جاء فى مذكرة للمخابرات الأمريكية قبل عام من الثورة الإيرانية، أن شاه إيران سيستمر فى الحكم لمدة عشر سنوات، أو فى حدود ما تسمح به حالته الصحية. وقد كانت نقطة البداية الحقيقية فى انهيار نظام الشاه، حينما اعتقد الرجل بوضوح أن نظامه لن ينهار قط. ولكن التحدى الأكبر الذى واجهه كان فى أكتوبر 1977 حينما خرج بضع مئات (لم يكملوا حتى الألف) فى مظاهرة بدأت بجنازة ابن الخومينى. وخلال عام واحد، وفى ديسمبر من عام 1978 كان نحو 10 بالمائة من السكان (6 ملايين نسمة) فى حالة إضراب تام، بعد أن شهدت البلاد نحو 450 إضرابا جزئيا. ثم خرج هؤلاء فى مظاهرة عارمة قاصدة القصر الملكى فى 16 يناير 1979. وبالعودة لآخر عشر سنوات فى تاريخ الرجل، يتبين كيف استفحلت الدولة البوليسية فى عهده، وانسد أفق التغيير، وأصبح المعارضون خارج الأطر الشرعية للتعبير السياسى، فضلا عن ارتفاع حاد فى الأسعار مع معدلات بطالة غير مسبوقة. وبعد ذلك بنحو عشر سنوات، شهدت رومانيا ثورة ضد تشاوشيسكو يرجعها المحللون إلى أسباب مشابهة، وعلى رأسها الدور الذى كان يلعبه البوليس السرى فى تصفية المعارضين والرقابة على أجهزة الإعلام والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية، وما زاد الأمور سوءا كانت سياسات التقشف التى تبناها تشاوشيسكو بما أفضى إلى زيادة هائلة فى أعداد المشردين، وشوهدت زيادة كبيرة فى معدلات الجريمة، وعجز واضح لمؤسسات الدولة الرسمية عن الاستجابة لمطالب المواطنين. وكانت بداية النهاية فى مدينة تيميسورا فى غرب رومانيا فى 16 ديسمبر 1989. ولم يكن لدى رومانيا «بوليس شغب» اعتقادا من تشاوشيسكو أن الشعب الرومانى كان يحبه، وبالتالى فلا داعى لوجود مثل هذا النوع من البوليس، لذا اعتمد النظام على وحدة من الجيش لقمع المحتجين، وكانت وحشيتها استثنائية. وبعد أيام قلائل، أوحى بعض المقربين من تشاوشيسكو أن الأمور هدأت، وأن عليه أن يخرج ليخاطب الجماهير من مبنى الحزب الحاكم. وفى حضور نحو 100 ألف من المواطنين بدأ يتحدث كالمعتاد عن إنجازات الحزب الشيوعى ومستقبل الاقتصاد الرومانى وخططه الطموح للمستقبل. وكان يصفق له بعض الموجودين فى الصفوف الثلاثة الأولى، ثم فجأة ظهر المعترضون من الصفوف الخلفية يصيحون معترضين بالعشرات، ثم المئات ثم الآلاف ثم حدثت الثورة التى لم ينفع معها قمع البوليس أو الجيش. ومن مأمنه يُؤتَى الحذِر، كما جاء فى الأثر.