جامعة أسيوط تختتم ورشة العمل التدريبية "مكافحة العنف ضد المرأة" وتعلن توصياتها    نتائج المرحلة الثانية لانتخابات مجلس النواب 2025 في جنوب سيناء    من وسط أنقاض الحرب.. 54 زوجا يحتفلون بزفاف جماعي في غزة    مفاجأة.. آرني سلوت يكشف رد فعل محمد صلاح بعد استبعاده أمام وست هام    ليفربول في مأزق.. الهلال والقادسية على رأس المهتمين بخدمات محمد صلاح    الإدارية العليا تستقبل 15 طعنا على نتيجة المرحلة الثانية    مصر تستعيد قطعتين أثريتين من بلجيكا بعد مسار دبلوماسي وقانوني ناجح    "كارمن" يمثل مصر في المسابقة الرسمية لمهرجان المسرح العربي 2026    وزير الحرب الأمريكي: لقد بدأنا للتو في ضرب تجار المخدرات    بشكل مفاجئ .. ترامب يصدر عفوا رئاسيا عن رئيس هندوراس السابق    أمم أفريقيا تربك استعدادات أندية الدوري الاسباني    بابا الفاتيكان يطرح أفكاره بشأن المجمع الذي انتخبه ويتناول الروحانية ورحلاته المستقبلية    وزير خارجية ألمانيا: كييف ستضطر إلى تقديم "تنازلات مؤلمة" من أجل السلام    أحزاب القائمة الوطنية تؤكد نزاهة الانتخابات البرلمانية.. وتدعو لاحترام القانون    جمال الدين: المنطقة منصة مثالية للشركات الأمريكية    عودة أسينسيو.. ريال مدريد يعلن قائمته لمواجهة أتلتيك بلباو بالدوري الإسباني    تشكيل مانشستر سيتي - مرموش بديل.. وثلاثي هجومي أمام فولام    تغير المناخ والتلوث البلاستيكي يفتتحان الأحداث الجانبية لاجتماعات COP24 بمصر    تحرير8 محاضر تموينية خلال حملة رقابية مكبرة في الوادي الجديد    أستاذ طب نفسى: طفل من بين ثمانية أطفال يتعرض للتحرش فى العالم (فيديو)    الهيئة العربية للتصنيع توقع مذكرة للتفاهم مع الصافي جروب    نتائج المرحلة الثانية لانتخابات مجلس النواب 2025 في كفر الشيخ    مصر تسترد قطعتين أثريتين من بلجيكا.. صور    تعليق ناري من ماجدة خير الله عن أزمة فيلم الست لمنى زكي    مجلس أمناء مهرجان المنصورة الدولي لسينما الأطفال يعقد أولى اجتماعاته برئاسة مشيرة خطاب    العالمى ستيف بركات على المسرح الكبير    ما حكم المراهنات الإلكترونية؟.. أمين الفتوى يجيب    وصفات طبيعية للتخفيف من آلام المفاصل في الشتاء    إحلال وتجديد طريق ترعة الرشيدية بالمحمودية بتكلفة 2.7 مليون جنيه    مصر والسعودية توقعان مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون بمجالات الأمان النووي والإشعاعي    وزير الري: تنسيق مستمر بين مصر والسنغال في مختلف فعاليات المياه والمناخ    مكتبة مصر العامة تنظم معرض بيع الكتب الشهري بأسعار رمزية يومي 5 و6 ديسمبر    وكيل وزارة الشباب بالدقهلية يلتقي كيان اتحاد طلاب تحيا مصر    محافظ الأقصر: افتتاحات يومية لمشروعات في كل المجالات خلال ديسمبر    الصحة: استراتيجية توطين اللقاحات تساهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي    أخطاء في تغذية الأطفال لاعبي الجمباز تؤثر على أدائهم    هزار قلب جريمة.. حقيقة الاعتداء على طالب باستخدام مفك فى الشرقية    موعد صلاه العشاء..... مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 2ديسمبر 2025 فى المنيا    رمضان عبدالمعز: