت»    كواليس أغنية «أغلى من عنيا» ل هاني حسن الأسمر مع والده الراحل    «للرجال أيضًا إجازة وضع».. إجازات قانون العمل الجديد تصل ل45 يومًا | تعرف عليها    يسرا ومصطفى شعبان في طليعة نجوم الفن العائدين.. هل سيكون النجاح حليفهم؟    «امتحانات في عزّ النار».. كيفية تهيئة المناخ المناسب للطلاب؟    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : كم اتمنى القرب منك سيدى ودون فراق?!    وزير العمل ومحافظ كفر الشيخ يمنحان خريجات البرامج التدريبية 11 ماكينة خياطة    خبير استراتيجي: حذرنا من التصعيد منذ 7 أكتوبر.. وإيران قد تلجأ لرد انتقامي    محافظ الدقهلية: تنفيذ 586 قرار إزالة خلال الموجة 26 لإزالة التعديات والمخالفات حتى اليوم    رئيس وزراء صربيا يزور دير سانت كاترين بجنوب سيناء    شمس الظهيرة تتعامد على معابد الكرنك بالأقصر إيذانًا ببداية فصل الصيف    نقابة المحامين توضح إرشادات يجب اتباعها خلال استطلاع الرأي بشأن رسوم التقاضي    آداب وأخلاق إسلامية تحكم العمل الصحفي والإعلامى (4)    الرئيس السيسى وملك البحرين: التصعيد الجارى بالمنطقة يرتبط بشكل أساسى باستمرار العدوان على غزة.. إنفوجراف    تجديد حبس 4 أشخاص بتهمة خطف شاب بسبب خلافات بينهم على معاملات مالية    استشهاد 21 شخصًا بقصف إسرائيلي بينهم منتظرون للمساعدات    طب قصر العيني" تعتمد تقليص المناهج وتطلق برنامج بكالوريوس الطب بالجامعة الأهلية العام المقبل    بداية جديدة وأمل جديد.. الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة المقبلة    وائل جسار يُقبل عَلَم المغرب في حفله ب مهرجان موازين    انطلاق انتخابات صندوق الرعاية الاجتماعية للعاملين بشركات الكهرباء    رئيس جامعة الأزهر: العقل الحقيقي هو ما قاد صاحبه إلى تقوى الله    الصحة: عيادات البعثة الطبية المصرية استقبلت 56 ألفا و700 حاج مصرى    رسالة أمل.. المعهد القومي ينظم فعالية في اليوم العالمي للتوعية بأورام الدم    «خلوا عندكم جرأة زي بن شرقي».. رسائل من وليد صلاح الدين ل مهاجمي الأهلي    تعرف على مصروفات المدارس لجميع المراحل بالعام الدراسي الجديد 2025/2026    حكم صيام رأس السنة الهجرية.. دار الإفتاء توضح    تركي آل الشيخ يكشف سبب إقامة "نزال القرن" في لاس فيجاس وليس في السعودية    مؤمن سليمان يقود الشرطة للفوز بالدوري العراقي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فى الجاهلية السياسية
نشر في الشروق الجديد يوم 12 - 05 - 2009

لا أعرف مرحلة فى التاريخ العربى المعاصر اختلطت فيها الأوراق وانقلبت المعايير مثل ما هو حاصل الآن، الأمر الذى يسوغ لى أن أصف أيامنا هذه بأنها زمن الجاهلية السياسية.
(1)
الجاهلية فى القاموس المحيط هى عدم إدراك ما لا بد من معرفته. وعدم الإدراك هذا له أسباب عدة أزعم أنها تتراوح بين العبط والاستعباط. فعندما يصرح الرئيس «الإسرائيلى» شمعون بيريز أمام مؤتمر مجلس العلاقات الأمريكية «الإسرائيلية» (إيباك) مثلا بأن إيران هى الخطر المشترك الذى يهدد «إسرائيل» والعرب، فذلك هو الاستعباط حقا. أما إذا صدقه أحد من العرب فذلك هو العبط بعينه.
