فى تقديمهما لكتابهما Spinning Intelligence (غزل المعلومات الاستخباراتية)، يؤكد المؤلفان روبرت دوفر ومايكل جودمان أن العلاقة بين وكالات الاستخبارات والإعلام «مرنة» و«متناقضة» و«داعمة أحيانا». وهو ما يشكل مضمون المقالات الاثنتى عشرة التى جمعاها من خبراء فى الحكومة والصحافة والجامعات. وفى حين أن بعض هذه المقالات أكثر تبصرا وأغنى بالمعلومات من غيرها، فهى جميعا تعكس علاقة معقدة ومتطورة، ويتغللها التوتر فى أغلب الأحيان. ولدى بعض المراقبين انطباع بأن الصحفيين الذين يتعاملون مع الحكومة هم دائما على خصام واختلاف معها. لكن كتاب Spinning Intelligence يقدم لهؤلاء الدليل على عكس ذلك. يضم الكتاب مقالا للصحفى البريطانى تشابمان بينشر الذى يعكس، بفضل سنواته التسعين، عمرا مديدا فى تغطية شئون الاستخبارات والأمن القومى. يقول بينشر إن تلقيه ونشره لسيل مطرد من المعلومات السرية على مدى السنوات عجَّل «بأكثر أشكال الإطراء المهنى التى تلقاها فى حياته، وهو تشبيهه بأنه «مبولة عامة يصطف أمامها الوزراء والمسئولون ليقضوا حاجتهم». ويشير بينشر تحديدا إلى قصة غلاف ملفقة، كتبها بالتعاون مع الحكومة البريطانية بخصوص اختبارات أول قنبلة هيدروجينية بريطانية. ويورد بينشر فى قصته أن اليابانيين، القلقين من تأثير الأنشطة الإشعاعية عليهم، كانوا يخططون لإفشال التجارب بإرسال الآلاف من السفن الصغيرة إلى المنطقة. وإذا ما نجحوا فى إلغاء الاختبارات، فسيكون ذلك سببا فى تقويض مجمل السياسة الدفاعية البريطانية، حسبما قيل لبينشر. طلب مسئولون بريطانيون من بينشر مساعدتهم فى محاولة للتمويه على اليابانيين بعملية خداع، واستجاب للطلب. وكتب يقول إن الاختبارات، المقرر إجراؤها فى شهر مايو، اتفق على تأجيلها لمدة شهر «بسبب مشاكل فنية فى القنبلة». ونشرت الديلى إكسبرس قصة الغلاف التى كتبها وأعاد نشرها عددا آخر من الصحف، لكن الاختبارات تمت فى مايو من عام 1957 كما كان مقررا لها، دون أن يقترب أسطول الاحتجاج من مالدن. وفى تلك الواقعة، تعاون بينشر مع الحكومة، بنشره شيئا يعرف أنه يخالف الحقيقة. ومن الواضح أنه كان زمنا مختلفا، وطريقة تفكير مختلفة. وليس مقال بينشر الوحيد الذى يكشف التعاون بين الحكومة والإعلام. فهناك مقال بعنوان «لقطة لزواج سعيد»، يفصل جودمان العلاقة الطويلة القائمة على تبادل المنفعة بين الاستخبارات البريطانية وهيئة الإذاعة البريطانية BBC. وأيضا مقال ديفيد أوماند، أكثر المقالات تبصرا فى الكتاب. ديفيد أوماند هو المدير السابق لقيادة اتصالات الحكومة وأول منسق للأمن والاستخبارات البريطانية. يشير أوماند فى المقال إلى أن الصحفيين و»الجواسيس» يشتركان فى الكثير من السمات، فكلاهما يسعى إلى كشف المستور، وكلاهما يعمل فى ظل مواعيد نهائية مُحكمة، ولكل منهما مصادره التى يجتهد فى حمايتها. ويبدى أوماند، الذى يتحلى بنظرة براجماتية للإعلام والأمن القومي، ملاحظة نجد انعكاسا لها فى عدد من المقالات الأخرى الواردة بالكتاب. وعندما نتناول المفهوم العام للاستخبارات والأمن، فنحن نتناول «واقعا سحريا» و«بنية نفسية»، وليس تصويرا دقيقا للعالم الحقيقى. وهذا «الواقع السحرى»، كما يرى، هو ما يبيع الصحف وتذاكر السينما. وهكذا، فإنه حتى إذا كان الصحفيون جادين وأكفاء، فمن الصعوبة الكتابة عن الموضوع بعيدا عن ذلك المفهوم. والصحفيون، كما يقول أوماند، يلعبون على هذه الفكرة، لأن اقتصاديات الصحافة قاسية، والمنافسة «شرسة»، و«على الناس أن يبنوا حياتهم». وبرغم بعض السخرية التى تبدو فى وجهة نظر أوماند، فقد تصادف أنه على صواب. ومن المقالات الرائعة فى الكتاب مقال روبرت دوفر، «من تقاطع فوكسهول مع حبى»، الذى يستعرض فيه كيف أن للبرنامج التليفزيونى الأمريكى 24 والدراما التلفزيونية البريطانية Spooks وغيرها من البرامج «أثر عالمى حقيقى» من حيث مساعدتها فى «تهيئة الرأى العام» للتفكير فى الاستخبارات، والعنف الذى تقره الدولة، ومكافحة الإرهاب. وبعيدا عن كونها «منحازة للاستخبارات»، فإن هذه البرامج «تساعد على تصوير الواقع الذى تعمل فى إطاره»، كما يقول دوفر. ويقول أيضا إن هناك مجموعة واحدة واضحة من الرسائل لتلك البرامج وغيرها تتمثل فى الإحساس بالتهديد الشامل بأنه فى أية لحظة يمكن أن «تركع الولاياتالمتحدة أو المملكة المتحدة على ركبتيها بسبب أعمال الإرهاب الوحشية». وهو لا يستغرب اعتقاد الغالبية العظمى من الغربيين، فى أحد الاستطلاعات، بأن الإرهابيين يسعون إلى «القضاء على أسلوب حياتنا» وأننا نخوض صراع حياة أو موت. لقد حقق دوفر وجودمان فى Spinning Intelligence الهدف الذى حدداه للكتاب من البداية. وبالنسبة للسؤال الذى طرحاه فى الخاتمة: هل الجواسيس والصحفيون مختلفون بحق؟ يتوصل دوفر وجودمان إلى أنهم جميعا يسعون للوصول إلى المعرفة، وزيادة الفهم، وتوصيل المعارف إلى مستهلكيهم بصورة أفضل. لكن المحرريْن يحددان فرقا أساسيا، وهو على أى نحو تكون نتائج الوقوع فى خطأ. فالصحفى يمكن أن يقدم اعتذارا (وهو أمر نادر للغاية) أو تصحيحا، لكن الجاسوس فى المقابل «يحمل عبئا أثقل على كاهله». وكان هذا صحيحا فيما سبق، ويظل صحيحا فى «عصر المعلومات».