الرهبنة القبطية إبداع مصرى أصيل، حيث يذكر التاريخ أن أول راهب هو القديس الأنبا أنطونيوس والملقب بأبوالرهبان، وكلمة «راهب» فى اللغة اليونانية والقبطية هى «موناخوس» بمعنى «المتوحد» ومنها جاءت كلمة Monk فى اللغة الإنجليزية، وذلك لأن الأصل فى الرهبنة هو التوحد واعتزال العالم ليحيا منفردا فى الصحراء، ولقد ساعدت طبيعة الجو المصرى المعتدل طول أيام السنة على نمو وازدهار الرهبنة فى أرض مصر، ولقد قال المؤرخ الإلمانى «هرناك» عن الرهبان الأقباط «إن النساك المصريين كانوا يعتبرون فى جميع العصور حتى فى نظر الغرب آباء ونماذج للحياة المسيحية الحقيقية. أما أشهر نظم الرهبنة القبطية فهى: أولا: نظام الأنبا أنطونيوس ومؤسسه القديس الأنبا أنطونيوس، ولد عام 251 فى بلدة قمن العروس ببنى سويف، وذات يوم توجه إلى الكنيسة لحضور القداس فسمع الآية التى تقول «إن أردت أن تكون كاملا فاذهب وبع كل مالك وأعط الفقراء، فيكون لك كنزا فى السماء وتعال أتبعنى» (مت 19 :21) ففى الحال قام القديس وباع كل أملاكه ووزعها على الفقراء، وذهب ليتعبد فى الصحراء، وهناك ذاع صيته وانتشر خبره بين الناس، ويمثل الأنبا انطونيوس نوعين من الرهبنة: النوع الأول هو نظام الوحدة حيث يعيش الراهب فى وحدة كاملة، أما النوع الثانى فهو أن يعيش الرهبان فى قلالى منفردة ولكن قريبة من بعضها البعض لتكوين نوع من الصداقة بين الرهبان. ويمكن أن يكون بينهم أب راهب مرشد يكون كبيرا فى السن. ثانيا: نظام الأنبا باخوميوس أب الشركة 1 وهو يسمح لكل راهب أن يأكل ويشرب حسب قوته، وعلى قدر قوة الآكلين تحدد لهم أعمالهم. فيعطى الأعمال التى تحتاج إلى مجهود للأقوياء، أما الضعفاء والنساك فيعطيهم الأعمال الخفيفة. 2 جعل كل ثلاثة رهبان يقيمون فى قلاية «صومعة» واحدة، أما تناول الطعام فيتم فى مطعم الدير. 3 طالبهم أن يرتدوا فى الليل ثوبا بلا أكمام،وليكن لكل واحد منهم عباءة من جلد الماعز، لا يأكل أحد إلا وهو مرتديها. 4 قام بتقسيم الرهبان إلى 24 قسما، كل قسم يميز بأحد الحروف اليونانية، فيكون لكل قسم حرف مناسب لسلوكه وعاداته. فحرف «اليوتا» يلقب به البسطاء وحرف «الزيتا» أو «إكسى» للملتوين وهكذا على بقية الحروف اليونانية. 5 إذا جاء شخص غريب من دير آخر له نظام مغاير فلا يأكل معهم ولا يشرب ولا يدخل حتى الدير إلا إذا كان قادما من أجل عمل جاد. 6 العمل إلزاميا حتى بالنسبة لرؤساء الأديرة،وذلك لتجنب الكسل التى هى أصل كل خطيئة، وللمساهمة فى احتياجات الدير، وكان القول المشهور ضد الرهبان الكسالى «إن لم يعمل الراهب فلا يأكل» ثالثا: نظام الأنبا شنودة رئيس المتوحدين ولقد وضع نظاما أكثر صرامة من النظام الذى وضعه القديس باخومويس، وكان من أهم ملامحه: 1 يقضى طالب الرهبنة فترة اختبار خارج أسوار الدير، وليس داخله كما فى النظام الباخومى، ويكتب طالب الرهبنة تعهدا يوقع عليه قبل الرهبنة: ويتلوه أمام الإخوة داخل الكنيسة وهذا نصه «أتعهد أمام الله فى هذا الموضع المقدس، وتكون كلمة فمى شاهدة على، أننى لا أرغب فى تدنيس جسدى بأية وسيلة، ولا أريد السرقة، ولا أرغب فى صنع الشر خفية. وإن عصيت ما تعهدت به لا أود دخول ملكوت السموات، فإننى أشهد أمام الله الذى أنطق أمامه بصيغة التعهد ليعذب نفسى وجسدى فى نار جهنم، لأننى عصيت ما جاء فى التعهد الذى أنطق به». 2 كل دير يديره أب، وهذا بدوره خاضع لأب أكبر لكل الأديرة، وتقام أربعة اجتماعات عامة لكل الرهبان سنويا، يحضرها أيضا الرهبان المتوحدون، وذلك لمناقشة أوضاع هذه الأديرة. 3 من جهة العبادة، تتلو كل جماعة من الرهبان صلوات قصيرة قبل البدء فى أعمالهم، أما الصلوات الخاصة فتتلى فى القلالى بإرشاد الأب الروحى، أما الصلوات الجماعية فليجتمع الرهبان أربع مرات يوميا لهذا الغرض فى الصباح وعند الظهر، وعند الغروب والليل، وبجانب هذه الصلوات تقام القداسات أسبوعيا. وكان يسمح للشعب أن يزور الأديرة فى يوم السبت لسماع العظة، كما يسمح لهم بحضور القداس الإلهى يوم الأحد، وكان الرهبان يقدمون الطعام للجماهير. 4 أنشأ مدرستين فى الدير الأبيض بأخميم، وشجع الرهبان على التعلم إذ آمن أن التعليم هو السلاح الفعال ضد العادات الوثنية، كما شارك فى تأسيس مدارس فى القرى المجاورة للدير. 5 كان نظام الأنبا باخومويس يسمح بالرهبنة من كل الجنسيات، بينما لم يسمح الأنبا شنودة بالرهبنة إلا للرهبان الأقباط فقط، وذلك تمسكا منه بقوميته المصرية.. وتعتبر الرهبنة القبطية هى الرهبنة الأم لكل رهبانيات العالم. ولقد انتقلت إلى أوروبا عن طريق سيرة القديس الانبا انطونيوس التى كتبها القديس أثناسيوس البطريرك ال20 من منفاه فى روما، كما زار الأديرة القبطية العديد من الرحالة الأوروبيين نذكر منهم (يوحنا كاسيان روفينوس بلاديوس القديس جيروم... إلخ).