تعد عودة الولاياتالمتحدة إلى آسيا أحد التغيرات التى طرأت على التوازن الجيوبوليتيكى العالمى خلال العام الماضى التى لم تحظ بالاهتمام الواجب. ومن التغيرات المثيرة للقلق وأيضا ذلك التدهور الملحوظ فى العلاقات الصينية الأمريكية. وينبغى أن يتفق باراك أوباما وهو جنتاو بشأن هذه المسائل المهمة خلال زيارة الرئيس الصينى المقبلة للبيت الأبيض. فى هذه الحالة، سيعود الرجلان إلى هذا التساؤل: لماذا يكون الوفاق صعبا عادة؟. اعتاد البلدان اتهام أحدهما الآخر بالمسئولية عن تدهور العلاقات. لذلك، يمكن للسيد هو أن يحتج بأن التطور الثانى نابع من التطور الأول؛ أى أن برودة العلاقات كانت نتيجة لسياسة احتواء الصين. وسيرد السيد أوباما بأن عودة أمريكا للتدخل الدبلوماسى والعسكرى فى المنطقة، جاء كرد حتمى على قرار الصين بتوسيع منطقة نفوذها. هذا بالطبع قبل أن يدخل الزعيمان فى المسائل الاقتصادية. ومن المحتمل أن تتعلق معظم العناوين الرئيسية التى ستنجم عن زيارة السيد هو الرسمية الأسبوع المقبل بالخلافات بشأن التجارة وأسعار صرف العملة. فالفائض التجارى الصينى الضخم يخلق ضغوطا شديدة على الولاياتالمتحدة من أجل اتباع سياسة حمائية. وتعتبر بكين مطالبة واشنطن المتكررة بإعادة تقييم العملة الصينية تدخلا لا مبرر له فى الشئون الاقتصادية الصينية. والسيد أوباما مسئول عن حل مشكلة البطالة. والسيد هو يتعرض لضغوط مستمرة من المصدرين الصينيين الذين يدفعون نمو البلاد. وبعد هذا، هناك آليات لإدارة الخلافات؛ وهى أميل للتلطيف وليس التفجير. من منظور أبعد، سيعتمد نجاح قمة البيت الأبيض أو فشلها على استعداد الزعيمين لكسر حلقة عدم الثقة المتأصلة بشأن توازن القوى فى شرق آسيا. وهناك أيضا نقاط التوتر الخطيرة فى العلاقة فى منطقة شبه الجزيرة الكورية والبحار قبالة سواحل الصين الشرقية. فى المقابل، هناك دوافع قوية لنزع فتيل التوتر. فأى من البلدين لن يربح شيئا من تصعيد ما يبدو بالفعل سباقا للتسلح فى شرق آسيا. ذلك أن كليهما مهدد، وإن كان بطريقة مختلفة، بما يمكن أن يفعله نظام يمتلك الأسلحة النووية فى بيونج يانج. من ناحية أخرى، يجعل انعدام الثقة المتبادل وتضارب المصالح من التوصل إلى تسوية أمرا صعبا. وقد شدد روبرت جيتس على العقبات خلال زيارته إلى بكين هذا الأسبوع. وكان الغرض من زيارة وزير الدفاع بناء الثقة بعد المشاحنات التى شهدها العام الماضى حول تايوان وكوريا الشمالية وحقوق البلدين البحرية فى بحر الصين الجنوبى. وكان رد جيش التحرير الشعبى تدشين أول طائرة من طائراته المقاتلة النفاثة الجديدة من طراز الشبح قبل ساعات فقط من اجتماع السيد جيتس بالسيد هو. ولابد وأن اختبار الطائرة جى 20، التى كانت سرا حتى ذلك الحين، روج للتخمينات بشأن نفوذ قادة الجيش الصينى. وقد لاحظ جيتس أنه حتى الرئيس الصينى نفسه فوجئ على ما يبدو بآخر استعراضات الشجاعة الحربية التى قدمها جيش التحرير الشعبى. ويقر خبراء السياسة الخارجية الصينية بالنفوذ المتصاعد لجيش التحرير الشعبى. والبعض منهم يساوره القلق من هذا النفوذ. ويقولون إن الصعود الاقتصادى للصين أتاح المجال أمام التوسع السريع للقدرات العسكرية بما يتناسب مع