إعلان الوفد وجماعة الإخوان الانسحاب من جولة الإعادة بانتخابات مجلس الشعب لا تكفى لحفظ ماء وجهيهما.. فهما الكتلتان الرئيسيتان اللتان استخدمتا لتمرير المهزلة «حسب وصف القاضى الجليل الشافعى للعملية الانتخابية»، ومن ثم فإن المقاطعة بعد فوات الأوان لا تغنى ولا تسمن من جوع، وكأنها لم تكن لأنها أشبه بأداء صلاة الجمعة فى العاشرة مساء. الثابت أن الوفد الإخوان تكفلا مبكرا للغاية بنسف فكرة مقاطعة الانتخابات من جذورها، فى وقت كانت فيه الجماعة الوطنية على وشك التوافق على مقاطعتها، فى ظل ما توفر من مقدمات فاسدة كانت حتما ستقود إلى نتائج خاطئة، بل إن دخول هذين الفصيلين الكبيرين اللعبة وضع الجميع فى مأزق حقيقى، حيث أسسا قرار المشاركة على مقولات ضخمة ورنانة عن الإيجابية المطلوبة، وفريضة خوض الصراع لكشف عواره من داخل التجربة.. وعليه استغل المعسكر الآخر الفرصة لكيل الاتهامات لجماعة المقاطعة والداعين لها والعاملين عليها بالسلبية والتخاذل والتخلف عن واجب وطنى. وفى المحصلة قرر الإخوان والوفد جر قاطرة المشاركة فتبعهما كثيرون، ربما بدافع الغواية، وغالبا تحت إرهاب الاتهامات بإفساد العرس والمصادرة على المستقبل، والتسرع بالحكم بالإدانة على أحداث لم تحدث بعد. باختصار قرر كلاهما التنازل عن المنطق واختارا الفيزياء، بمعنى أنهما رفضا الاعتراف بأن النار تكوى من يمسكها، وتمسكا بضرورة ممارسة التجربة عمليا، أى كبش الجمار المتوهجة بالأصابع، وصولا إلى إثبات حقيقة أنها تكوى وتحرق وتلسع. وبعد التألم الشديد من شدة اللسع هاهما الآن يعلنان المقاطعة بعد أن أوشكت النار على الانطفاء، ولم يبق منها إلا الرماد الساخن. لكن الحاصل أنها ليست مقاطعة قائمة على أسس استراتيجية ومبدئية، بل تأتى تحت وطأة الإحساس بأن ما حصلا عليه أقل بمراحل من الثمن الذى دفعاه، وهى أيضا تأتى فى ظل مجموعة من المعطيات والأرقام التى لابد أن توضع فى الحسبان، فالوفد حصل على مقعدين يتيمين فى الجولة الأولى، وكان مقررا أن يخوض الإعادة بأحد عشر مرشحا، وبفرض فوزهم جميعا تكون المحصلة النهائية 13 مقعدا.. والإخوان خرجوا صفر كبير. لقد تصور الوفد أنه وريث الإخوان فى البرلمان المقبل.. وتوهم الإخوان أنهم يمكن التهام الوفد مستغلين وعد الحكومة له بأن الانتخابات ستكون نظيفة، غير أن الوطنى قرر أن يلتهم الجميع. هذا جزاء من يعتقد أنه بالإمكان مصادقة الذئب.