من الجاهلية السياسية أن نفقد البوصلة التى تحدد الوجهة والترتيب الذى يحدد لها «واجب الوقت»، بما يؤدى إليه من خلل فى ترتيب الأولويات. فقد كان من الطبيعى والمنطقى بعد العدوان «الإسرائيلى» على غزة أن ينشغل العالم العربى عند الحد الأدنى برفع الحصار وإعمار القطاع بعد تدميره. ولأن «إسرائيل» تذرعت فى عدوانها بإطلاق الصواريخ الفلسطينية بعد انتهاء فترة «التهدئة» المتفق عليها، فإن فصائل المقاومة ربطت قرار التهدئة بمصير الحصار، وأعلنت انه لا تهدئة مع استمراره. ولكن شيئا من ذلك لم يحدث، فلا رفع الحصار ولا بدأ الإعمار، واستجابت المقاومة للضغوط العربية التى مورست لوقف إطلاق الصواريخ، وتم فرض التهدئة من جانب واحد. ومن ثم فازت بها «إسرائيل» دون أن تدفع مقابلها شيئا يذكر.
كان بوسع أى جهد عربى واع أن يستخدم ورقة العدوان الوحشى الذى انفضح أمره فى العالم بأسره للانتقال من الدفاع إلى الهجوم، ومن ثم كسب عدة نقاط للموقف الفلسطينى، وكانت هناك أكثر من فرصة لتحقيق تلك المكاسب النسبية، خصوصا أن الإدانات الدولية كانت معلنة، والأجواء الإعلامية كانت مواتية، وبعض المحاكم الأوروبية كانت مستعدة للنظر فى دعاوى جرائم الحرب التى تقدم ضد القادة «الإسرائيليين»، وهو ما تحسبت له إسرائيل حين تكتمت أسماء أولئك القادة الذين ارتكبوا الجرائم، وحذرتهم من السفر إلى الخارج.
لم يحدث شىء من ذلك أيضا، حتى تقصى حقائق ما جرى أثناء العدوان لم يتم. واستطاعت «إسرائيل» أن تشغل الدول الغربية والعربية المعنية آنذاك بملف الأنفاق وتهريب السلاح إلى غزة، حتى أصبحت تلك هى المشكلة التى استدعت عقد اتفاق خاص مع الولايات المتحدة واستصدار قرار من مجلس الأمن. ومورس العبط والاستعباط فى هذه المسألة، لان أحدا لم يقل إن الاحتلال هو المشكلة الحقيقة، التى فرضت الأنفاق وتهريب السلاح.
(2)
بعد العدوان على غزة، حدث تطوران هامان، أحدهما أن إدارة أمريكية جديدة جاءت إلى البيت الأبيض وتبنت خطابا تصالحيا حاول أن يمتص أسباب الغضب والكراهية والسقوط الأخلاقى الذى لاحق سمعة الولايات المتحدة خصوصا فى العالمين العربى والإسلامى. التطور الثانى أن حكومة أكثر تطرفا وشراسة تولت السلطة فى «إسرائيل». وكان وجود بنيامين نتنياهو على رأس الحكومة وتعيين أفيجدور ليبرمان نائبا له ووزيرا للخارجية، كافيا للتدليل على أننا بصدد حكومة جاءت للتصعيد واللاحل.
الحكومة «الإسرائيلية» الجديدة جاءت متبنية مواقف وأطروحات أكثر فجاجة من مواقف حكومة أولمرت التى سبقتها. وهى لم تسبب حرجا للطرف الفلسطينى المفاوض ولدول «الاعتدال» فحسب، التى راهنت على التسوية السلمية وتعلقت بالمبادرة العربية، وإنما سببت حرجا أيضا للولايات المتحدة ذاتها، التى رعت مؤتمر أنابوليس وتبنت حل الدولتين الذى كان «الجزرة» التى لوحت بها إدارة بوش للعرب.
فى الفترة التى تولى فيها نتنياهو رئاسة الحكومة للمرة الأولى (ما بين عامى 96 و1999) تحدث عن ثلاث لاءات: لا انسحاب من الجولان لا حديث عن القدس لا محادثات فى ظل أى شروط مسبقة. وحين تولى السلطة هذه المرة فإنه أضاف «لا» رابعة رفض فيها حل الدولتين. وأبدى استعدادا «للتنازل» النسبى حين اشترط موافقة الفلسطينيين على الاعتراف ب«إسرائيل» دولة يهودية (وهو ما يعنى طرد فلسطينى عام 48) إذا ما أرادوا فتح ملف الدولة الفلسطينية. وإلا فليس أمامهم سوى السلام الاقتصادى مع «إسرائيل»، علما بأن إحداث طفرة فى الاستيطان يشكل نصا صريحا فى برنامج حكومته.
