بعد الموافقة على قانون تنظيم الفتوى.. قاعة النواب تشهد تصفيق حار على توافق الأزهر والأوقاف    نجوم الدراما الجدد في ضيافة «صاحبة السعادة».. الليلة وغدًا    عزة كامل: مصر من الدول المصدقة على اتفاقية مكافحة التمييز ضد المرأة    محافظ الشرقية يشهد حفل قسم لأعضاء جدد بنقابة الأطباء بالزقازيق    محمد عبد القوي: التغيرات الجيوسياسية تبرز أهمية إنشاء مناطق اقتصادية متخصصة    ناصر مندور: جامعة القناة تعمل على تحفيز التنمية الإقليمية في سيناء    محافظ الفيوم يتابع حملات إزالة التعديات على أملاك الدولة ضمن الموجة ال 26    محافظ الأقصر يتفقد أعمال فتح أكبر شارع بمنطقة حوض 18 بحى جنوب    نائب محافظ قنا يتفقد الأعمال الإنشائية بشادري الأربعين والأشراف    المستشار الألماني: المقترح الروسي للتفاوض مع أوكرانيا «غير كافٍ»    إدارة ترامب تبحث تعليق حق دستورى للسماح بترحيل المهاجرين    وزير الخارجية: إصلاح مجلس الأمن ضرورة ونتشبث بالموقفين الإفريقي والعربي    مسؤولون أمريكيون: هناك خلافات بين ترامب ونتنياهو بشأن التعامل مع قطاع غزة وإيران    القنوات الناقلة لمباراة الاتحاد ضد الفيحاء في الدوري السعودي    تشكيل مانشستر يونايتد أمام وست هام في البريميرليج    إعلامي يكشف تحرك جديد في الزمالك لإيقاف أحمد سيد زيزو    طلاب بني سويف يحصدون 8 ميداليات في بطولة الشهيد الرفاعي للكونغ فو    موقف رونالدو من المشاركة مع النصر أمام الأخدود في الدوري السعودي    كواليس أزمة عواد وصبحي في لقاء الزمالك وسيراميكا    الزمالك يتحرك للتعاقد مع حارس الأهلي    الداخلية تكشف ملابسات تعد طالب على زميله بسلاح أبيض وإصابته بالقاهرة    40 درجة مئوية في الظل.. الموجة الحارة تصل ذروتها اليوم الأحد.. وأطباء ينصحون بعدم التعرض للشمس    بعد الدفع ب 6 لوادر.. انتشال جثة مسن انهارت عليه بئر فى صحراء المنيا -صور    وفاة سيدة أثناء ولادة قيصرية بعيادة خاصة فى سوهاج    طالب يطعن زميله بعد مشادة كلامية فى الزاوية الحمراء    الأحوال المدنية تستخرج 32 ألف بطاقة رقم قومي للمواطنين بمحل إقامتهم    رئيس منطقة المنيا الأزهرية يشدد على ضرورة التزام الطلاب والعاملين باللوائح المنظمة للامتحانات    المركز القومي للسينما يقيم فعاليات نادي السينما المستقلة بالقاهرة    «الثقافة» تختتم الملتقى ال21 لشباب المحافظات الحدودية بدمياط    هل شريكك برج الثور؟.. إليك أكثر ما يخيفه    المطربة نعوم تستعد لطرح أغنية جديدة «خانو العشرة»    قبل انطلاقه.. تعرف على لجنة تحكيم مهرجان «SITFY-POLAND» للمونودراما    مجلس النواب يقر قانون تنظيم الفتوى الشرعية وسط توافق من الأزهر والأوقاف    هل يجبُ عليَّ الحجُّ بمجرد استطاعتي، أم يجوزُ لي تأجيلُه؟.. الأزهر للفتوى يوضح    قبل انتهاء مدة البرلمان بشهرين.. مرفت عبد النعيم تؤدي اليمين الدستورية خلفًا للنائبة رقية الهلالي    أخبار «12x12»: «خناقة» بسبب قانون الإيجار القديم ومفاجأة عن طلاق بوسي شلبي    جدول امتحانات الصف السادس الابتدائي في القليوبية 2025    نظام غذائي صحي للطلاب، يساعدهم على المذاكرة في الحر    القاهرة