الثورة يقوم بها الشرفاء.. ويدفع ثمنها الشهداء ويجنى ثمارها الأوغاد. وحتى هذه اللحظة فإن الثورة التونسية ليست استثناء أو نشازا عن هذه القاعدة. الشعب التونسى الحر الشريف خرج ليقول لا للطغيان.. نجح فى إزاحة الطاغية زين العابدين بن على وعائلته. لكن ما الذى تحقق على الأرض؟! هرب الرئيس وبقى نظامه.. معظم أركان هذا النظام لا يزالون يحكمون.. يزايدون على الشعب، بل وبدأ بعضهم يتذكر الآن فقط أن الرئيس كان ديكتاتورا ومستبدا، وأنهم كانوا مغلوبين على أمرهم، ولا يستطيعون أن يقولوا لا لهذا الحاكم المتجبر وبطانته. الثورات غير المكتملة قد تصيب الشعب بإحباط لا مثيل له، لأنه وبعد أن ثار وقدم عشرات الشهداء يفاجأ بأن الذى تغير هو الواجهة والقناع، لكن القلب المتعفن لا يزال حيا، وأن هؤلاء اللصوص لديهم القدرة على التلون مثل الحرباء، وهم قادرون دائما باعتبارهم حواة على إقناع الشعب بأن الثورة نجحت.. ثم وعبر عمليات غسل مخ إعلامية مكثفة يأتون بشخص جديد قد يكون نظيفا، لتتم إعادة إنتاج النظام السابق لكن بوجه مختلف. كيف يمكن لشخص عمل مع الديكتاتور ونافقه أن يعبر عن المرحلة الجديدة.?! كيف يكون رئيس وزراء المرحلة البائدة هو نفسه رئيس وزراء ما بعد الثورة، كيف يمكن لرئيس البرلمان الذى صفق للرئيس الهارب أن يصفق بنفس الحماس للشعب الذى دهسه الرئيس?! وكيف سيشرع للمرحلة ونقيضها.?! إذا كان هؤلاء يعتبرون أنفسهم مجرد وزراء فنيين وتكنوقراط، فلتتم الاستعانة بوزراء غير سياسيين لم يتلوثوا بخطايا النظام المنهار. علينا أن نحيى الشعب التونسى الشقيق مرة أخرى، فهم اللعبة وقرر استئناف ثورته كى تحقق باقى أهدافها. النظام القديم يحاول الالتفاف وهذا طبيعى ومنطقى على الثورة كى يجهضها.. يستعين ببعض الوجوه الشعبية والمحسوبة على المعارضة، حتى يعبر المرحلة الصعبة التى يمر بها الآن.. وبعدها يستطيع أن يعيد تعويم نفسه. يحسب لاتحاد العمال «الشغل» التونسى وبعض قوى المعارضة أنها استجابت للمطالب الشعبية وقررت الانسحاب من الحكومة المؤقتة. رئيس الوزراء التونسى ومعه رئيس البرلمان الذى يتولى الرئاسة مؤقتا يعتقدان أن مجرد تقديم استقالة من الحزب الحاكم تكفى كى تتم إعادة تعويمها. هذا الحزب الذى كان حاكما هو حزب كرتونى لا قيمة له من دون وجوده فى السلطة وسوف يسقط معظم رموزه إذا أجريت انتخابات عادلة ونزيهة. لا يمكن للثورة أن تحقق أهدافها المشروعة بحكومة تدين عمليا بالولاء لرئيسها الهارب. الشعب التونسى.. قدم الأصعب وأسقط الطاغية، لكن اقتلاع بقايا نظامه يحتاج صبرا.. ويحتاج جهدا منظما.. والأهم يحتاج وعيا، لأن كثيرين من الانتهازيين واللصوص والمرتشين وأركان النظام السابق سيحاولون فى المرحلة المقبلة ركوب موجة الثورة.. والتهليل لها وتوجيه كل أنواع الاتهامات لبن على وعهده.. وهؤلاء أخطر على الثورة من بن على نفسه. المشكلة التى تواجه تونس الآن هى باختصار أن هناك شعبا عظيما نجح فى إزاحة طاغية، لكنه لم يتسلم الحكم بعد والسبب هو المعادلة التالية: هناك معارضة غير منظمة وجيش قوى