أما ليبرمان فهو الذى دعا إلى تدمير السد العالى إذا ما نشبت حرب بين مصر و«إسرائيل». وأهان الرئيس حسنى مبارك فى جلسة علنية للكنيست. وتحدث بعد تسلمه الوزارة عن تقليص عدد الجيش المصرى. كما دعا إلى طرد فلسطينيى 48 وإلقاء المعتقلين الفلسطينيين (11 ألفا) فى البحر الميت للخلاص منهم بإغراقهم فيه. وهو من الرافضين لفكرة الدولة الفلسطينية. وفى حديث أدلى به إلى صحيفة «جيروسالم بوست» قال إن القضية الفلسطينية يمكن أن تنتظر، مشيرا إلى أن الصراع فى أيرلندا الشمالية استمر 800 سنة قبل أن يحل!
(3)
هذه الخلفيات بدت كفيلة بأن تضع إسرائيل فى موقف سياسى دفاعى، كان يمكن استثماره لو إن فى العالم العربى من يملك الإرادة والعزم ويجيد الجمع والطرح، من ثم يدرك ما ينبغى عمله. ولكن الذى حدث أن إسرائيل قلبت الطاولة وتحولت من الدفاع إلى الهجوم واستخدمت تحالفاتها العربية فى ذلك. وكانت الورقة الإيرانية هى سبيلها لإحداث الانقلاب فى المشهد.
ذلك أن إيران الثورة الإسلامية خرجت من رحم العداء للشاه وللولايات المتحدة وإسرائيل. وإيران النووية لمجرد أنها تملك المعرفة حتى إذا كانت للأغراض السلمية تعنى تحديا إضافيا ل«إسرائيل» ينازعها فى التفرد بصدارة القوة فى منطقة الشرق الأوسط. وهى من هذه الزاوية يفترض أن تكون إضافة مرحبا بها للإرادة العربية الساعية إلى إنهاء الاحتلال واستعادة الحقوق المسلوبة. أما إيران الداعمة للقوى التى انحازت إلى المقاومة الفلسطينية، فإنها تعنى إيغالا فى التحدى ورفعا لسقفه، الأمر الذى اعتبرته «إسرائيل» تهديدا لنفوذها فى المنطقة ولكل مشروعها. وهى التى تصورت أن الساحة قد خلت لها، ولم يعد هناك من ينازعها نفوذها أو يتحداها منذ توقيع اتفاقيات كامب ديفيد فى عام 1979 وأوسلو مع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية عام 1993. وحين اختبر التحدى أثناء المواجهة التى تمت فى عام 2006 بين القوات «الإسرائيلية» وبين عناصر حزب الله، ولقيت فيها تلك القوات أول هزيمة عربية فى تاريخ الدولة العبرية، فإن هذه التجربة الفضيحة غدت مفصلا مهما فى علاقات العداء بين الطرفين. ذلك أن «إسرائيل» اعتبرت أن الدور الإيرانى بات يشكل خطرا وجوديا لمشروعها، وكان طبيعيا أن يضاعف من قلقها مدى وحجم هذا الدور إذا ما تحولت إيران إلى قوة نووية، الأمر الذى يفسر لنا لماذا اعتبرت أن إيران تمثل الخطر الاستراتيجى الأول الذى يهددها، ولماذا استنفر اللوبى الصهيونى فى الولايات المتحدة والمحافظين الجدد فى البيت الأبيض للتضامن مع تل أبيب فى الاحتشاد ضد إيران إلى حد الدخول فى تفاصيل توجيه ضربة عسكرية تقوض نظامها. وظل السؤال الذى يشغل هذه الأطراف هو توقيت تلك الضربة وتهيئة الجو المناسب سياسيا وإقليميا لتوجيهها.
إذا جاز لنا أن نلخص فإننا نفهم أن تعتبر «إسرائيل» إيران خطرا يهدد استراتيجيتها، ونفهم أن تتضامن معها الولايات المتحدة الخاضعة لنفوذ اللوبى الصهيونى والمحافظين الجدد، فى الوقت ذاته فإن التناقض الرئيسى بين إسرائيل وإيران يفترض أن يكون فى صالح الموقف العربى الذى يعتبر أنه فى تناقض رئيسى مع «إسرائيل». وهى النتيجة المنطقية التى تعبر عنها المقولة الشهيرة عدو عدوى صديقى. والصداقة لا تلغى الاختلاف، ولكنها فى هذه الحالة تقوم على معيار رشيد يفرق بين التناقض الرئيسى والثانوى، أو بين ما هو أصلى وفرعى، ذلك أننا نفهم فى فقه الاختلاف ومذاهبه أن الاتفاق فى الأصول حد كاف، ولا غضاضة بعد ذلك فى أى اختلاف فى الفروع. وهو الحاصل فى الدين ما بالك به فى السياسة.
