اقترب موعد اللقاء الأصعب فى فترة رئاسة باراك أوباما القصيرة. فخلال الأسابيع القليلة المقبلة، سوف يكون عليه الجلوس مع رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو. ولا تقتصر الصعوبة على رفض الأخير لقبول حق إقامة دولة فلسطينية ومن ثم يبين أن الفلسطينيين ليس لديهم شريك فى عملية السلام، لكن الأكثر إثارة للمتاعب هو أشباح السياسات الأمريكية التى طبقت فى الماضى. وإذا ما كان أوباما مخلصا فى رغبته فى كسر حالة الجمود التى تعترى القضية التى تمثل قلب الصراع فى الشرق الأوسط، فعليه أن يرسى العلاقات الأمريكية مع إسرائيل بناء على أسس جديدة جذريا. فيجب أن تُعامل إسرائيل باعتبارها دولة عادية، ولا يمكن أن تظل تتمتع بحصانة دائمة، تتيح لها الهروب من النقد على ممارساتها، التى كانت ستُقابل بالإدانة إذا ما قامت بها أى حكومة أخرى. وحتى لو كان الإسرائيليون قد اختاروا زعيما أكثر تقدمية واستنارة، كان هذا التغيير فى السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل سيُعد ضروريا أيضا. والآن يكتسب هذا الأمر أهمية مضاعفة، بعدما اختارت إسرائيل رجلا عدوانيا ومحدود الرؤية. ويجب أن ينتهى عصر تقديم شيك على بياض لإسرائيل. كما يجب أن ينتهى عصر منح الشيكات الضخمة. فلماذا يتلقى بلد يعد متوسط الدخل الفردى لديه من بين الأعلى فى العالم 3 مليارات دولار سنويا، أو نحو ثلث ميزانية المساعدات الخارجية الأمريكية (ولا يشمل ذلك الدعم الإضافى الذى يقدمه البنتاجون)؟ ولماذا لا تجرى محاسبة إسرائيل على مشترياتها، مثلها جميع الدول التى تتلقى المساعدات وهو افتقار متعمد للرقابة يسمح لواشنطن بغض الطرف عن حقيقة أن أموال الضرائب الأمريكية تستخدم فى تمويل بناء المستوطنات غير القانونية فى القدس والضفة الغربية، وتساعد فى بناء جدار الفصل العنصرى؟ وإذا لم يضع أوباما نهاية لعلاقة أمريكا الخاصة بإسرائيل، فسوف تكون تلك نقطة الضعف الأساسية فى سياسته الخارجية. فمكانة أمريكا فى الشرق الأوسط ونفوذها فى منطقة الخليج وصورتها فى العالم الإسلامى وعلاقتها مع إيران بل حتى التأييد الذى تلقاه فى أوروبا، ترتبط بطريقة تعاملها مع إسرائيل. وقد أظهرت التعليقات المبالغ فيها بشأن إسرائيل، التى أدلى بها أوباما خلال حملته الانتخابية، أنه من المرجح أن تكون تلك المسألة نقطة ضعفه الأساسية. ولم تُظهر الخُطب التى ألقاها فى تركيا والتى وجهها إلى جمهور مسلم، أى إدراك لحقيقة أن معظم الأتراك والعرب والإيرانيين يرون السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل غير عادلة ومنحازة. ولم يتضمن نداؤه المدوى فى براج حول عالم خالٍ من الأسلحة النووية أى إشارة إلى الترسانة النووية الإسرائيلية، أو الحاجة إلى انضمام جميع البلاد النووية (ومن ضمنها الهند وباكستان) إلى معاهدة عدم الانتشار النووى. وإذا ما كان من الصحيح أن يتم الضغط على إيران التى تعد من الدول الموقعة على المعاهدة للامتثال لمعايير الشفافية، فإنه يصبح من قبيل النفاق عدم الضغط على غير الموقعين كى يكونوا على نفس الدرجة من الأمانة. وقد يكون سليما من الناحية القانونية أن يطرح البعض أن الدول غير الموقعة يجب أن تُستثنى من القواعد. لكن ذلك يعد عبثيا من الناحية السياسية. ولا يمكن أن تتوقف أمنيات أوباما المثيرة للإعجاب حول تقليص المخزون النووى العالمى، عند أعتاب مفاعل ديمونة والمواقع التى تحوى الرءوس النووية الإسرائيلية. وقد ولدت العقود الماضية التى اتسمت بتساهل الرؤساء الأمريكيين وسلبية الكونجرس تجاه إسرائيل ثقافة أصبحت تملى عمليا ما يجب أن تكون عليه السياسة الخارجية. وساعدت إسرائيل على نشأة حماس كوسيلة لتقويض ياسر عرفات، الذى كان يمثل مصدر القلق بالنسبة لها. والآن بعدما أضحت