أسمي..؟!!..ليس مهماً لأنك لن تتعرفني في أي مكان...و ليس مهماً كوني رجل أو إمرأة ..أنا مجرد إنسان أعيش في مكان ما في ذلك العصر الذي تتطلقون عليه ما قبل الميلاد...و إن كنت لا أفهم بالضبط ماذا تعني تلك الكلمة....!...لا تتعجب فأنا لا أفهم في حياتي سوى البسيط الكافي للحياه نفسها خاصة في المكان الذي أعيش فيه الأن و هو مكان قد خلقه الله بحيث فعلياً تعلو الحياه فيه على الموت.... ما أعرفه سأحكيه لك ...لماذا ...؟!..لأنه كيف ستساعدني و تفكر معي في الخروج من حيرتي لو لم تعرف قصتي...!ا.... ما أعرفه إننا ظللنا لسنوات عديدة نتنقل بين المكان و الأخر باحثين عن مكان نستطيع العيش فيه...نجد فيه بعض الطعام لنا و لحيواناتنا المتنقلة معنا.....فإذا وجدنا البئر و الزرع مكثنا حتى أنهينا ما كان مزورعاً...ثم جمعنا حاجاتنا و بحثنا عن المكان الأخر و لا ننسى شربة الماء التي تكفينا طوال بحثنا المتكرر.... كنا قبائل كثيرة , أكثر مما أستطيع أن أحصي, و علمتنا حياتنا أن البقاء للأقوى دائماً و أن نحمل حرابنا أثناء بحثنا حتى إذا إستبد بنا العطش و الجوع و وجدنا بعضهم حول بئر نخرجهم منه بقوة أسلحتنا حتي نبيدهم عن بكرة أبيهم...و أرجوك لا تحدثني عن الرحمة هنا ..فهم أكلوا و شربوا و شبعوا حتى أستراحوا ......و نحن عطشى و جائعون و مرهقون....و لأننا في إحتياج دائم لأوقات الأمان و الراحة..كان يجب أن أبيدهم حتى لا يتبقى منهم من ينتقم مثلما فعلوا مع أبي و جدي...وأيضاً لأننا قبائل متفرقة و كثيرة فنحن كذلك نقلل عدد المتنافسين واحداً.... كانت حياتنا بالغة القسوة...و قد كنا كذلك أيضاً...لا تتوقع من طفل رأي من جثث أصحابه و أعدائه أكثر مما يراه الأطفال اليوم من الكارتون...أن يكون رقيقاً حالماً و أن يهدي من حوله الورد و الهدايا...بل كانت نسائنا أحياناً أشد منا فتكاً بالأعداء و أكثر دموية .... و كان صراعنا على أماكن الماء و الكلأ و هو صراع وجود و بقاء...كان الماء هو كل ما نعرفه و نريده...و من أجله فنحن على أتم الإستعداد لقتل و الذبح و التنكيل و الترويع....حتي يهابني الأخرون... ثم في لحظة ما لا أتذكر متى ,حكيٍ أن أحدهم من قبيلة بعيدة لا أعرفها ,وجد شيئاً عجيباً و لايصدق.....وجد ماء يتدفق بلا نهاية.... !....و حوله خضرةُ ما رأيناها من قبل...طعام و شراب يكفي القبيلة طوال عمرها.....كان يجب أن نستعد للتحرك و هذه المرة كان داخلنا يقين إنها الأخيرة....السيطرة على الماء و الطعام أو الموت في القتال .. فجمعنا عددتنا و أسلحتنا و ملئنا أخر شربتنا و إنطلقنا...... حتى وجدنا ما لم نفكر فيها أبداً...وجدنا الخير أكثر مما نتصور...الماء ليس له أخر و الطعام يكفينا حياتنا نحن و أولادنا...و لكن كيف سنسيطر على هذه المساحة الضخمة و نحميها من هجمات أعدائنا...نحن نقاتل منذ أعوام كثيرة قبائل و جماعات و بلا نهاية و قد قتل أغلب إخوتي و زوجتي و 9 من أبنائي و قد قتل كل أقويائنا...فكل القبائل فكرت كما فكرنا و عددت كما عددنا و قبلوا المخاطرة كما قبلنا.... إذاً..فإنهم يعانون كما نعاني و مرهقون أيضاً.........هناك شيئاً لم أفهمه حينها ....عندما كنا نتنقل بإستمرار كنا نرتاح و لو أياماً .........بل إنني أتذكر بشوق جارف عندما أرتحنا عند إحدى العيون شهر بالتمام و الكمال...!...و الأن عندما وجدنا طعام يفوق احلامنا تعبنا أكثر لأننا قاتلنا بعضنا أشرس...