يُلقب أحمد لطفى السيد (1872 1963م) بأستاذ الجيل، وهو يُعد رائد القومية المصرية فى مصر الحديثة، لما أبداه من رؤى متميزة وكتابات عديدة دارت حول حب الوطن والانتماء إليه ووحدة المواطنين المصريين على أساس المصلحة والمنفعة المشتركة وليس على أساس الدين. اشترك أحمد لطفى السيد مع مجموعة من المثقفين والمفكرين الليبراليين فى تأسيس (الجريدة)، صحيفة يومية صدرت بمدينة القاهرة يوم 9 مارس 1907، وتولى إدارة الجريدة ورئاسة تحريرها، وكان شعارها قول ابن حزم «من حقق النظر وراض نفسه على السكون إلى الحقائق وإن آلمتها فى أول صدمة كان اغتباطه بذم الناس إياه أشد وأكثر من اغتباطه بمدحهم إياه». وفى نفسها السنة نفسها أيضا (1907م) أسست (جماعة الجريدة)، وهم مجموعة من المفكرين والأعيان، حزب (الأمة)، وعمل لطفى السيد سكرتيرا له، وكان الحزب يؤمن باستقلال مصر عن تركيا (الدولة العثمانية) وعن إنجلترا (بريطانيا). اهتم لطفى السيد بترقية الوطنية المصرية، أو الجامعة المصرية، فى نفوس المصريين، مؤكدا أن مصر يجب أن يملكها المصريون دون الأتراك ودون الإنجليز، فقد عمل على ترسيخ دعوة مصر للمصريين. وكتب العديد من المقالات فى تأييد الحقوق الفردية والحريات الدستورية، كما أنه اهتم بمتابعة التطورات الاجتماعية. وكان لطفى السيد واحدا من دعاة الوحدة الوطنية، وبالأخص فى تلك الأوقات التى شهدت توترا وأزمة فى العلاقة بين أبناء الوطن الواحد، ومن ذلك مثلا أن صحيفة (الجريدة) تابعت الخلاف الذى نشأ بين الأقباط والمسلمين عام 1908م، حيث نشرت مقالا رئيسيا عنوانه «فيم الخصام» فى عددها الصادر بتاريخ 7 يونيو 1908م، وأغلب الظن أن كاتب هذا المقال هو أحمد لطفى السيد نفسه.. انتقد الكاتب الخلاف الذى نشأ بين بعض الأقباط وبعض المسلمين آنذاك حول تقلد وظائف الحكومة، فقد اشتكى بعض الأقباط من عدم المساواة فى تقلد الوظائف، بينما رد بعض المسلمين على تلك الشكوى بإنكار هذا الزعم. كتب كاتب (الجريدة) يقول «انتظرنا بهذه المجادلة القائمة بين كتابنا من الأقباط والمسلمين فى غير مصلحة أن ينتهى أمرها. فما هى إلا تزداد على نغمة يشفق منها الحريص على مصلحة الفريقين وحدة تفرق ما بين التوءمين. أولى بالكُتاب أن يصرفوا أقلامهم إلى تقرير المبادئ التى يجب أن نسير عليها لتعزيز الوحدة القومية وبث روح التضامن بين المصريين على السواء. لا أن يقف بعضهم لبعض موقف المحاسب على ما جادت الإنكليز به عليهم من الوظائف التى ليس منها جاه يُطلب فإن الجاه كله بيد المحتلين. وليس من ورائها تأييد مذهب سياسى فإن المبادئ السياسية فى مصر حرام على المصريين الموظفين حتى على الوزراء السياسيين. ففيم الخصام؟».. وهو يرى أن «أصل الوظيفة ضريبة تُضرب على كل كُفء لها لا مزية يُمنحها من أسعده الحظ. فكان من الطبيعى أن يفر كل امرئ من التوظف كما يفر من الضريبة كلما استطاع سبيلا. إلا فى البلاد التى ترقت وسادت فيها خدمة المبادئ لا خدمة الأشخاص. هنالك لكل حزب سياسى مبدأ يسعى لتأييده وغرض صالح يسعى لتحقيقه. تدخل الأحزاب السياسية فى معترك الانتخاب فالحزب الفائز تكون منه الوزارة. وفى بعض البلاد يتغير الموظفون العالون بتغير الوزارات. فى تلك البلاد يسعى الحزب للوزارة وللوظيفة لتأييد المبدأ السياسى وتحصيل الجاه اللازم له حتى ينجح فى تحقيق مقاصده التى هى خير البلاد والمحافظة على مجدها واستقلالها».. ويضيف «ما الوظيفة كما قلنا أمام الشرف والنظر الصحيح إلا ضريبة من الضرائب يجب على الكفء دفعها كما يجب على غير الكفء أن يتظلم من إسنادها إليه كما يتظلم الذى لا أرض له من أن تُضرب عليه ضريبة عقارية». ويتساءل «هل يلحظ إخواننا الكُتاب الذين يتحاسبون على الوظائف فيما يكتبون أن غرض الموظفين من الفريقين هو تأييد مذهب سياسى أو تحقيق غرض عام يرى الأقباط أن تحقيقه نافع للبلاد ولا يراه المسلمون؟ وهل كان الأقباط حزبا سياسيا خاصا والمسلمون حزبا سياسيا آخر؟ أم الواقع أن الأحزاب السياسية عندنا كل واحد منها هو مجموع من المسلمين والأقباط؟» ويقول «على ذلك يمكن القول بأن الضالة المنشودة فى كل هذه الجلبة ليست شيئا آخر إلا نقد راتب من مال الحكومة الذى تصرفه أجرة لإنجاز أعمالها». وعند الكاتب أن الحكومة أُقيمت «لمصلحة المحكومين لا لمصلحة الحكام حتى إذا كان للحاكم مصلحة خاصة من الحكم وجب عزله لأنه يكون مظنة للجور والانتفاع من وظيفته كما أن طالب التولية لا يُولى».. ويدعو الكاتب كلا من المسلمين والأقباط لأن يحتجوا «معا بصوت واحد على الأجانب الموظفين فى وظائف الحكومة مع وجود الأكفاء من المصريين الذين لهم الحق الطبيعى فى أن يعملوا لخير أمتهم والذين حقهم فى ذلك مقدس مقدم على حق الأجانب فى خدمة مصر إن كان لهم حق فى ذلك». ويقول «إنْ مس الأقباط من الإنكليز قرح فقد مس المسلمين قروح. فما طعن لورد كرومر على الأقباط فى كفاءتهم كطعنه على المسلمين فى كفاءتهم ومبادئهم ودينهم أيضا. ولم يكن الإنكليز ليظلموا أحد الفريقين معا بحرمان الأمة من خدمة أبنائها لها بالحرية اللازمة لكل موظف يحترم وظيفته وقومه».. ولا ينسى الكاتب أن يظهر حرصه على الهدف العام للمصريين آنذاك حيث حق مصر فى نيل الاستقلال، فيقول إنه «إذا ثبت ذلك وتُرجمت أقوال جرائدنا العربية إلى اللغات الأخرى، ألا نخشى أن يُقال إنَّا منقسمون بعضنا على بعض نتنازع رواتب فى وظائف لا عمل لنا فيها إلا تنفيذ إرادة الغير. شائعة جديدة تُضم إلى الشائعات الأخرى التى تبعدنا عن أن نستحق الاستقلال. كأنى بالأجانب يقفون أمام هذه الحركة عن قرب فلا يسع أحدهم إلا أن يبتسم من عملنا ابتسامة تُدمى قلب الحر وتفطر كبد الغيور على وحدة قومه. ابتسامة معناها أن هؤلاء القوم لا يزالون يعتبرون التوظف موردا من موارد الرزق ثم يجىء فى خاطرهم بعد ذلك أنهم لا يرون وزراءنا وموظفينا يستقيلون من وظائف الحكومة كما يستقيل أمثالهم فى البلاد الأخرى لأى عمل لا يجىء على ما يعتقده.. ثم يكون من وراء ذلك أن يثبت فى أذهانهم ما رمى به بحق وبغير حق أننا بعيدون جدا عن الحكومة الذاتية. على أن الموظفين من الطرفين لا أظنهم يشاركون الجرائد فى مثل هذا الانقسام فنناشد كتابنا الوطنية إلا ما أقفلوا هذا الباب الخطر النتائج خدمة لوحدتهم القومية وانصرفوا إلى تقرير المبادئ التى يجب أن نسير عليها لترقية المسلمين والأقباط معا لاستقلال مصر». الجدير بالذكر أن أحمد لطفى السيد كان صديقا لعدد من رموز جيله مثل الشيخ محمد عبده وسعد زغلول وقاسم أمين. وقد تأثر به كثيرون منهم على سبيل المثال لا الحصر المفكر الاجتماعى الكبير سلامة موسى (1889 1958م) الذى كتب فى مذكراته الشهيرة (تربية سلامة موسى) يقول عن نفسه إنه تأثر بعدد من الشخصيات منهم أحمد لطفى السيد الذى «جعل من المستطاع لى، بوصف أنى غير مسلم، أن أكون وطنيا فى مصر».