الشقة الصغيرة تتسع لعشرات الأطفال الراغبين فى تعلم الموسيقى والرسم والتصوير الفوتوغرافى والزخرفة والتمثيل وغيرها، وتستقبل 4 آلاف طفل تقريبا على مدار العام، هنا فى منطقة مساكن الزلزال بالمقطم. هذا هو ما تقدمه جمعية «ألوان وأوتار» لأطفال وشباب المنطقة، فى صورة حصة تربية فنية وموسيقية تمتد طوال اليوم، دون قلق من مدرس يستولى على وقت حصة الأنشطة لصالح مادة التربية الاجتماعية أو العلوم. «فى حصة الأنشطة، المدرسون بيدونا كورة ويسيبونا»، تقولها منة الله نصر، 13 سنة، وهى تقوم بتشكيل قطع من الصلصال والسيراميك. «لكن هنا بنتعلم فن وأنشطة أحسن كتير من المدرسة،» تضيف منة الله وهى تنتهى من تشكيل باقة ورد تهديها إلى عزة كمال، المدير التنفيذى لجمعية ألوان وأوتار. تعمل عزة فى العمل التطوعى بمنطقة المقطم منذ 10 سنوات فى جمعية «فاتحة خير» الخيرية، إلى أن بدأت فى تأسيس ألوان وأوتار فى أواخر 2005. «وجودى فى المنطقة لفترة طويلة ساعدنى على تقبل أهلها للنشاط الجديد»، كما تقول عزة التى تؤكد أن إقناع المجتمعات محدودة الدخل بانضمام أطفالهم لأنشطة فنية وترفيهية أمر شديد الصعوبة، حيث ينظر الكثير من الأهالى إلى هذه الأنشطة كمضيعة لوقت المذاكرة. «دلوقتى مدرسين المدارس القريبة بيطلبوا من الطلبة الانضمام للجمعية»، فعزة تؤكد أن الأهالى والمدرسين قد لاحظوا تطورا كبيرا فى شخصيات الأطفال المشاركين بالجمعية. «لكن الهدف ليس إخراج موسيقيين أو فنانين محترفين» كما تقول هالة منتصر، مديرة الجمعية. الهدف الرئيسى للجمعية هو التنمية من خلال الفن كأحد أساليب «التعليم غير الرسمى» الذى يهدف للارتقاء بمشاعر وشخصية الأطفال فى بيئة أكثر مرونة من صرامة الفصل المدرسى. «التعليم مش موجود فى الكتب بس»، تقولها هالة، «احتكاك الطفل بناس من بيئات مختلفة وشعورهم بجمال الفن القادرين على صنعه بيستفز مشاعرهم إنهم يكونوا أرقى وأفضل». «اقعدوا ساكتين وما حدش يتكلم مع اللى جنبه»، هى أحد أشهر العبارات التى تسمعها منة فى المدرسة، وتنساها هنا. تقول منة إنها تأتى إلى ألوان وأوتار بعد الانتهاء من اليوم الدراسى، إلا أنها تنتظر الأجازة بلهفة، حيث تستطيع أن تقضى أغلب أوقاتها فى تعلم الموسيقى والتشكيل الفنى. «نظام المدرسة فردى ولا يشجع على الاختلاط ولا يزرع الثقة فى نفوس الأطفال»، تقولها عزة، شارحة أن مساحة الحرية التى تتيحها الجمعية للأطفال لاختيار ما يحبونه هو أحد الأسباب الرئيسية فى انجذابهم إليها. «فى الأول كان فيه أطفال مش عارفين يختاروا النشاط المناسب ليهم»، تقول عزة، «لأن نظام المدرسة لم يعودهم أبدا على الاختيار». مع الوقت والتجربة، أصبح الأطفال أكثر قدرة على التفضيل بين الأنشطة المختلفة. ليس هذا هو الاختلاف الوحيد الذى يجعل الأطفال أكثر انجذابا للتعليم الموازى للتعليم الرسمى. نظرة على دروس التصوير الفوتوغرافى التى تقدمها الجمعية كافية لبيان الهوة الواسعة بين تعليم يقوم على التجربة والتفاعل، وآخر يقوم على الحفظ والتلقين. أحد حوائط الجمعية مغطى بصور فوتوغرافيا بدائية التقطها الأطفال بكاميرا صنعوها بأيديهم، وفهموا من خلالها أساسيات عمل العدسات والضوء والغالق والنيجاتيف. تقول عزة «الطريقة دى بتعلمهم يعنى إيه تحليل وتفكير، وبعكس المعلومات الصماء فى كتب الوزارة وكتابات السبورة، «فالمعلومات بالطريقة دى مش بتتنسى أبدا.»