في حدث لافت وغير مسبوق في تاريخ تونس والمنطقة العربية، اعترضت عناصر غاضبة من الشرطة التونسية، اليوم السبت، سيارة الرئيس التونسي المؤقت فؤاد المبزع (77 عامًا)، ومنعوها لدقائق من الوصول إلى قصر الحكومة بالقصبة (وسط العاصمة)، قبل أن تتدخل عناصر أخرى وتفسح لها الطريق. وقال شهود عيان لوكالة الأنباء الألمانية: إن نحو 300 رجل أمن بأزياء مدنية ورسمية اعترضوا سيارة المبزع ومنعوها لدقائق من الوصول إلى قصر الحكومة في القصبة، مرددين شعارات ضد الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي (هرب إلى السعودية يوم 14 يناير 2011)، والجنرال علي السرياطي، مدير جهاز الأمن الشخصي ل"بن علي" (اعتقلته السلطات بتهمة التآمر على أمن الدولة الداخلي). وأوضحوا أن عناصر أخرى من الشرطة -في زي رسمي- تدخلوا بهدوء وأفسحوا المجال لسيارة المبزع (الذي بدت عليه علامات الإحباط) بعد أن أقنعوا زملاءهم المحتجين بضرورة أن يكون الشرطي أول من يحترم القانون في البلد. وتظاهر، اليوم السبت، وسط العاصمة تونس، ولليوم الثاني على التوالي، مئات من عناصر الشرطة، مطالبين بتأسيس "نقابة الأمن الوطني"، و"متبرئين" من "جرائم" الرئيس المخلوع الذي أعطى أوامر لرجال الأمن بإطلاق الرصاص الحي على متظاهرين في عدد من مناطق البلاد التي شهدت منذ النصف الثاني من ديسمبر 2010 ثورة شعبية (استمرت نحو شهر) أطاحت ب(بن علي). وتجمع هؤلاء في شارع الحبيب بورقيبة (الذي يقع فيه مقر وزارة الداخلية التونسية التي تسير الأجهزة الأمنية) حاملين شارات حمراء (للتعبير عن غضبهم)، ورافعين لافتات كتب عليها: "نطالب بنقابة الأمن الوطني وتسوية وضعية رجل الأمن"، و"إعادة الزملاء الموقوفين والمعزولين حالا". وقال مصدر أمني: إن "جهاز الأمن التونسي يشعر بالعار لأن (بن علي) وعائلته وأصهاره استعملوه طيلة 23 عامًا للتغطية على فسادهم وجلد الشعب وترويعه وقمع الحريات". وأضاف: "صحيح أننا لم نكن نجرؤ على فتح أفواهنا في عهد (بن علي)، لكننا اليوم نعتذر للشعب، وبخاصة عائلات الشهداء الذين قتلوا بالرصاص، ونعلن تضامننا الكامل مع الثورة التي خلصتنا من القهر والظلم وجلبت إلينا الحرية، ونطالب بمحاسبة كل المسؤولين عن قتل المتظاهرين بالرصاص". وتابع: "نريد نقابة تتبع الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر نقابة عمال في البلاد) لحمايتنا من تعسف السلطة في إصدار الأوامر الزجرية والقمعية ضد الشعب.. نحن غير مستعدين بعد اليوم لتقبل مثل هذه الأوامر.. الشرطة جزء من الشعب". وقال: "نطالب بتحسين الوضعيات الاجتماعية والمادية للشرطة، رواتبنا ضعيفة ولا تكفي ل"العيش الحاف"؛ ماذا يفعل راتب شهري ب 400 دينار(200 يورو)". وأضاف: "كما نطالب بحل تعاونية الأمن الوطني ومحاسبة الفاسدين الذين يسيرونها". يشار إلى أن التعاونية هي هيكل تابع لوزارة الداخلية، ويقدم بعض الخدمات الاجتماعية للعاملين في سلك الأمن. ودخلت الشرطة التونسية، منذ أمس الجمعة، وفي حدث لافت وغير مسبوق، على خط التضامن مع "الثورة الشعبية" التي أطاحت بالرئيس (بن علي) الذي حكم تونس بقبضة حديدية (منذ السابع من نوفمبر 1987). وأعلنت وكالة الأنباء التونسية أن "رجال الأمن نزلوا، أمس الجمعة، إلى الشوارع في عدد من مدن الجمهورية في مسيرات احتجاجية سلمية مساندة للاحتجاجات الشعبية ورافضة لسياسة القمع والاضطهاد التي مارسها النظام السابق ضد المواطنين". ويمنع القانون التونسي الشرطة من التظاهر أو من تأسيس نقابات. وتقدر مصادر غير رسمية عدد رجال الأمن في تونس بما لا يقل عن 130 ألفا. وتقول منظمات حقوقية: إن الرئيس المخلوع حول تونس إلى "دولة بوليسية"، وأنه جعل (خلال عهده) من وزارة الداخلية التي تسير الأجهزة الأمنية "عصا غليظة لضرب الشعب". واحتدت في تونس، منذ حوالي شهر، مشاعر الحقد والغضب في صفوف الشعب ضد جهاز الأمن الذي تسيره وزارة الداخلية بعد مقتل عشرات المتظاهرين برصاص الشرطة في عدد من مناطق البلاد. وأعلن أحمد فريعة، وزير الداخلية التونسي، خلال مؤتمر صحفي، عقده أمس الجمعة، مقتل خمسة من رجال الأمن وإصابة "العديد" منهم بجراح متفاوتة الخطورة خلال "الثورة". وهذه أول مرة تكشف فيها السلطات التونسية عن عدد القتلى في صفوف رجال الأمن. ودعا فريعة إلى إحلال مشاعر الإخاء بين المواطنين والشرطة قائلا: إن "الشرطة ليست عدوًا للشعب". وكان فريعة أعلن، الاثنين الماضي، أنه تم حرق وتخريب 85 مركزًا للأمن الوطني (الشرطة)، و46 مركزًا للحرس الوطني بكامل أنحاء البلاد خلال الثورة. وانطلقت شرارة ما بات يعرف في تونس ب"ثورة الياسمين" يوم 17 ديسمبر 2010 بمدينة سيدي بو زيد (265 كلم جنوب العاصمة تونس) عندما أقدم الشاب البو عزيزي (26 عامًا) على الانتحار بإحراق نفسه أمام مقر محافظة سيدي بو زيد.