فيما بدت حركة الاحتجاجات فى فرنسا أمس وكأنها فى مراحلها الأخيرة بعد أن أقر البرلمان مساء أمس الأول رفع سن التقاعد من 60 إلى 62 عاما، أعلن اتحاد النقابات العمالية الأوروبية عن موجة جديدة من الاحتجاجات فى القارة منتصف ديسمبر المقبل؛ اعتراضا على خطط التقشف الحكومية. وبالأمس، شهدت السكك الحديدية والمطارات فى فرنسا إضرابا أضر بحركة النقل، احتجاجا على تعديل نظام التقاعد. فقد خفضت الرحلات من وإلى المطارات الفرنسية ما بين 30 و50%؛ جراء إضراب العاملين فى أبراج المراقبة ليوم واحد، كما أن إضرابا مستمرا منذ فترة لعمال السكك الحديدية أدى إلى تقليص الخدمة إلى النصف، لكنه سبب مشكلات أقل للخطوط الفائقة السرعة مقارنة بوقت سابق. وإضافة إلى قطاع النقل الأبرز على مستوى احتجاجات أمس، فإن الإضرابات المشاركة فى الإضراب تشمل قطاعات الخدمات العامة، الطاقة، التعليم، الإعلام، والاتصالات (فرانس تيلكوم والبريد)، وفقا لما ذكرته صحيفة «لوبوان» الفرنسية صباح أمس. وشاركت الوحدات التى ليس لديها عطلة من العاملين بالتعليم العالى، والطلاب فى الإضراب الذى شاركت فيه أيضا شركة «راديو فرانس»، المالكة لمجموعة من المحطات الإذاعية، والتليفزيون الفرنسى، الذى يضم مجموعة الإذاعات والقنوات التليفزيونية المملوكة للدولة، بينما اتفقت الصحف على عدم الاحتجاب عن القراء. ورفض الرئيس الفرنسى نيكولا ساركوزى، الذى تدنت شعبيته بشدة، التراجع عن موقفه عندما شنت النقابات العمالية موجة تلو الأخرى من الإضرابات والتجمعات الحاشدة فى أنحاء البلاد خلال الشهرين المنصرمين بسبب خطة الإصلاح. والأمس كان اليوم السابع من الاحتجاجات التى دعت إليها النقابات، وشارك فيها حتى الآن ملايين الفرنسيين. وهناك يوم ثامن فى السادس من الشهر المقبل وقال رئيس اتحاد القوة العمالية جان كلود إن مشروع إصلاح معاشات التقاعد لم يوقع بعد (من الرئيس)، لكنه أقر بأن حركة الاحتجاجات بدأت تفقد بعضا من زخمها السابق. ومضى قائلا للقناة الثانية بالتليفزيون الفرنسى: «سيترك هذا جروحا غائرة»، وأقر بأن حركة الاحتجاجات بدأت تبدى «تراجعا محدودا». وربما يكون إضرابا آخر منفصلا، مستمرا منذ شهر فى ميناء فو لافيرا قرب مدينة مارسيليا جنوبى البلاد، محور التركيز الرئيسى للحكومة. ويتسبب هذا الإضراب فى نضوب الكثير من المصافى الفرنسية من النفط الخام حتى بعد أن وافق العمال فى عدد منها على استئناف العمل بعد أسابيع من الإضراب. فيما تحسنت أحوال محطات الوقود بعد أن فكت الحكومة الحصار عن مستودعات الوقود وزادت من الواردات. ويردد ساركوزى أن التشريع الهادف لرفع الحد الأدنى لسن التقاعد حيوى للحد من العجز المتزايد فى معاشات التقاعد، وضمان بقاء فرنسا فى مستوى متقدم فى التصنيف الائتمانى، والسماح للبلاد بتسديد ديونها بأقل الأسعار المتاحة فى السوق. ومازال يتعين أن يقر المجلس الدستورى هذا التشريع، وربما تؤدى محاولة فى اللحظة الأخيرة من المعارضة الاشتراكية لعرقلته عدة أيام، لكن ليس من المتوقع أن يرفضه المجلس. وبعدها سيوقعه ساركوزى، ثم ينشر فى الجريدة الرسمية ليصبح سارى المفعول. وبحسب صحيفة «إندبندنت» البريطانية أمس فإن الاحتجاجات، التى ضمت عمالًا وطلاب جامعات وحتى تلاميذ مدارس، لم تحقق مرادها، معتبرة أن ساركوزى انتصر، لكنها تساءلت مستبعدة: هل سيرفع هذا الانتصار من شعبيته؟ وهل سيساعده على الفوز بولاية رئاسية ثانية عام 2012 فى ظل حكومة لم تحقق إلا القليل؟ فيما قال مساعد المتحدث باسم الحزب الحاكم دومينيك باى لصحيفة «لوجورنال دو ديمنش» إن تمرير القانون يحسب لصالح الرئيس ساركوزى، حتى لو اختار الناخبون الرد عليه بمنح أصواتهم لليسار فى الانتخابات الرئاسية المقبلة. وعلى المستوى الأوروبى، أعلن اتحاد نقابات العمال الأوروبية أن موجة إضرابات عامة ومظاهرات ستجتاح أنحاء أوروبا قريبا ضد برامج التقشف الحكومية. وقال الأمين العام للاتحاد جون مونكس إن الحكومات لم تأبه بالاحتجاجات الواسعة للنقابات فى سبتمبر الماضى، معتبرا أن الحكومات أظهرت وهى تسعى لتطبيق إجراءات التقشف أنها تخشى أسواق السندات أكثر من مواطنيها.