مصالح البلاد المزدهرة ومواطن ضعفها. ويتيح الاقتصاد المزدهر للجيش الوسائل اللازمة، بينما تثبت قيادته براعتها فى تسخير القومية الشعبية. وتفوق مخاطر سوء الفهم وإساءة التقدير الطموحات الخاصة لجيش التحرير الشعبى. كما أن لواشنطن كذلك صقورها. وما يدعو إلى القلق هو أن الزعامة السياسية للبلدين فشلت بذلك إلى حد بعيد فى تقديم رواية بديلة للأحداث. وطبقا لرواية الإدارة الأمريكية للأحداث، فقد أساءت بكين تفسير عرض أوباما فى عام 2009 بإقامة شراكة استراتيجية واعتبرته اعترافا بتدهور الولاياتالمتحدة. فقد رأت الصينُ أمريكا واقعة فى قبضة الأزمة الاقتصادية وتواجه تدهور موقفها على مستوى العالم. وكان ردها هو التسلط على جيرانها، واتخاذ موقف متشدد تجاه تايوان، والمبالغة فى مطالبها البحرية، وتسريع وتيرة برامج الصواريخ وغيرها من الأسلحة المعدة خصيصا لمواجهة الوجود الأمريكى فى المنطقة. أما فى الرواية الصينية، فقد بدأت المشكلة بمبيعات الأسلحة الأمريكية لتايوان، وترحيبها بالدلاى لاما، وتأييدها لليابان فى موقفها من بحر الصين الشرقى المتنازع عليه، وإعلانها عن مصالحها الوطنية فى بحر جنوب الصين. وأيا ما كان يمكن أن تقوله واشنطن عن الشراكة، فإن عقدها التحالفات الإقليمية، وخاصة مع الهند، وسلسلة مناوراتها العسكرية الاستفزازية يشتم منها رائحة سياسة الاحتواء. ترى الرؤية الأكثر إيجابية أن الصين أساءت بالفعل الحكم على رد الفعل على موقفها الأكثر تحفزا للقتال سواء فى المنطقة أو فى واشنطن. ومنذ مدة ليست بالبعيدة، حذر السيد هو من اضطرار الصين للجوء إلى نشر القوة الناعمة لا المفرطة إذ إن الأولى تقلل من المخاوف من صعودها بينما تزيد الأخيرة من تلك المخاوف. وهو درس نسيته بكين على ما يبدو فى عام 2010 بدفعها كثير من جيرانها باتجاه التقارب مع الولاياتالمتحدة. وعلى أية حال، ليس من الضرورى أن تقف إلى جانب طرف من الطرفين لتدرك ما يمكن أن تؤدى إليه المواجهة الحالية. فالصين تنشئ منظومات أسلحة جديدة الغرض منها إبعاد القوات الأمريكية عن سواحلها؛ وتقوم الولاياتالمتحدة بتطوير أسلحة مضادة. ومن هنا، يصبح تنبؤ الصقور بالمواجهة الحتمية مبررا لأن انعدام الثقة يغذى سوء التقدير. ليس ثمة طريقة سهلة للخروج من هذه الحلقة. فالصين ستواصل بناء قدراتها العسكرية وتعبر عن مطالبتها بدور استباقى فى فنائها الخلفى. وهو ما تفعله القوى الصاعدة. وليس من المنتظر أن تتخلى الولاياتالمتحدة عن دورها كحارس للأمن الآسيوى. فالقوى العظمى لا تتخلى عن دورها طواعية للقوى العظمى الجديدة. وعلى أية حال، فإن معظم جارات الصين تريد بقاء الولاياتالمتحدة. لا تحاول الولاياتالمتحدة احتواء الصين. وهى تعلم أن المحاولة ستكون عديمة الجدوى. وإستراتيجيتها هى التطويق بهدف تقييد بكين. والصدامات أمر حتمى، وليس هناك زر سحرى يعيد الأوضاع إلى ما كانت عليه. وكما هو الحال فى الاقتصاد، تكمن المصالح المشتركة فى قواعد وآليات وبنى إدارة الخلافات. وما نحتاجه هو إجراءات لبناء الثقة، والمزيد من الشفافية من جانب الصين، ومشروع أو اثنين لترسيخ عادة العمل المشترك. ويمكن القول إن كل هذه الأشياء غير الجذابة أفضل من البديل.