و من شده تعبنا تنازلنا عن جزء من أحلامنا حتى نعيش في هدوء و بدون قتال...و قد كان ذلك أول لحظات تفكيرنا ..كانت حياتنا التي وعيناها تنحصر فقط في الأكل و الشرب و التنقل و القتال ...و لم نكن نحتاج التفكير ....و لماذا نقكر و نحن حياتنا مرسومة سلفاً....و قد فكرنا و فهمنا أول دروسنا ..إن كلنا (قبائل و جماعات)أردنا كل أحلامنا لن نحصل حتي على أبسط حقوقنا...و لكن إن قبلنا مشاركة بعضنا و تنازلنا و لو قليلاً...حصلنا على كل الباقي كاملاً...أي أن أول أسباب حياتنا ...نحن و أولادنا...كان إتفاقنا... و لأننا كنا قبائل متفرقة مختلفة العادات و الثقافات و متضادة المصلحة...كنا دائماً ما نكره بعضا لأن معنى وجود أحدنا في مكان الأخرين هو موت هؤلاء الأخرين....أو موته....و لكن في مكان واحد أصبحنا ......و من نفس الماء شربنا ...فكانت لأول مرة في لقائاتنا ما تقاتلنا و لكن للنظرات ثم الإشارات تبادلنا ......بل إنني أتذكر في أحد الأيام أن هاجمنى ذئب و كنت وحيداً بعيداً عن جماعتي...و لم أصدق عندما أنقذني أعدائي...و كان هذا ثان دروسنا...إن كان أول أسباب حياتنا هو الإتفاق فإن إستمرار إتفاقنا يكون بتقبلنا لبعضنا بإختلافاتنا ... و قد كان و أستمر إتفاقنا بتسامحنا............ء مرت القرون...و نحن نعيش في هدوء و سكون..و أصبحت حياتنا تفكير بعد تفكير ...فكرنا كثيراً يوم مجاعتنا بعد ما إقترب طعامنا من النفاذ...و قد بدء بعضنا العودة للقتال ...حتي جاء يوم لاحظ أحدهم في أقصى الشمال شيئاً غريباً....كان قد وجد بعض حبات الرمل عجيبة الشكل و اللون فإحتفظ بها لعلها تسد جوعه...وقد حاول أن يأكلها بإضافة ماء إليها لأنها صلبة فلم يستطعمها..و قد تركها في كما هيا أمام بيته...ليجدها بعد وهلة تتلون بالأخضر و تكبر...حتي أمست طعاماً....و قد حاول الإحتفاظ بهذا السر ..و لكن الكل توجه نحو المزارع الخضراء ملكه ...فإضطر لنشر إكتشافه حتى يأمن بنفسه...و قد كانت هذه و أخري كثيرة تجربة لقوة دروسنا......كلما وجد أحدنا وجد طريقاً لتنفيذ كل أحلامه , إحتفظ بحقها لنفسه ...إختلف عنا و لم يتسامح فإختلف معنا.....فوجد حياته نفسها مهددة...حتي يعود إتفاقنا و تسامحنا ... و فكرنا كثيراً عندما عهدنا لمجموعة تمثلنا تحفظ دروسنا و تضمن إتفاقنا و تعاقب من خالفنا...و أصبحنا نحن القبائل قبيلة... و فكرنا كثيراً عندما شيدنا بيوتنا و أماكن لقائنا و ألعابنا و ساحات تعليم أبنائنا ما تعلمناه حتى يأمنوا حياتهم...و قد كانت أول حضارتنا و أول مجدنا..... بإستمرار إتفاقنا ......بتسامحنا..و تنازلنا و مع تجارتنا و مواصلتنا إكتشفنا أين مكاننا في هذا العالم الا منتهِ...كنا في وسط الطريق بين يسارنا و يميننا و شمالنا و جنوبنا...و قد رأى بعض المارة من غير قبيلتنا مجدنا و ووهموا بخيراتنا...فأخبروا قومهم و الذين كانوا يعيشوم مثلنا متنقلين....و لكن لم يجدوا ماءهم الدائم...فأقبلوا من كل صوب محاربين...و محاربين بعد محاربين هزمناهم ...حتى فني محاربونا و كل ما تبقى ضعفائنا و مفكرونا....فهزمنا فحكمونا... و فكر المفكرون...فيما يصنعون...و كيف يتدبرون.... أمر هذه الكارثة....هل نكون محاربين أم نكون من المفكرين الحافظين لسنوات عذابنا و راحتنا ...و المرابطين على أسباب حضارتنا.... كنا ضعفاء فقبلنا بالحفظ و كنا تائهين ففتحنا أوراقنا لنفكر من جديد...