(4)
لابد أن نعطل العقل ونلغى المنطق لنستوعب الذى جرى فى الآونة الأخيرة. إذ فى حين استمرت «إسرائيل» فى استعلائها وحصارها للفلسطينيين وتهويدها للقدس وتوسعاتها الاستيطانية ورفضها للمبادرة العربية، حدث انقلاب فى البوصلة العربية بحيث توارى الخطر «الإسرائيلى» المدجج بمائتى رأس نووى، وظهر فى الفضاء العربى عنوان «الخطر الإيرانى» والمخاوف من تطلعاته النووية المستقبلية. لم يحدث ذلك فجأة بطبيعة الحال، ولكنه بدأ بالتصعيد فى مسألة الجزر الثلاث، وبإثارة موضوع التشييع فى البلاد العربية، وتذرع بالتمدد الإيرانى فى العراق، الأمر الذى استصحب حديثا مبكرا عن الهلال الشيعى، ثم امتد إلى التنديد بحزب الله فى لبنان ومحاولة تأجيج الفتنة الطائفية هناك. وانتهى الأمر بإثارة مسألة خلية حزب الله، وقدمت إلى الرأى العام المصرى والعربى بحسبانها تهديدا للأمن القومى المصرى، مرشحا للتكرار فى أقطار عربية أخرى. وجاءت هذه الإشارات التى استقبلت بفرح غامر فى «إسرائيل» دالة على أن التناقضات الثانوية هيمنت وتحولت إلى رئيسية، الأمر الذى شجع شمعون بيريز على أن يسوق المشهد فى واشنطن ويتحدث عن إيران باعتبارها خطرا مشتركا يهدد العرب «وإسرائيل» معا.
لا يستطيع المرء أن يخفى شعوره بالخزى والعار وهو يقول إن ما قاله بيريز لم يكن ادعاء «إسرائيليا» صرفا، ولكنه كان يستند أيضا إلى عدد من الشهادات المزورة التى ظهرت فى بعض وسائل الإعلام العربية وثيقة الصلة بأنظمة الاعتدال، حيث لا يستطيع أى متابع أن ينكر أن هناك تعبئة واسعة النطاق للاستنفار والتحريض ضد ما يسمى بالخطر الإيرانى. ولا بد أن يثير انتباهنا فى هذا السياق أن ندوتين عقدتا بالرياض والقاهرة فى الأسبوع الماضى أسهمتا بصورة أو أخرى فى دق أجراس التخويف من ذلك «الخطر».
ليست هذه هى المفاجأة الوحيدة، لأن المفاجأة الأكثر إدهاشا ان الإدارة الأمريكية الجديدة دخلت مؤخرا فى حوار مع إيران فى إطار مسعاها التصالحى والتفاوضى لتحقيق مصالحها بالطرق الدبلوماسية. وهو ما بدا انه أثار حفيظة بعض العواصم العربية التى ذهبت بعيدا فى التصعيد والاشتباك مع إيران، حتى اعتبرتها «الشيطان الأكبر» الجديد. الأمر الذى دفع واشنطن إلى إيفاد وزير دفاعها روبرت جيتس إلى القاهرة والرياض لتهدئة خواطر مسئوليها، وإقناعهم بأن الانفتاح الأمريكى على طهران لن يكون على حسابهم.
لقد اعتبرت إيران يوما ما أن الولايات المتحدة هى الشيطان الأكبر، ولكن هذا الشيطان غير من سياسته بعد ثلاثين عاما ووجد أن من مصلحته أن ينفتح على إيران وفى تلك اللحظة كان بعض العرب قد حولوا إيران إلى شيطان أكبر ودخلوا فى معركة سياسية مفتوحة معها، دون أن يكون هناك أفق واضح لأى مصلحة لهم فى ذلك، ودون أن يدركوا أن «إسرائيل» المتربصة هى الفائز الأوحد فى تلك المعركة أخشى ألا يفى مصطلح «الجاهلية السياسية» بحق وصف هذا المشهد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.