الإخبارية: الاحتلال الإسرائيلى يواصل قصف الأحياء السكنية فى غزة    لا يهم فهم الآخرين.. المهم أن تعرف نفسك    ارتفاع كميات القمح المحلي الموردة للشون والصوامع بأسيوط إلى 89 ألف طن    مرشح حزب سلطة الشعب بكوريا الجنوبية يسجل ترشحه للانتخابات الرئاسية    محافظ الدقهلية يحيل مدير مستشفى التأمين الصحي بجديلة ونائبه للتحقيق    ماذا يحدث للشرايين والقلب في ارتفاع الحرارة وطرق الوقاية    عاجل- البترول تعلن نتائج تحليل شكاوى البنزين: 5 عينات غير مطابقة وصرف تعويضات للمتضررين    «حماة الوطن» بسوهاج يفتتح 9 وحدات حزبية جديدة بقرى ومراكز المحافظة    ضبط 575 سلعة منتهية الصلاحية خلال حملة تموينية ببورسعيد -صور    محافظ الدقهلية يتفقد مركز دكرنس ويحيل رئيس الوحدة المحلية بدموه للتحقيق    استئناف المحادثات التجارية بين الولايات المتحدة والصين في جنيف    1500 فلسطيني فقدوا البصر و4000 مهددون بفقدانه جراء حرب غزة    أمين الفتوى يحذر من الحلف بالطلاق: اتقوا الله في النساء    كندا وجرينلاند ضمن قائمة أهدافه.. سر ولع ترامب بتغيير خريطة العالم    «جوتيريش» يرحب باتفاق وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان    النسوية الإسلامية (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا): مكانة الأسرة.. فى الإسلام والمجتمع! "125"    ما حكم من نسي الفاتحة أثناء الصلاة وقرأها بعد السورة؟.. أمين الفتوى يجيب    حياة كريمة بالإسماعيلية.. الكشف على 528 مواطنا خلال قافلة طبية بالقصاصين    هل للعصر سنة؟.. داعية يفاجئ الجميع    الدوري الفرنسي.. مارسيليا وموناكو يتأهلان إلى دوري أبطال أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسلمة الانفصال.. تأملات فى نظرية النصر الدائم
نشر في الشروق الجديد يوم 30 - 12 - 2010

نشرت الصحف العربية مقتطفات من خطاب جماهيرى للرئيس السودانى ألقاه فى 19 من الشهر الجارى. أكد الرئيس فى هذا الخطاب أن الشريعة الإسلامية ستكون المصدر الوحيد لدستور البلاد إذا اختار الجنوب الاستقلال فى الاستفتاء المقرر فى التاسع من يناير المقبل. وقال الرئيس السودانى فى الحشد الجماهيرى الذى حضر إلقاء الخطاب إن الدستور سيتغير إذا انفصل الجنوب، ولن «يكون هناك مجال فى ذلك الوقت للحديث عن تنوع الثقافات والأعراق.
ستكون الشريعة الإسلامية المصدر الوحيد للدستور، وسيكون الإسلام الدين الرسمى، والعربية اللغة الرسمية، وسينقى الدستور الحالى من أى نصوص غير إسلامية». ورأى الرئيس أن انفصال الجنوب «لن يكون نهاية الدنيا»، وقلل من المخاوف من فقدان النفط قائلا: إن «السودانيين كانوا يعيشون بخير قبل استخراج النفط، والآن هناك مصادر أخرى مثل الذهب ظهرت ويمكن أن تكون بديلا لنفط الجنوب» مشيرا إلى أن «نفط الشمال واعد وبكميات أكثر من الجنوب، وأطول عمرا». وكان شريكا الحكم الحاليان فى السودان قد أقرا بعد توقيع اتفاق السلام فى 2005 دستورا انتقاليا ينتهى العمل به فى يوليو 2011 يستند إلى الشريعة الإسلامية فى الشمال، ويعترف بالتنوع العرقى والثقافى والدينى للسودان، كما يجعل الإنجليزية لغة رسمية إلى جانب العربية.
