قبل يومين انطلقت فاعليات مهرجان الدكتور عبدالسلام العجيلى للرواية العربية، جاعلا من «محظورات الكتابة الروائية العربية» القضية الرئيسية لأعماله، فحسب القائمين على ذلك المهرجان السورى المعروف فإن اختراق محظورات البنية الاجتماعيّة الثقافيّة العربيّة أو المساس بها يعد جزءا مهما من نظريّة الأدب، تعود بتلك النظريّة إلى الأسئلة الأولى، التى تعنى بوظيفة الأدب، وبالدور التاريخى له، وتم اختيار الرواية اليوم باعتبارها المجال الأوسع والأنصع لممارسة رغبات المبدع فى تعرية الزيف الكامن فى مجتمعه، والذى يشكّل المسوّغ الرئيس لاختراق المحظور، كما يرى أصحاب هذا الاتجاه. المهرجان دعا عددا كبيرا من الأدباء والنقاد العرب منهم المغربى أحمد المدينى والسعودى عبده خال، الحائز البوكر فى موسمها الماضى، والتونسيان الحبيب السالمى وحسونة المصباحى، والأردنى إبراهيم ناجى والعراقى على بدر، ومن مصر الروائى محمد صلاح العزب، والروائية هالة البدرى، فيما اعتذر الكاتب شعبان يوسف عن الحضور، وكذلك الدكتورة شيرين أبوالنجا، التى اعتذرت لظروف تتعلق بتوقيت المهرجان فيما عبرت فى حديثها ل«الشروق» عن إعجابها الشديد بالقضية، التى يطرحها مهرجان العجيلى هذا العام. المهرجان الذى دشّن دورته السادسة قام بطرح أسئلة حول المحظورات الثلاثية المتعلقة بالدينى، والاجتماعى، والسياسى، ونسبيتها، لاسيما أن الكتابة الإبداعية فى الوطن العربى، والروائية بخاصة، تعانى من تضييق آفاق الحريّات، ولعل الأمر رهن بإرادات خارجة عن الحقل الأدبى، مثلما هو رهن برؤية كل من المبدع، والنص، والناقد للعلاقة بين الحرية والإبداع، ففى حين يرى البعض أن الحرية لا سقف لها، يرى آخرون أنها تتوقف عند حد احترام معتقدات الآخر، وتاريخه، وممارساته الخاصة. واعتبر القائمون على المهرجان أن سطوة المحظورات ليست واحدة فى المجتمعات العربيّة، وذلك وفاقا للتكوين الثقافى التاريخى لتلك المجتمعات، علاوة على مفاهيم وممارسات أملتها القوى الاستعمارية، وما تبعها من مسارات مختلفة لحركات التحرر الوطنية، لذا تضيق دائرة المحظور فى بعض المجتمعات العربية، وتتسع فى مجتمعات أخرى لتشمل كل ما يتعلّق بالأعراف شديدة الخصوصية، كما تطرقت المناقشات إلى المحظورات المحيطة بكتابة المرأة، التى تختلف فى درجتها، وتصنيف أولوياتها عن مثيلاتها فى كتابة الرجل، ولعل أحد الأسئلة المركزية الأخرى لهذا المهرجان يتركّز حول مدى الفنية، التى تحققها النصوص التى قاربت «التابوه» أو اخترقته، وإذا ما كان هذا الاختراق يشكل كيفية القول الفضلى، أو أنه الطريق الأسهل لإثارة دهشة المتلقى العربى الذى يُقدم على أنه سليل لثقافة القمع والكبت والإرهاب. طرحت هذه الأفكار خلال المهرجان، الذى سينهى أعماله غدا، من خلال عدة محاور، المحور الأول كان عن «المحظور اللغوى»، الذى يناقش قدرة اللغة الروائية على منح العلاقات اليومية، والأفكار العادية، التى تدخلها فى نطاق المحظور، أما المحور الثانى فكان يتعلق بالمحظورات الثابتة، والمحظورات المتغيرة فى الكتابة الروائيّة العربية، التى تجعل معايير مصادرة بعض الأعمال تختلف فى بلد عربى ما، عما هى عليه فى بلد عربى آخر، كما يمنع العمل فى البلد ذاته فى مرحلة، ويفرج عنه ويروج فى مرحلة أخرى، ويتحكم فى ذلك جنس المبدع إذا ما كان رجلا أو امرأة، مما يدل على أن المحظورات غير الثوابت، أما المحور الثالث فيتعلق بالتقنيات الروائية فى مقاربة المحظورات، ويناقش الأدوات الفنية، التى يتم بها تناول المحظورات، التى تتدرج من المقاربة، إلى المواجهة السافرة، إذ طرح المبدعون علاقتهم بكل من الجسد والدين والسياسة، عبر بنى فنية موازية من مثل التراث أو عالم الحيوان أو البنى العجائبيّة. المحور الرابع يتعلق باختراق المحظورات وسياقات النزوع إلى العالمية، لاسيما أنه مرت على الساحة الروائية العربية بعض التجارب، التى تم فيها كشف بعض ثوابت البنية الثقافيّة الاجتماعية العربية، والتنديد بها، بهدف الوصول إلى العالميّة، إذ اعترت أمريكا وأوروبا رغبة عارمة فى كشف سر ذلك العالم الغامض الذى يصدر الإرهاب من وجهة نظرهم، وبناء على ذلك انطلقت موجة فى الكتابة الروائية استعارت أصابع الآخرين لتكتب عما هو محظور فى أعرافهم، وأنتجت نصوصا منها المتكلف ومنها المتفوق فى فنيته، لكنها عموما بقيت إشكالية. يعد عبدالسلام العجيلى أحد أشهر أدباء سوريا، من أهم أعماله الليالى والنجوم (شعر 1951)، باسمة بين الدموع (رواية 1958)، الحب والنفس (قصص 1959)، فارس مدينة القنطرة (قصص 1971)، أزاهير تشرين المدماة (قصص 1974)، ترجمت معظم أعماله إلى اللغات الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والإسبانية والروسية، ويذكر أن المهرجان يقام للسنة السادسة تكريما لذكرى الروائى الراحل، باعتباره أحد أهم رواد القصة القصيرة والرواية فى سوريا، علاوة على توليه عدة مناصب وزارية فى وزارة الثقافة ووزارة الخارجية والإعلام