الإيمان يرفع القدر ويجلب النصر ويثبت العبد في الدنيا والآخرة    متحدث الأوقاف يوضح ل«الشروق» الفارق بين «دولة التلاوة» والمسابقة العالمية ال32 للقرآن الكريم    ماجد الكدواني يواصل التحضير لمسلسل «سنة أولى طلاق»    كأس العرب - شكوك حول مشاركة براهيمي أمام السودان    قافلة «زاد العزة» ال 85 تدخل إلى غزة محملة بآلاف من السلال الغذائية    الأهلي يترقب موقف ييس تورب لدراسة عرض برشلونة لضم حمزة عبد الكريم    أستاذة جامعية إسرائيلية تُضرب عن الطعام بعد اعتقالها لوصف نتنياهو بالخائن    صحة الوادى الجديد تنفذ عدد من القوافل الطبية المجانية.. اعرف الأماكن    تركيا: خطوات لتفعيل وتوسيع اتفاقية التجارة التفضيلية لمجموعة الثماني    الطقس غدا.. انخفاضات درجات الحرارة مستمرة وظاهرة خطيرة بالطرق    أمن المنافذ يضبط 47 قضية متنوعة خلال 24 ساعة    ضبط قضايا اتجار غير مشروع بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة قيمتها 6 ملايين جنيه    تراجع كمية المياه المستخدمة فى رى المحاصيل الزراعية ل37.1 مليار متر مكعب خلال 2024    تحرير 141 مخالفة لمحال لم تلتزم بقرار مجلس الوزراء بالغلق لترشيد الكهرباء    وزير العمل يسلم 25 عقد عمل جديد لوظائف بدولة الإمارات    سامح حسين: لم يتم تعيينى عضوًا بهيئة تدريس جامعة حلوان    يلا شووت.. مصر تبدأ رحلة كأس العرب باختبار ناري أمام الكويت على ملعب لوسيل اليوم    أحمد بنداري: التعامل وفق القواعد القانونية يُعزز الثقة في العملية الانتخابية    ضبط 379 قضية مواد مخدرة فى حملات أمنية    أدعية الفجر.. اللهم اكتب لنا رزقًا يغنينا عن سؤال غيرك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إنها الطبقة (الخطيرة)
نشر في الشروق الجديد يوم 17 - 01 - 2011

«لقد نزعت الليبرالية الجديدة التحليل الاجتماعى من على جدول أعمال البحث العلمى لفهم الظواهر المجتمعية». مقولة أتذكرها جيدا قالها العالم الراحل الكبير الدكتور رمزى زكى التى حلت ذكراه العاشرة الشهر الماضى فى سياق دراسته المرجعية التى لم تر النور «مأزق الرأسمالية».
أتذكرها مع توالى كثير من الظواهر التى بتنا نستسهل تحليلها من خلال مظهرها الخارجى بشكل مختزل أو من خلال تفسير دينى يستبعد الكثير من العوامل المتداخلة والصانعة للظاهرة.. من هذه الظواهر الخروج التلقائى من كتل بشرية تعبر عن غضبها بوسائل شتى. عن هذه الظاهرة نتحدث. إنه غضب الطبقة الخطيرة.
ماذا نعنى بالطبقة الخطيرة؟
الطبقة الخطيرة Dangerous Class مصطلح استخدم فى أدبيات علم الاجتماع لوصف قطاع من الناس أو السكان يقبعون فى أقصى البناء الطبقى/البنية الاجتماعية من أسفل. يعيشون فى ظروف معيشية حرجة، ويتسمون بأنهم يعانون من كل الآفات المجتمعة وفى وقت واحد: بطالة ممتدة، ليس لهم سكن دائم، أو يقطنون أماكن لا تحظى بأى خدمات، إنهم «المهمشون» أو «المستبعدون» أو «المنسيون» الذين يعيشون حول المدن ويشكلون حزاما يمنطقونها به جاهزا للاحتجاج والانفجار فى أى وقت. وتزيد محنة هؤلاء إذا ما كانوا من جنس آخر و ديانة أخرى أو ..إلخ. حيث تجتمع كل هذه الصفات معا لتزيد من القدرة التفجيرية لهم.