لكن من رأى وسمع ليس كمن قرأ، فقد تابعت المقتطفات السابقة على شاشة إحدى الفضائيات العربية، وكان البشير يقاطع من الجماهير المحتشدة بالتكبير: «الله أكبر». ولم أفهم بالضبط ما هى دلالات التكبير فى هذا السياق. كان من الواضح أن الجماهير تستحسن مواقف رئيسها بشدة، وخطر لى أن التكبير يستخدم كثيرا من المظلوم فى مواجهة الظالم، وأنه ربما كان هناك ما يستدعى أن يستخدم التكبير طلبا لإنزال العقاب بمن أوصلوا السودان إلى هذه الحالة لأن فقد الوطن لا يعوض بثمن. تأملت كثيرا فى كل ما سبق وقفز إلى ذهنى عدد من التساؤلات.
خطر لى بداية أنه لو كان الإسلام قيمة عليا حقا وصدقا، فكيف يتوقف تطبيق الشريعة على «وحدة الوطن»؟ بعبارة أخرى هل كانت القيادة السودانية تفرط فى تطبيق الشريعة سعيا إلى الحفاظ على وحدة السودان؟ وهل يعنى كلام البشير أنه سيضع قيودا على تطبيق الشريعة الإسلامية لو اختار الجنوب الوحدة؟ باختصار لم أفهم الربط بين الأمرين (الإسلام والوحدة الوطنية) إلا بمعنى واحد هو محاولة تبرير أكبر إخفاق يمكن أن تصادفه دولة (وهو الفشل فى الحفاظ على كيانها المجتمعى والسياسى والجغرافى) بأن هذا الإخفاق سوف يعنى المضى قدما فى تطبيق شريعة الإسلام.
تداعى إلى ذهنى بعد ذلك سؤال آخر يرتبط بما سبق: ألم يتم «تديين» الحرب ضد الجنوب لسنوات طويلة من قبل النظام السودانى الحالى قبل أن تتبين استحالة تحقيق نصر عسكرى فى تلك الحرب؟ لقد رأيت بعينى فى الخرطوم فى زيارة للسودان فى منتصف تسعينيات القرن الماضى مئات من الشباب السودانيين وهم يحشدون فى سيارات نقل فهمت أنها تذهب بهم إلى معسكرات الإعداد للقتال.
كان أولئك الشباب يهتفون «خيبر خيبر يا يهود.. جيش محمد سوف يعود». ولم أفهم آنذاك علاقة اليهود بالموضوع اللهم إلا إذا كان الأمر يتضمن إشارة إلى دور إسرائيل فى الحركة الانفصالية، وهو دور مؤكد، لكن ترديد هذا الهتاف بالذات فى ذلك السياق كان يعد من قبيل تبسيط الأمور. غير أن المهم هو السؤال: كيف تدار الحرب ضد الانفصاليين تحت شعارات إسلامية فإن أخفقنا فى كسر شوكتهم قلنا إن الإسلام هو الذى سينتصر؟ وليس هذا صحيحا لأن الإسلام قد انتشر أساسا بالحكمة والموعظة الحسنة والمساواة بين بنى البشر، ولذلك فإن الإخفاق فى الحفاظ على وحدة السودان إخفاق لكل من يدعى أنه يعمل وفق شريعة الإسلام. وهل كانت الحرب ضد الانفصاليين إذن لعقود طويلة من تاريخ السودان وسنوات طويلة فى ظل النظام الحالى حربا ضد الشريعة الإسلامية مادام أن الانفصال هو الذى سيطلق يدنا فى تطبيقها؟ ولماذا إذا كان الأمر كذلك رقص البشير فى الجنوب طويلا وهو يرتدى جلد النمر ويزين رأسه بالريش الملون ويمسك فى يده بالحربة التقليدية؟ أكان هذا الرقص الذى أتى ضمن المحاولات المتأخرة للحفاظ على وحدة السودان ضد تطبيق الشريعة الإسلامية على أصولها؟