حماس مستقلة وقوية وتحظى بالتأييد الشعبى، أصبحت إسرائيل تراها بمثابة الهدف الجديد. ولكن يجب على إدارة أوباما ألا تجاريها فى ذلك. وإذا ما نحينا جانبا الغزو الأمريكى للعراق، كان السعى لتدمير حماس عقب فوزها فى الانتخابات الديمقراطية الفلسطينية أكبر خطأ ارتكبته السياسة الخارجية الأمريكية، وأيده الاتحاد الأوروبى بحمق. غير أن بعض الحكومات الأوروبية أصبحت راغبة فى تغيير هذا النهج، ومن ثم قامت بإجراء مفاوضات غير مباشرة مع حماس، قد تتحول إلى مفاوضات مباشرة. ويجب على أوباما أن يحذو حذو هذه الدول. وإذا كان باستطاعة واشنطن التحدث إلى كوريا الشمالية وإيران، فإنه لا يوجد مبرر لمقاطعة الذين كسبوا الانتخابات الفلسطينية الأخيرة، ومن المرجح أن يفوزوا فى الانتخابات المقبلة. وبدلا من أن تؤدى حرب إسرائيل على غزة إلى هزيمة حماس، جعلتها أكثر قوة، فى الوقت الذى عززت فيه صورة إسرائيل باعتبارها دولة معتدية. وعلى نفس المنوال، يجب على أمريكا أن تتحاور مع حزب الله فى لبنان. وكانت حرب إسرائيل ضد حزب الله فى 2006 على نفس الدرجة من قسوة حربها على غزة. وكانت الحربان مجرد تطبيق لإستراتيجية قديمة وإن كان بطريقة أكثر بشاعة تقوم على إلحاق العقاب الجماعى بالسكان عبر تدمير منازلهم. وفى الوقت الحالى، يرغب نتنياهو فى الربط بين إيران والسياسة الإسرائيلية، بطريقة تفوق ما قام به رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت. ويقول المسئولون فى حكومة نتنياهو إنه دون القيام بخطوات لوقف مساعى إيران للحصول على القنبلة النووية ودعمها لحزب الله وحماس، لن تكون هناك فرصة لقبول إسرائيل الدخول فى مفاوضات للسلام. ولعل أهم ما يجب أن يقوله أوباما لنتنياهو هو أن واشنطن ترفض مثل هذا الارتباط، ذلك أن احتلال إسرائيل للأراضى الفلسطينية، لا إيران، هو السبب الأساسى للتوتر فى الشرق الأوسط والخليج. ولا يمكن التغطية على قضية قديمة بقضية جديدة. وإلى أن تنسحب إسرائيل إلى حدود 1967 مع إجراء بعض المبادلات فى الأراضى بمقتضى اتفاقية دولية، سوف تستمر المقاومة الفلسطينية، وستجد دولا أخرى راغبة فى دعمها. ويجب على أوباما أن يرفض علنا شن إسرائيل هجوما على المنشآت النووية الإيرانية. وقد أشارت صحيفة الجارديان فى سبتمبر الماضى إلى أن بوش أبلغ أولمرت أن هذا الأمر غير مقبول، لأن مثل هذا الهجوم سوف يبدو كأنه يحظى بالدعم الأمريكى، لأنه سيكون على الطائرات الإسرائيلية المرور فوق القاعدة الجوية الأمريكية فى العراق. وكان بوش يرى أن مثل هذا الهجوم سيقضى على آخر أمل له فى الإبقاء على مصداقيته فى العالم الإسلامى. غير أنه أبلغ رئيس الوزراء الإسرائيلى بموقفه هذا فى جلسة خاصة. ولا يجب أن يكتفى أوباما بتبنى النهج نفسه، بل عليه أن يعلن رسالته بوضوح. كما يجب عليه أن يعلن أن أى هجوم أمريكى على إيران هو خارج جدول أعماله. فإذا كان يحق للولايات المتحدة أن تحذر إسرائيل من القيام بهذا العمل، فإنه لا يمكنها أن تحتفظ بهذا الحق لنفسها. والأمر الثالث الذى يجب أن يطرحه أوباما هو التأكيد على أنه لا يدعم الخطاب الذى أرسله بوش إلى أرييل شارون عام 2004، والذى يتضمن موافقته على المستوطنات الإسرائيلية المُقامة فى الضفة الغربية، باعتبارها «حقائق جديدة» لا يمكن تجاهلها. ولا تمثل تلك الوثيقة معاهدة، ولا حتى اتفاقا ثنائيا بين حكومتين. ويجب تجاوز هذا الخطاب بخطاب جديد يعتبر أن كل المستوطنات التى أقيمت بعد 1967 غير قانونية. ولا يستطيع أوباما أن يمهد الأرض لاتفاق دائم بين إسرائيل والفلسطينيين إلا عبر القطيعة الدراماتيكية مع السياسة الأمريكية السابقة. فلا يمكن أن تنجح الوساطة مادام الوسيط يعامل أحد الطرفين معاملة خاصة. Copyright: Guardian News & Media 2009