إن غياب التحليل الاجتماعى جعلنا دوما نصف هؤلاء «بالقلة المندسة» أو «القلة المارقة» دون أن نفهم ونحلل كيف تبلورت هذه الطبقة ونفسر لماذا هى فى ازدياد. بيد أنه علينا أن نعود إلى حراس دولة الليبرالية الجديدة لمعرفة الإجابة.
الليبرالية الجديدة وتكوين أرستقراطية انتقائية
لقد استعاد منظرو الليبرالية الجديدة ما طرحه أفلاطون فى جمهوريته. ونذكر هنا ما قاله العالم الجليل فؤاد زكريا فى دراسته التى قدم بها ترجمته المتميزة لكتاب أفلاطون «الجمهورية»..حيث قال: «من الواجب أن ننبه منذ البداية إلى أن أفلاطون لا يقدم إلينا...نظرية شاملة فى التربية، بل يقدم إلينا منهاجا لتربية فئة مختارة من المواطنين فحسب والفارق بين الحالتين كبير: إذ إن المثل التربوية العليا التى تهدف إلى تنوير المواطن بوجه عام لابد أن تختلف عن تلك التى تهدف إلى تثقيف صفوة مختارة منهم: فالأولى ديمقراطية شاملة، والثانية أرستقراطية انتقائية».
وهنا بالضبط مربط الفرس، الليبرالية الجديدة تركت الأفراد لسلطة السوق لبلورة فئة مختارة أو ارستقراطية منتقاة لحكم دولة الليبرالية الجديدة. وكان ميلتون فريدمان وليو شتراوس (وليس كلود ليفى شتراوس) هما حراس الدولة الجديدة. حيث قدما المرجعية الفكرية والاقتصادية التى تمكن المشروع الجديد من التقدم بتبرير دينى.. إنهم جميعا فى حقيقة الأمر استلهموا ما استعاده شتراوس عن أفلاطون بأن يكونوا الطبعة الجديدة من حراس جمهورية أفلاطون، ويصبحوا بحسب أفلاطون «مجموعة مغلقة تعرف كل شىء ونخبة مختارة تقود وتحمى وعند الضرورة تخدع الجمهور الجاهل والمترهل لحماية مصلحته من الأعداء عديمى الرحمة».. إنها النخبة السوبرمان التى لا تعبأ أن تترك الناس لآليات السوق بغير حماية وبغير تعويض، لأن المشروع الجديد سوف يعوضهم أخذا فى الاعتبار أنهم ليسوا شركاء فيه.. وأن تتوجه نحو اليمين بكل جوانحها وبحدة. (أفضنا حول هذا الموضوع فى دراستنا قصة الليبرالية الجدية نشرت بالأهرام الاقتصادى وهى قيد الطبع).
حراس الليبرالية الجديدة اقتصاديا
من ضمن «حراس» بحسب أفلاطون دولة الليبرالية الجديدة ميلتون فريدمان الذى يدين له أصوليو ومتشددو وصانعو الليبرالية الجديدة فى بلداننا حيث ذكر فى كتابه الرأسمالية والحرية (الطبعة الانجليزية 1962)، والذى يمكن اعتباره «مانيفستو» الليبرالية الجديدة أن «آليات السوق تكفى لحل أغلب المشاكل الاقتصادية والاجتماعية فى عهدنا، ويتعين تقليص سلطة الدولة إلى أدنى حد، حيث إنها مصدر جميع الأزمات والمشكلات التى يمكن أن تعانى منها الرأسمالية من بطالة، وركود، وانخفاض إنتاجية، وتضخم، وعجز الموازنة...إلخ.. وعليه يجب على الدولة أن تبتعد عن النشاط الاقتصادى وتكتفى بأدوارها التقليدية، «..أى تلك الوظائف الحارسة لنشاط تراكم رأس المال..»، بحسب رمزى زكى...وفى هذا السياق يطالب فريدمان بوقف كل أشكال الإعانات التى تقدمها الدولة لأنها تعطل من فاعلية سوق العمل... وترك آلية قوى العرض والطلب فهى التى تحدد الأجور سوق العمل حتى يجبر العمال على العمل بمستويات الأجور التى تحددها هذه القوى..كما اعتبر فريدمان أن حرية المنشأة هى أساس الحرية السياسية، وهو يقترح إحلال ضريبة سلبية على الدخل محل نظم التأمين الاجتماعى المخصصة لمحدودى الدخل...»، كما نادى بتخصيص التعليم وكثير من القطاعات...».. «وطالب أيضا بخفض الضرائب على الدخول والثروات الكبيرة..ويتم تقليص أى إنفاق له طبيعة اجتماعية.
