يبقى الحنين لمخرجين نحبهم ونسعى لمشاهدة أعمالهم بشغف ونتطلع لمشروعاتهم السينمائية الجديدة أيا كان مردودها وانطباعاتها التى تتركها بداخلك مرضية أم غير ذلك وعلى شاشة مهرجان أبوظبى السينمائى وفى اطار قسم عروض السينما العالمية عرض فيلم المخرج الإيرانى عباس كياروستامى «نسخ مصدقة» والذى عاد فيه لمغازلة العلاقات الانسانية الحميمة التى تتبخر عبر الزمن، ويهبط مفعولها شيئا فشيئا.. حاول كياتروستامى انقاذ قيمة هذه العلاقات والعواطف التى تمثل لوجود الحقيقى قبل أن تموت تماما، ومن ثم نشعر بالذنب تجاه أنفسنا وطوال ما تبقى من العمر. المخرج العزيز الذى كتب السيناريو أيضا أكد عبر شريطه السينمائى أن النسخة الجيدة أفضل من النسخة الاصلية وأوحى أيضا بأنه لا يوجد شىء أصلى فى هذه الحياة ولا وجود للمثالية بواقع القصة الرسمية للفيلم، نجده يأخذنا شيئا فشيئا إلى اسرة، زوج وزوجة وابن وإن كانت البداية غامضة بعض الشىء وبها ايقاع بطىء ويبدو انه كان مثلما فى كل افلامه يقاوم التفسير السهل والمباشر، فنحن امام امرأة فرنسية المولد تملك صالة عرض فنى فى توسكابه الإيطالية (جوليت بينوش) تعيش مع ابنها الصبى الذى يجادلها دائما عبر اسئلة مطروحة حول واقعها وحياتها ثم يظهر كاتب إنجليزى جاء البلدة الايطالية بهدف الترويج لكتابه الذى يحلل فيه الفرق بين الأصل والتقليد فى الفن والحياة أيضا، ومع مرور الوقت خلال اللقاء بينهما، تكتشف حقيقة العلاقة والازمة فهما زوجان وبعد 15 عاما من الزواج انفطرت العلاقة وتبدد الحب، وراحت العواطف إلى غير رجعة.. تلاعب كياروستامى برؤية واقعية بإحساس كل زوج وزوجة مضى على ارتباطهما 15 عاما أو ما يقل أو ما يزيد، شعر الجميع معه بأن استمرار الحب فى خطر، وأن العلاقة الزوجية يصيبها زلزال وبركان من الفتور مع مرور الوقت ربما يحكم الزمن وربما يحكم الانشغال بالتراث.. حاولت الزوجة أن تعيد الرجل إلى عش الحب.. أخذته إلى فندق شهر العسل، حاولت أن تعيد له ذاكرة العاطفة لكن الرجل كان لا يعى بأى شىء ولم تحركه مرحلة الانوثة الجديدة التى حاولت الزوجة إغراءه بها، وفى مشهد رائع ظهر عجوزان يتنكران لبعضها البعض فى اشارة الى انه مع مرور الزمن والكبر فى السن سيحتاج كل منهما الآخر فى مواصلة الرحلة لكن رجلنا لم يعبأ بشىء قابل رجلا عجوزا آخر وقال له زوجتك تحتاج لأن تضع يديك على كتفها فقط، تحتاج للشعور بأن فى حياتها سندا حقيقيا، لكن لم تفلح المحاولات ونعيش فى جو فلسفى جدلى حول قيمة الصورة الجيدة وزوال الاصل وينتهى الفيلم على اجراس الكنيسة القديمة بنهاية مفتوحة وموجعة ومفاجئة لكل زوجين مضى على ارتباطهما اكثر من 15 عاما جوليت بينوس فى هذا الفيلم جسدت دورا رائعا محبكا واستحقت الحصول على جائزة افضل ممثلة فى مهرجان كان الاخير، حيث عرض الفيلم وكان كذلك أيضا الممثل وليام شام، حيث عاشت ملامح ادائه داخل كل رجل فى صالة العرض تحذيره ومنح له خيارات الطريق والنتائج ويبقى كياروستامى هاويا لطرح الاسئلة، متسللا، بلغة سينمائية عميقة إلى الهدف حتى يحرز المراد بنعومة قاسية وشغف مستمر لكن الحياة عنده واضحة المعالم رغم كل شىء وافلامه فى النهاية تمثل افكاره التى لو وضعها فى كتاب ستكون على نفس القدر من الدهشة مثل وضعها فى شريط سينمائى. لبلبة وكمال والجمهور كان بحق لقاء حميما صادقا مفعما بالمشاعر ومليئا بمشاعر ودروس الفن والحياة.. ذلك اللقاء الذى أقيم على هامش مهرجان أبوظبى لتكريم الفنانة لبلبلة والذى أداره الناقد السينمائى الكبير كمال رمزى بروح طغت عليها مفاتن حوار الذات وحوار النفس مع الآخر.. كشف كمال رمزى الستار عن التاريخ غير الرسمى للبلبة لتوضح كيف عشقت الفن منذ طفولتها وكيف وقعت فى غرام هذا العالم دون ندم على خسارة أى حياة أخرى وكم كان اللقاء والحوار بين لبلبة ورمزى والجمهور حوارا حقيقيا خرج الجميع منه وبداخله انطباعات كثيرة عن نجمة مصرية عبر آراء وأدوار وأعمال بقيت وما زالت. الناقد كمال رمزى، الذى قام بعمل دراسة إنسانية وفنية لرحلة لبلبة اختار لها عنوان الفراشة وهو لم يجد سوى هذا العنوان ليعبر عن مشوار طائر بين اكثر من حياة وازمنة متعددة، غاص رمزى بين البدايات ومرحلة البحث عن الذات والتوهج والمغامرة وقال بدت لبلبة فى مشوارها كألوان خلابة زاهية متنوعة خفيفة رشيقة ومبهجة واخاذة تتحرك وكأنها تطير.. لذا تذكرنا بالفراشة تنضج بقوى جناحيها اقتربت فى افلامها مع عاطف الطيب واسامة فوزى وسمير سيف من النور والنار لتواصل انطلاقها بلا تردد أو كلل.