نشرت جريدة «الرأى» الكويتية مقالا للكاتبة السعودية نادين البدير، رصدت فيه مظاهر غياب الليبرالية وسيادة ثقافة الانغلاق فى مصر، وتزامن مع مقالها أن نشرت مجلة الشعر، الصادرة عن اتحاد الإذاعة والتليفزيون، قصيدة لكاتب هذه السطور بعنوان «أكثر من فنجان قهوة»، واقتطعت منها مقطعا كاملا، رأى «واحد ما» أن المقطع المحذوف يهدد «الأمن والقيم العامة فى المجتمع»! ليس فى الكلام نكتة!، فالجريدة التى نشرت عن غياب الليبرالية فى مصر «كويتية»، والكاتبة التى كتبت عن سيادة ثقافة الانغلاق فى مصر «كاتبة سعودية»، والتى اجتزأت الشعر واقتطعته مجلة مصرية!. لم يعد مدهشا، أن نسمع عن ديوان شعر مصادر، أو رواية أو دراسة بحثية، يتهم صاحبها فى عقيدته وإيمانه، وذهب مع الريح ما قاله الأقدمون من أن «أعذب الشعر أكذبه»، وبالتالى صار معتادا أن يحاكم الشعراء بالقانون والمنطق الأخلاقى والدينى لا النقد الأدبى ومعاييره أو مقاييس الجمال الأدبى التى تعلى منطق الفن فوق منطق الأخلاق، وتضع قوانين الجمال مقابل قوانين المحاكم. سنذهب جميعا إلى ذمة التاريخ ونكون سطورا فى صفحاته، وأظن، وبعض الظن يقين، أن أوراق هذا التاريخ ستصنفنا سطورا ضمن الذين حاربوا الخيال والفكر، ولا تستثنى منا أحدا، الذين وافقوا على أن تصبح هذه هى العقلية الجمعية التى تحكمنا، وتصبح الرقابة التى يمارسها «واحد ما» هى مصفاة الفن والإبداع، أو ممر الخيال ومعبره الذى نعبر به إلى المستقبل. من أين تبدأ هذه الرقابة؟ وإلى أين تسير بنا؟ وكيف ستنتهى؟ ولماذا تشتد الآن؟ وكيف ينشأ جيل جديد يفكر بحرية؟ ليقدم علاقات جديدة للعالم يدرك معها الجميع أن الإبداع هو ابتكار على غير مثال، وأن «أعذب الشعر أكذبه»، وأفضل الإبداع ما بنى على تربية ناقدة يتعلم الناشئة من خلالها التفكير بحرية والنقد بحرية والتعبير عن هذه الحرية بحرية مماثلة ليتأكد من أن حريته تنتهى عندما تبدأ حرية الآخرين.. وستظل مصر فى خطر إذا لم يتعلم أطفالها ذلك!.