حتى مرت السنين و إنتصرنا و إن لم نهزمهم...إبتلعتهم فنوننا و أسلوب حياتنا و ذابوا وسط خيراتنا و رغد أرضنا فتسامحوا مع تسامحنا و إتفقوا مع إتفاقنا ....فأصبحوا منا و إن لم نقاتلهم.......و كان هذا أهم دروسنا ....أن لا ننسي أهم ما عندنا...مجدنا و أسباب وجودنا و جاء غيرهم فغيرهم...و إبتلعتهم حياتنا و خيراتنا...و لكن مع أفكار كل قادم إختلطت أفكارنا و إختلفت ..حتي تنوعت و تفرقت ....و لكن إتفقنا علي الحياه ...و إتفقنا على تسامحنا.حتي أصبح رجالهم رجالنا و نسائهم نسائنا.....و كما كنا أصبحنا ....قبيلة واحدة... متجددة الأفكار دائمة الشباب......باقية أمد الدهر... و حفظنا تراثنا حتى إلتصقنا به ...و تركنا الورقة و أوقفنا التفكير ....لأننا خبرنا الحياه و عرفنا أن تراثنا سيحمينا...في حين تعلم أخرون منا دروسنا و إستوعبوها فطبقوها...و أصبحت حضارتهم تفوقنا...و لحق بهم أخرون و أخرون ...و نحن إلتصقنا بتراثنا و ما زلنا مرابطون ....و طابت لنا الحياه حتى إن كنا متخلفين فنحن على الأقل أمنين مطمئنين.... حتى حدث ما حدث و أنا أتذكر عندما حكمنا أغبيائنا ...لأنه لم يعد هناك من يجد الداعي للتفكير و الإضافة....و جاء يوم إتفقوا فيه علينا .....مع أعدائنا...الذين جائونا بأسلحة لم نرى مثلها...و قد كانوا من الحضارة و العظمة أن إبتلعونا و عجز أهل قبيلتنا عن مجاراتهم ....حتى نسينا من كنا.........و رضينا بذلنا في مقابل حياتنا تحت رحمتهم.....و يئسنا أن نكون من المفكرين ...كيف نفكر و هم لنا سابقون ...و كيف نتذكر و نحن في فنونهم و منجزات حضارتهم غارقون....! و مكثنا على ذلك القرون بعد القرون....و الأقوياء من أقاصي الأرض بنا يتلاعبون...و في أفكارنا يدهسون و يغيرون...حتى أصبحنا بعد المجد ممسوخين... حتى إذا نسينا كيف كنا و إن تذكرنا لا نصدق ..حتى تنكرنا مما كنا عليه...... و ضرب الجرس العظيم...و دوت الصيحة الكبرى أن إنتبهوا ...و إستيقظوا......جاءت من بلاد مجاورة مع أناس صادقين أشداء...تحمل أفكار جديدة لكل من حولها ........أن إتفقوا و تسامحوا و أعدلوا و أحيَت من جديد دروسنا البسيطة التي نسيناها ....و ,صدق أو لا تصدق ,أصبح حقنا أن نؤمن أو لا نؤمن بأفكار من يحكمونا و لن ينقص ذلك من حقوقنا شيئاً... أفكار جديدة علينا و إن كانت قديمة و مزروعة في نفوسنا ...أي أنهم يعرضون علينا طريقا قديماً...و لكنه هذه المرة ممهد و مضئ.... و كان أهم ما وعٌد به من سلك هذا الطريق الجديد إنه إذا مات في سبيل شئ صالح لمن حوله.. يكافئ بأفضل مما كان فيه..أي إننا سنستريح حقاً و دائماً و نأمن أنفسنا....أي أن حياتي لن تنتهي إذا قتلني غاصب أو معتد...بل سأعوض بخير منها... و كانت هذه صحوتنا الثانية و الأبدية ....بالإتفاق نحيا ....و بالتسامح نتفق...و في هدوء نعيش و نفكر...و سلاحنا في إيماننا بقديمنا و تراثنا.....و ورقنا و قراءاتنا طريقنا ...فعلونا في سنوات معدودة و بقينا لدهر.....وأصبح من يحكمنا ...أنا.... ... و أصبحت حيرتي في دوام سؤالي .....هل أنا الذي إن وجدت طريقاً لتنفيذ أحلامي كلها بخلت علي الأخرين به ...فقاتلت و قتلت ..و أهلكَت و أُهلِكت ....أم أنا الذي قويت و تسامحت فتنازلت فإتفقت...كي أعيش و نعيش.... هذه كانت قصتنا و حيرتنا...و علونا و سقوطنا ...فهل هناك من يعرفنا.....؟!ا