سيبنى أعدّ عيالى»، جملة أخيرة نطقها الحاج عبدالله، أحد أهالى قرية ميت معلا، فى محافظة الشرقية، قبل أن ينعقد لسانه ويفقد القدرة على النطق. الحاج عبدالله كان واقفا على اللحد، يودع أبناءه الذين راحوا ضحايا واحد من ثلاثة حوادث طرق شهدتها محافظة الشرقية فى يوم واحد قبل يومين. لم يكن الحاج عبدالله يعرف أن أبناءه الأربعة وأخاه وابن أخيه راحوا ضحية حادث واحد، فإشفاق أهل القرية عليه دفعهم لأن يقولوا له إن ابنا وحيدا من أبنائه استشهد خلال الحادث، لكن وعند المدافن، تشكك فى الأمر، فالنازلون إلى لحد العائلة ستة وليس واحدا.. سأل من حوله، فلم يجدوا بدا من مصارحته. لم ينطق الرجل، بل طلب النزول إلى القبر ليحصيهم، تلمسهم بيده واحدا تلو الآخر، قبل أن ينعقد لسانه فلا ينطق، ويصاب بإغماءة قصيرة، أفاق بعدها ليجد نفسه محمولا إلى بيته، وسط بكاء شديد. فى هذا اليوم، كانت القرية تشيّع 9 من شبابها دفعة واحدة، اضطرت للاستعانة بنعوش من قرى مجاورة، حيث إن المتاح لديها اثنان فقط. وشارك فى تشييع الجنائز الآلاف من القرى المجاورة. الحاج عبدالله فقد أبناءه عزت، 28 عاما، ومحمد، 24 عاما، ويوسف، 15 عاما، وصبحى، 16 عاما، وشقيقه الأصغر صبحى، 48 عاما، وابنه عبدالرحمن، 13 عاما، فى يوم واحد، وفى سرادق العزاء، كان الرجل غائبا، فحالات فقدان وعى تنتابه بين الحين والآخر، كما غاب ابنه الأصغر محمود، 19 عاما، والذى لا يزال رهن العناية المركزة فى المستشفى، يعالج من كسر بالجمجمة ونزيف بالمخ. القرية بأكملها يلفها صمت مهيب، وأئمة المساجد يستغلون الأوقات الضيقة ما بين أذان الصلاة وإقامتها لإلقاء كلمات تحث الناس على تحمل البلاء، واحتساب الأجر عند الله. فيما سوى هذا، وكأن الحركة توقفت فى الشوارع. ياسر يوسف عبدالسلام، 31 عاما، ابن عم الضحايا الستة، لم يكن يريد الحديث فى البداية، لكنه عاد ليتحدث عن تصريحات المستشار يحيى عبدالمجيد، محافظ الشرقية، والتى أعلن فيها صرف 10 آلاف جنيه لأسرة كل ضحية، و6 آلاف جنيه لكل مصاب. ياسر برر حديثه بأنه «راجل»، ويريد أن يعلق على تصريحات المحافظ: «ليس من النبل أن «يتاجر أحد بمصائب الناس، وبجثث الأموات». يكمل ياسر بأن أسرة الضحايا كانت تعيش فى بيت فقير مبنى بالطوب اللبن، ومنهم شقيقان متزوجان، وزوجتاهما «حاملان»، أصبحتا الآن بلا عائل، فالأب كفيف، وقد تقدمت به السن حتى إنه لا يستطيع أن يعمل لإعالة نفسه وأسر أبنائه. ياسر يطالب المحافظ والحكومة بأن يقفوا «وقفة رجالة» ويقرروا معاشا شهريا لهؤلاء حتى يتمكنوا من استكمال حياتهم وتربية الأطفال. فسعيد، شقيق الحاج عبدالله، والذى كان عاملا فى معهد أزهرى، ترك وراءه أربع بنات: أسماء، 18 عاما، ودعاء، 16 عاما، وداليا، 5 أعوام، وسارة، 12 عاما، وطفلين: على، 13 عاما، ورضا، 8 سنوات، «وليس لهم شخص واحد ينفق عليهم بعد وفاة والدهم» بنص تعبير ياسر. محمد فتحى عبدالشافى 22 عاما، ضحية آخر من نفس القرية، كان يستعد لحفل زفافه، ودعا إليه جيرانه وأصحابه بعد أن حدد له يوم الأحد المقبل