ربما يكون لانتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي التي تجري الشهر القادم تأثير أكبر من مجرد إعادة تحديد ملامح المشهد السياسي في واشنطن، إذ يمكن أن يكون لها أثر كبير على محادثات السلام المتعثرة بالشرق الأوسط. ودخلت المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية التي بدأت برعاية باراك أوباما الرئيس الأمريكي في سبتمبر في مأزق قبل انتخابات 2 نوفمبر فيما ينتظر الجانبان بفارغ الصبر كيف سيخرج الرئيس الأمريكي من هذه الحملة. وتتكهن استطلاعات الرأي بخسائر كبيرة للحزب الديمقراطي الذي ينتمي إليه أوباما ويتوقع وزراء إسرائيليون أن يضطره هذا إلى تجنب أي مواجهات خطيرة مع إسرائيل وأنصارها في الأشهر القادمة حتى لا يقوض موقفه الانتخابي المهزوز أكثر من هذا. ويأمل الفلسطينيون أن يركز أوباما مجددا بعد الانتخابات على الشؤون الخارجية ويستغل العامين الأخيرين من ولايته الرئاسية ليجد لنفسه مكانا في التاريخ بإنهاء الصراع المستمر منذ عشرات السنين بغض النظر عن المخاطر الداخلية الواضحة. لكن الفلسطينيين يخشون أيضا من ألا يكون أوباما في وضع يسمح له بانتزاع تنازلات من إسرائيل بدءا من مطلبهم بأن يعلق بنيامين نيتانياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي البناء الاستيطاني في الضفة الغربيةالمحتلة وهي القضية التي أدت إلى توقف المحادثات. وقال ياسر عبد ربه عضو فريق التفاوض الفلسطيني الذي يقوده الرئيس محمود عباس "إذا خرج أوباما من الانتخابات في وضع أضعف فإن نيتانياهو سيستغل هذا التوازن الجديد لمحاولة الحصول على كل ما يريده". وأضاف "نيتانياهو لا يتفاوض معنا. إنه يتفاوض مع الأمريكيين". وقال مواطن إسرائيلي على اتصال دائم بنيتانياهو لكنه طلب عدم نشر اسمه، إن رئيس الوزراء أوضح منذ فترة طويلة أنه يتوق لمرور انتخابات التجديد النصفي. ونقل عن رئيس الوزراء قوله "سأشعر باسترخاء أكبر بعد نوفمبر 2010" مشيرا إلى أن أوباما سيكون أقل ميلا لممارسة ضغط شديد على إسرائيل لتقديم تنازلات في المفاوضات إذا خسر في انتخابات نوفمبر كما هو متوقع. ولإسرائيل العديد من الأنصار الأقوياء في الكونجرس الأمريكي الذي يميل أعضاؤه تقليديا إلى حماية أقوى حليف لواشنطن في الشرق الأوسط الذي يمدونه بمساعدات قدرها 2.5 مليار دولار سنويا. وحين تصدت إدارة أوباما لإسرائيل في العام الماضي لخطط التوسع الاستيطاني، استغل الجمهوريون الخلاف وصوروه كمؤشر على ضعف الرئيس في القضايا الأمنية الأساسية وصدامه مع صديق موثوق به بشكل جائر. وتراجع أوباما أخيرا عن مطلبه بتجميد كل الأنشطة الاستيطانية، لكن ما حدث ترك ندوبا، إذ لا تزال الحكومة الإسرائيلية منزعجة مما اعتبرته ازدراء أمريكيا بينما يشعر الفلسطينيون أنه تم التخلي عنهم بعد هذا التغير في السياسة. وقال شلومو افنيري أستاذ العلوم السياسية بالجامعة العبرية والمدير العام السابق لوزارة الخارجية الإسرائيلية، "الأمريكيون وضعوا الجميع في مأزق شديد بعدم كفاءتهم". وأضاف "الجميع يفهم أنه لو كانت ستحدث مواجهة أخرى فإن الإدارة الأمريكية لا تريدها أن تحدث قبل الانتخابات." وفي الفترة السابقة لانتخابات التجديد النصفي ركزت الصحف الإسرائيلية على استطلاعات الرأي التي تظهر التراجع الشديد في دعم الناخبين اليهود لأوباما. وحصل أوباما على أصوات اليهود في انتخابات الرئاسة عام 2008 لكن استطلاعا للرأي أجرته اللجنة الأمريكية اليهودية هذا الشهر أظهر أن 49% فقط من اليهود الأمريكيين يؤيدون أسلوب تعامله مع العلاقات الإسرائيلية مقابل نسبة تأييد لنيتانياهو بلغت 62%. وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أيضا أن المانحين اليهود من العيار الثقيل أحجموا عن تمويل الديمقراطيين هذه المرة ويشك محللون في أن يجازف أوباما باستعداء هذه الفئة المهمة قبل أي محاولة لخوض الانتخابات لولاية ثانية في عام 2012. وقال جاي بخور مدير قسم دراسات الشرق الأوسط في جامعة هرتزليا، وهي جامعة خاصة في إسرائيل، "لقد خسر بالفعل معظم أصوات اليهود والعناصر (اليهودية) الصديقة داخل الولاياتالمتحدة". وأضاف "أوباما يريد أن يفوز بالحكم مجددا. ولا أعتقد أنه سيمارس مزيدا من الضغط على إسرائيل". لكن بعض المحللين تساءلوا عما إذا كان تعرض أوباما لنتائج كارثية في انتخابات التجديد النصفي قد يقنعه بأنه ليس لديه ما يخسره فيقرر حينها أن يضغط بشدة على إسرائيل لتقبل بتنازلات مؤلمة وهو الأمر الذي تقول الدول العربية إنه لابد أن يحدث حتى يتم إبرام اتفاق. وتقول إسرائيل إن على الجانبين تقديم تنازلات وتنفي أي إشارات إلى أنها هي الملومة في الأزمة الحالية. وقال عبد ربه إنه يعتقد أن أوباما يستطيع تقديم اقتراحات جديدة للسلام بعد الانتخابات خاصة فيما يتعلق بالحدود لا تتفق مع تفكير نيتانياهو. وأضاف "أنا واثق أنه (نيتانياهو) سيرفض هذه الاقتراحات التي تضيق هوة الخلاف. لهذا هو يلعب كل هذه الألعاب مع الأمريكيين". وأي محاولة لفرض حل على إسرائيل ستزعج حكومة نيتانياهو بشدة ويعتقد دبلوماسي مخضرم أن هذا الاحتمال غير مرجح تماما. وقال زلمان شوفال السفير الإسرائيلي السابق لدى واشنطن الذي عمل مستشارا لنيتانياهو "مهما كانت نتيجة انتخابات التجديد النصفي فإنني أشك أن يمارس أوباما ضغطا على نيتانياهو لأنه يجب أن يعلم أنه لإحراز أي تقدم لابد من وجود تنسيق وثيق مع إسرائيل".