تحيرنا بعض تصريحات السيد أحمد أبوالغيط. فمنها لا نكاد نصدق أنها يمكن أن تصدر عن وزير الخارجية. ومنها ما نستغرب صدوره عن وزير خارجية بلد كبير مثل مصر. فلا أحد ينسى مثلا تهديده يوما ما بكسر رجل أى فلسطينى يعبر الحدود المصرية، الذى توقعناه من قيادة أمنية وليس رمزا سياسيا ودبلوماسيا. لكن ما يهمنى فى اللحظة الراهنة هو الصنف الثانى من تصريحاته، التى كانت شديدة الوضوح فى الحوار الذى نشرته له صحيفة الشرق الأوسط يوم السبت الماضى 13/11. إذ أثار انتباهى ودهشتى فى ذلك الحوار كلامه عن القضية الفلسطينية وعن لبنان. فى الموضوع الفلسطينى قال السيد أبوالغيط فى تعليقه على التعنت الإسرائيلى فى المفاوضات إنه يتعين على واشنطن وعلى الرباعية الدولية والأسرة الدولية بشكل عام أن تتخذ من المواقف ما يفرض على إسرائيل أن تعود إلى المنطق «الصواب» إذ لم نجد فى كلامه أية إشارة إلى دور لمصر أو العرب أو لفلسطين. وكأن هؤلاء ليسوا طرفا فى الموضوع. وأن دورهم لا يتجاوز حدود انتظار وترقب ما يصدر عن واشنطون والاتحاد الأوروبى. الذى لا يقل غرابة عن ذلك ما قاله وزير الخارجية عن شكل التسوية النهائية للقضية الفلسطينية، الذى تمثل فيما يلى: إقامة الدولة الفلسطينية خلال عام على خطوط عام 1967، (لم يذكر أنها أرض احتلت فى ذلك العام) الدولة ستقبل بالتفاوض مع الجانب الإسرائيلى على تبادل محدود للغاية للأراضى يجب على الدولة أن تساعد إسرائيل على تحقيق أمنها يجب النظر إلى قضية اللاجئين بواقعية وموضوعية، فى ضوء قرار قمة بيروت عام 2002 (التى دعت إلى حل «عادل» لهم). لم يشر وزير خارجية الشقيقة الكبرى بكلمة إلى القدسالشرقيةالمحتلة. ولا أعرف إن كان ذلك على سبيل السهو أم مجاملة للإسرائيليين. ثم إنه أيد مبدأ تبادل الأرض، الذى يعنى فى حقيقة الأمر أن تحصل إسرائيل على أخصب الأراضى التى تضم خزانات المياه الجوفية فى مقابل الصحارى الجرداء التى تقدم للفلسطينيين. كما أنه قدم تنازلا ضمنيا، ملفوفا عن حق عودة اللاجئين، وفى الوقت ذاته فإنه اعتبر أمن إسرائيل من واجبات الدولة الفلسطينية. أدرى أنه لم يخترع هذا الكلام، ولكنه يستند إلى موافقات مسبقة من السلطة الفلسطينية أو مرجعية قمة بيروت. وإذ فهم ذلك، فإننى أتصور ألا يكون موقف مصر ملتزما بالحد الأدنى ومفرطا فى القدس والأراضى وفى حق العودة. وهى من الثوابت التى تمنينا على وزير خارجية البلد الكبير أن يتبنى موقفا يليق بمكانته ويعبر عن تطلعات الشعب الفلسطينى الذى لا يملك أحد أن يتنازل عن أرضه أو حق لاجئيه فى العودة إلى ديارهم التى أخرجوا منها. وأستشعر حرجا حين أقول تلك المواصفات إذا عبرت عن تطلعات الإسرائيليين وحازت رضاهم، فإنها يقينا لا تعبر عن تطلعات الفلسطينيين.وكان متوقعا من «الشقيقة الكبرى» أن تنحاز إلى تطلعات الأخيرين لا أن تضم صوتها إلى صوت الأولين. فى كلامه عن لبنان اختار السيد أبوالغيط أن يرد على السيد حسن نصرالله وأن يغمز فى قناته. وكان الأمين العام لحزب الله قد تحدث فى خطاب أخير له عن تسييس المحكمة الدولية لقضية مقتل السيد رفيق الحريرى ومحاولات إقحام حزب الله فى العملية من خلال قرار الاتهام (الظنى) المتوقع صدوره. وفى ذلك قال إن اليد التى ستمتد إلى عناصر حزب الله ستقطع. فما كان من السيد أبوالغيط إلا أن قال فى ثنايا حديثه إنه «لا يتصور أحد أنه قادر على قطع الأيدى، فذلك القطع يؤدى إلى الكثير من الخسائر التى تصيب صاحب القطع». مما أعطى انطباعا بأن وزير الخارجية المصرى أراد أن ينتقد السيد حسن نصر الله ويحذره من مغبة كلامه. وهو بذلك وجد نفسه واقفا بغير مبرر فى مربع جماعة 14 آذار، وطرفا فى التراشق الحاد الحاصل بينهم وبين جماعة 8 آذار، فى حين أن الموقف المصرى كان ينبغى أن يستعلى فوق الاصطفاف اللبنانى، لا أن يكون منحازا إلى طرف بعض رموزه سيئة السمعة وليست فوق الشبهة. من المفارقات أنه فى حين تحولت مصر إلى طرف فى المعادلة اللبنانية، فإن الموقف السعودى والسورى بدا أكثر نضجا ومسئولية، حيث وجد البلدان فى كلام السيد نصر الله إشارات إيجابية جرى توظيفها لصالح التخفيف من التأزم السياسى الحاصل فى لبنان، وهو ما أكده تقرير نشرته صحيفة «الحياة» فى اليوم ذاته (13/11). أدرى أن السيد أبوالغيط لا يعبر عن نفسه فحسب ولكنه ينطق بلسان جهات أعلى، الأمر الذى يعنى أننا بصدد مشكلة أكبر من الوزير، وأن الخلل الحقيقى يكمن فى رؤية تلك الجهات، التى احترنا بدورنا فى شأنها بحيث لم نعد نعرف هى مع من وضد من.