هناك ست قوى سياسية أساسية تتحرك فى الساحة المصرية الآن: القوات المسلحة، أنصار النظام السابق، الإخوان المسلمون، المعارضة الحزبية التقليدية، الزعامات الشعبية، الشباب الثائر الذى أثبت يوم الجمعة مرة أخرى أن ثورته لن تهدأ حتى يصل إلى ما يريد. وقطعا لا مجال لافتراض أن كل قوة من هؤلاء متجانسة داخليا، فلا شك أن هناك مساحات للجدل والنقاش وربما تعارض المصالح داخل كل فاعل. وعموما فإن مستقبل مصر يتوقف على: من يفعل ماذا؟ ومتى؟ وكيف؟ ولماذا؟. وبالنظر إلى المستقبل يتخوف الإنسان من سيناريوهات ثلاثة: السيناريو المخيف الأول هو أن ينجح فلول النظام السابق إلى إعادة إنتاج أنفسهم فى حزب جديد أو من خلال أدواتهم الإعلامية والخدمية والاقتصادية والقمعية التى لا يزالون يسيطرون على الكثير منها. السيناريو المخيف الثانى هو أن تستغل جماعة الإخوان (رغما عن اطمئنانى لكلمة الشرف التى أعلنوها بصدد عدم سعيها للرئاسة أو الأغلبية البرلمانية) حالة الفراغ السياسى وتدفع بثقلها فى اتجاه محاولة السيطرة على الحياة السياسية قبل أن تشكل حزبا مدنيا خالصا وقبل أن تستقر قواعد العمل الديمقراطى فى البلاد. والسيناريو المخيف الثالث هو أن تجد القوات المسلحة أن القوى السياسية المدنية (سواء الحزبية أو القيادات الشعبية) شديدة التشرذم بما يملى عليهم أن يختاروا الاستقرار والأمن على حساب الديمقراطية والحرية (ونتذكر أن هذا كان خيار الضباط الأحرار فى عام 1953). من الثابت تاريخيا أن التحول الديمقراطى الثورى الناجح يتطلب إما مؤسسة قوية تعبر عن مطالب الثوار الديمقراطية وتتفاوض بالنيابة عنهم (مثل حركة تضامن فى بولندا أو تحالف الطلبة فى كوريا الجنوبية) أو زعامة شعبية (نيلسون مانديلا أو سعد زغلول). ولهذا السبب، أعلن وأكرر ما سبق أن طلبته صراحة فى مكالمات هاتفية وفى تعليقات إذاعية عن أهمية أن يجتمع الثلاثة الكبار الممثلون للقيادات المطروحة شعبيا لمنصب الرئاسة (السادة أحمد زويل، عمرو موسى، محمد البرادعى، بالتعاون مع غيرهم) كمواطنين مصريين للإعلان صراحة عن دعمهم التام لمطالب الثوار (مع تحديدها بدقة، لأن كلا منهم يكررها ولكن بلغة مختلفة عن الآخر)، وأنهم مستعدون للعمل معا ومع جميع القوى الأخرى بما فيها القوات المسلحة لضمان انتقال سلمى وديمقراطى للسلطة. وبعد أن تستقر قواعد الدستور المؤقتة وما يرتبط بها من مؤسسات عمل عام بما يضمن الأمن والاستقرار مع الحرية والديمقراطية، سيأتى الوقت الذى يتنافس فيه المتنافسون فى انتخابات حرة نزيهة تنافسية، ويكون الحكم فى النهاية للهيئة الناخبة. وهنا يجد الشباب الثائر والقوات المسلحة أن المرحلة الانتقالية ستكون انتقالية فعليا، وسيكون خلفها أفق أوسع لحكم مدنى ديمقراطى مؤسسى حقيقى. نحن لسنا فى وقت نملك فيه رفاهية العمل الفردى، وإلا تصبح ثورة 25 يناير مجرد حالة تمرد مؤقت انتهت بالإخفاق لفشل المصريين فى أن يتحولوا من ثائرين عظام إلى رجال دولة محترفين. دمتم ودامت مصر بخير.