فى هذا السياق، لا توجد ضرورة ولا وقت لفهم ما يمكن أن ينجم من هذه السياسات وعليه تتراجع الدراسات العلمية فى هذا المقام. وليس مصادفة وأقول، هذا على مسئوليتى كيف أن المدرسة القومية فى التاريخ وعلم الاجتماع ..إلخ، تكاد تكون قد توقفت عن تقديم الدراسات التى تواكب الظواهر الجديدة وتتابع جديد العالم فى آن واحد، إلا فيما ندر وبمبادرات فردية.
حراس الليبرالية الجديدة فلسفيًا
ومن ضمن «الحراس» أيضا ليو شتراوس (وليس كلود ليفى شتراوس بحسب أحد أساتذة الفلاسفة الذى حاول أن يصحح لى الاسم فى إحدى المحاضرات منذ سنوات ظنا منه أننى أخطأت فى الاسم وتبين أنه لا يعلم أصلا ليو شتراوس الذى يعد الأب الروحى للمحافظين الجدد فى أمريكا) والذى انتشرت أفكاره لتبرير الوصفة السحرية لليبرالية الجديدة التى تمردت عليها كثير من الدول. وتعكس نصوصه الأساسية «الحق الطبيعى والتاريخ»،و«المدينة والإنسان» و«أفكار حول مكيافيللى»، بالإضافة إلى كتاباته حول المؤلفات الفلسفية الكبيرة موقفا نخبويا مطلقا، فعلى سبيل المثال نجده يؤمن باللا مساواة. وعن التمايز بين البشر يقول:
«.. بالرغم من قبوله بالديمقراطية الليبرالية باعتبارها نظاما أفضل من سواه إلا أنها مهددة بالانحدار لأنها تنادى».. بالمساواة هادمة بذلك مبدأ أساسيا من المبادئ التى آمن بها روادها الأوائل ونعنى به الإيمان بالتفوق البشرى والتميز الطبيعى الذى لدى البعض وليس لدى الآخرين..».
الخلاصة أن الليبرالية الجديدة أنتجت لنا «نخبة سوبر» أو طبقة «سعيدة» حاضرة بقوة تحظى بالكثير مقابل «طبقة غاضبة خطيرة» لا تحظى بشىء.
طبقة سعيدة مقابل طبقة غاضبة خطيرة
تحررت الطبقة الغاضبة من كمونها محتجة على واقعها الذى اختلطت فيه الهوية الدينية مع الحاجة الاجتماعية. الطبقة الغاضبة الخطيرة خرجت من حزام المدينة من الخصوص ومسطرد والدويقة ومنشية ناصر. غضبتها فى ظنى ليست دينية محضا. واكبها غضبة أخرى فى الوراق.
إنها غضبة علينا أن نتفهمها وأن نحتضنها ونميز فيها بين الدينى والاجتماعى. وخاصة أن النشاط الخيرى الذى تقدمه الكيانات الدينية لم يعد كافيا لاحتواء هذه الطبقة، ذلك لأن الدولة لابد أن تضطلع بمسئولياتها تجاه مواطنيها وبخاصة الطبقة الخطيرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.