عندما ظهرت صورة النائب والوزير الراحل كمال الشاذلى فى الصحف قبل نحو أسبوعين تصور كثيرون وأنا منهم أن الصورة نشرت على سبيل الخطأ، بل ربما تحسر البعض على انحدار مستوى محررى الديسك إلى الحد الذى يجعلهم لا يميزون صورة أقدم نواب البرلمان المصرى عبر ثلاثة عصور بدأت بالزعيم جمال عبدالناصر وحتى زمن جمال مبارك وأحمد عز. غير أن الصورة بالفعل كانت للسيد كمال الشاذلى، حيث دوَّن الزمن كلمته على تجاعيد وجهه وترك بصمته على بنيته الجسدية إذ بدا وكأنه شبح كمال الشاذلى. ويمكنك أن تختلف سياسيا وفكريا مع كمال الشاذلى إلى آخر نقطة فى مساحة الاختلاف وتستطيع أن ترفض اختياراته السياسية والحزبية لآخر مدى، غير أنك لا يمكن أن تنكر أنه كان يقدم أداء برلمانيا جيدا، خصوصا إذا ما قارنت بينه وبين ألتراس الحزب الوطنى الذين سيطروا على مقاليد الحياة البرلمانية فحولوا البرلمان إلى مدرج درجة ثالثة يعج بكل أنواع الانفلات السياسى والابتذال الحزبى والتشنج البرلمانى، إلى درجة أنهم دخلوا فى ملاسنات ووصلات تهريج وسباب دفعت منصة مجلس الشعب ممثلة فى رئيسه فتحى سرور للخروج عن هدوئه أكثر من مرة. مرة أخرى أكرر لم أكن يوما من المعجبين ولا الموافقين على السياسات التى كان يعبر عنها كمال الشاذلى، لكن إحقاقا للحق كان مجلس الشعب أكثر احتراما ووقارا على مستوى الأداء عندما كان كمال الشاذلى أمينا للتنظيم فى الحزب الوطنى وزعيما لأغلبيته، حيث كانت العلاقة بين ثلاثى التركيبة البرلمانية المنصة والأغلبية والمعارضة تمضى على نحو أكثر احتراما، فلم تتطاير أحذية أو كلمات نابية تحت القبة، ولم نشاهد مباريات فى المصارعة الحرة والملاكمة، إذ كان الشاذلى قادرا على لجم انفلات نواب الأغلبية بنظرة، وامتصاص غضب المعارضة بكلمة. ولعلك تتساءل الآن: لماذا أصروا على ترشيح كمال الشاذلى مرة أخرى وهم يعلمون جيدا أن ظروفه الصحية لا تسمح بخوض المعركة؟ أظن وقليل من الظن فضيلة أحيانا أن الشاذلى اختير رغم أنفه، ذلك أن دائرة الباجور مسجلة باسم الحزب الوطنى ممثلا فى كمال الشاذلى كعلامة انتخابية مضمونة طوال أكثر من أربعين عاما، وعليه لم يكن مسموحا لا للشاذلى أو لأى طرف آخر أن يفكر فى الاستحواذ على مقعد الفئات فى هذه الدائرة. غير أن القدر دائما أقوى وأكبر من تدبير المدبرين. اللهم ارحم كمال الشاذلى وارحمنا من جموح الألتراس.