تداعت إلى الذهن بعد ذلك أسئلة أخرى: هل يصل الأمر بالسودانيين فى اهتمامهم بوحدة وطنهم إلى القول بأن مستوى معيشة أهل الشمال لن يتأثر بانفصال الجنوب؟ ذلك أن نفط الجنوب سوف يعوضه «ذهب» الشمال ونفطه الأكبر كمية والأطول عمرا. ولو كان الأمر كذلك فلماذا كانت الحرب طالما أن الانتماء الوطنى هو لقمة العيش، وهذه الأخيرة لن تتأثر بالانفصال؟ ولو كان الأمر كذلك أيضا لتخلى فلسطينيو 1948 الذين يتمتع معظمهم بمستوى معيشى أفضل من معظم أقرانهم العرب عن حقوقهم الوطنية، وربما تخلى الكثيرون من فلسطينيى الضفة الغربية أيضا عن هذه الحقوق مادام أن مستوى معيشتهم شهد تحسنا فى السنوات الأخيرة. أم أن الأمر كله يعود إلى «حالة النصر الدائم» التى تعيشها النظم العربية جميع، فلا أحد مستعدا للاعتراف بقصور هنا أو خطأ هناك، فإن هزمت عسكريا قيل إن الإرادة السياسية باقية، وإن خشيت تزايد وزن قوى معارضة للنظام تم التلاعب بالديكور الديمقراطى القائم بحيث تبقى المعارضة بعيدة عن الخطوط الحمراء، ويصبح الزهو بالإنجازات الخارقة هو حديث الساعة، وإن سقطت اقتصاديا نُسب ذلك على الفور إلى المتغيرات الاقتصادية العالمية دون تبصر فى أن درجة التأثر بهذه المتغيرات تختلف من بلد لآخر وفق مناعته الذاتية.
لا أخفى أن قلقا هائلا قد انتابنى بعد ذلك كله على مستقبل السودان، فالانفصال يبدو لدى الجميع واقعا لا محالة، والجنوب مهدد بعد الانفصال بعدم استقرار ناجم عن انفراد الحركة الشعبية بتوقيع اتفاقية السلام فى 2005 دون نظر إلى شركائها الأقل وزنا فى الجنوب، وقد يفضى عدم الاستقرار هذا إلى صراعات داخلية ونظام شمولى. أما فى الشمال فالأمور جاهزة وواضحة، ففى الخطاب نفسه الذى نقلت عنه تلك المقتطفات انتقد الرئيس السودانى إعلان الشرطة والقضاء التحقيق فى واقعة جلد فتاة سودانية بطريقة قاسية للغاية، وقال «فى هذه الأيام البعض يتحدث عن الفتاة التى جلدت وفق حدود الله، والذين يقولون إنهم خجلوا من هذا عليهم أن يغتسلوا ويصلوا ركعتين ويعودوا للإسلام»، ورأى أن «الحدود فى الشريعة الإسلامية تأمر بالجلد والقطع والقتل»، وعقب على الأمر القضائى بالتحقيق فى الواقعة بقوله «فى ماذا سيحققون؟» علما بأن الجدل هنا ليس حول تطبيق الشريعة وإنما حول صاحب الحق فى الحكم على الفتاة أى فتاة بأن ملابسها «خليعة»، خاصة وأن الفتاة التى تم جلدها ترتدى الزى السودانى التقليدى الذى ترتديه السودانيات عبر العقود.
لا أدرى لماذا قفزت إلى ذهنى فى هذه الظروف القصة المأثورة عن المرأتين اللتين تنازعتا أمومة طفل، ولم يجد القاضى سوى أن يلجأ إلى حيلة أخيرة إزاء قوة منطق كل منهما، وهى الحكم بتقسيم الطفل إلى نصفين تأخذ كل منهما نصفا، فسارعت الأم الحقيقية إلى التنازل عن دعواها، فحكم القاضى لصالحها. ومشكلة السودان أنه يبدو فى الظروف الحالية يتيم الأم والأب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.