تجرى وزارة الدفاع البريطانية تحقيقا سريا مع ضابط فى الجيش باع الكمبيوتر المحمول الخاص به على موقع إليكترونى للمزادات، دون محو عشرات الملفات التى تكشف معلومات سرية بشأن الحرب فى أفغانستان، وتوضح بعض جوانب الفساد المستشرى فى صفوف قوات الأمن الأفغانية. وقالت مصادر بريطانية إن الضابط، وهو برتبة كابتن (نقيب)، ويدعى روبرت سجدين، كان يحتفظ على الجهاز «بملفات سرية وصور تكشف عن تفاصيل حساسة خاصة بعمليات الجيش البريطانى وكذلك قوات الأمن الأفغانية». وعرض «سجدين» الجهاز للبيع على موقع «إى باى» للمزادات على الإنترنت، حيث اشتراه خبير فى المعلوماتية بمبلغ لا يتجاوز 20 جنيها استرلينيا، قبل أن يكتشف أن القرص الصلب للكمبيوتر يتضمن معلومات «كان من الممكن أن تعرض الجنود البريطانيين فى أفغانستان للخطر إذا ما وقعت فى يد عناصر حركة طالبان». المشترى سارع بتسليم الجهاز لوزارة الدفاع، التى فتحت تحقيقا رفيع المستوى فى الواقعة التى تتضمن العديد من الملفات السرية الخاصة بحلف شمال الأطلسى (الناتو)، بجانب ملفات أخرى خاصة بالجيش البريطانى. الملفات، التى لم تكن محمية بكلمة سر، تضمنت معلومات عن أعداد القوات البريطانية فى أفغانستان، وتفاصيل خاصة بالدوريات التى تقوم بها، إلى جانب قوائم متعلقة بمخزوناتها من الذخيرة، وصور «من مختلف الزوايا» لبعض القادة المحليين فى أجهزة الأمن الأفغانية، إضافة إلى عدد من مواقع قيادة هذه القوات. واكتفى متحدث باسم وزارة الدفاع بتصريح مقتضب بشأن التحقيقات الجارية حاليا قائلا «إن جهاز الكمبيوتر المحمول فى حوزتنا حاليا، ونحن نحقق فى الواقعة»، مشددا على أن الوزارة تتعامل مع مسألة أمن المعلومات «بأقصى درجات الجدية». ورغم التكتم الذى تجرى فى ظله التحقيقات، فقد كُشف النقاب عن أن الملفات كانت تشمل كذلك «مئات الصور والأسماء لمواطنين أفغان ممن تطوعوا للخدمة فى صفوف الجيش والشرطة الأفغانيين»، بجانب نسخة من «الكتيب العملياتى» الخاص بالشرطة الأفغانية، الذى يتضمن أدق التفاصيل الميدانية الخاصة بعمليات مواجهة المسلحين. وبحسب مصادر مقربة من التحقيقات، فمن بين محتويات جهاز سجدين أيضا ملفات تشير إلى أن العديد من عناصر الشرطة الأفغانية «كانوا يخلدون للنوم خلال الخدمة أو يتعاطون الهيروين». فيما تتحدث ملفات أخرى عن ممارسات فساد منتشرة بين قوات الأمن الأفغانية وشخصيات عامة فى أفغانستان قيل إنها «تستولى على الأموال المخصصة لعمليات إعادة الإعمار لتحقيق مكاسب شخصية وترتبط بصلات مع تجار المخدرات». ومن المرجح أن تكون هذه الملفات قد حُفظت على الجهاز خلال فترة خدمة «سجدين» فى أفغانستان، والتى استمرت سبعة أشهر، حيث كان من بين نحو عشرة آلاف عسكرى بريطانى ينتشرون حاليا فى البلد المحتل منذ أكتوبر 2001. وقالت مصادر بريطانية إن الضابط المتهم بالإهمال كان يتمتع بسمعة طيبة للغاية، حيث يتردد أنه التحق بكتيبة الفرسان الملكية عقب عودته من أفغانستان، وهو ما كان يرشحه للترقى بسرعة فى صفوف الجيش. ونقل عن الضابط المتهم قوله إنه كان يظن أنه «محا كل الملفات السرية من على القرص الصلب للجهاز» قبل عرضه للبيع كقطع غيار، بل إنه قال إنه استخدم «مطرقة» لإعطاب القرص الصلب، ولكن ذلك لم يكن كافيا على ما يبدو، حيث وجد المشترى الجهاز لا يزال صالحا للعمل. ووفقا لمصادر عسكرية بريطانية فإن هذه المعلومات كانت ستشكل «هبة من السماء للإرهابيين إذا ما حصلوا عليها، فمعظمها عبارة عن وثائق سرية أو محظور الاطلاع عليها»، معتبرة أن وقوع مثل هذه المعلومات فى يد طالبان «كان كفيلا بتمكينها من شن هجمات مميتة». ومنذ غزو أفغانستان لم تفلح قوات الاحتلال فى ترويض حركة طالبان ولا تنظيم القاعدة الذى يرى قائد القوات المسلحة البريطانية السير ديفيد ريتشاردز أنه يمكن للغرب احتواؤه لا هزيمته. السير ريتشاردز، الذى قاد فى السابق قوات الناتو فى أفغانستان، أضاف فى مقابلة نشرتها أمس صحيفة الصنداى تليجراف البريطانية، أن المتشددين الإسلاميين سيشكلون خطرا على المملكة المتحدة لما لا يقل عن ثلاثين عاما، معتبرا أن تحقيق نصر قاطع على القاعدة أمرا مستحيلا.