في كتاب جديد له نفى الكاتب الكبير حلمي النمنم عن عميد الأدب العربي طه حسين اتهامات حاول كثيرون إلصاقها به هو وجيله عما يراه البعض تجاهلا لقضية فلسطين في النصف الأول من القرن العشرين، والذي شهد هجرات يهودية إلى فلسطين التاريخية وانتهى بإعلان دولة إسرائيل المحتلة عام 1948. ويقول في كتابه (طه حسين والصهيونية): إن كثيرين من معاصري طه حسين، أمثال محمد رشيد رضا (1865-1935)، وشكيب أرسلان (1869-1946)، وجورجي زيدان (1861- 1914)، وشبلي شميل (1850-1917)، كتبوا عن فلسطين، "وتابعوا القضية منذ بداياتها الأولى في نهاية القرن التاسع عشر" قبل صدور وعد بلفور في الثاني من نوفمبر 1917 وتعهدت فيه بريطانيا لليهود بإنشاء وطن قومي لهم في فلسطين. ويرى النمنم، في الكتاب الذي يقع في 245 صفحة متوسطة القطع وصدر في القاهرة عن دار الهلال، أن المسألة فيما يخص طه حسين بلغت "حد اتهامه بالعمالة للصهيونية ولليهود، وأنه يكره فلسطين ولم يذكرها بكلمة"، مشددًا على أن الذين يوجهون مثل هذه الاتهامات تجنوا على العميد ولم يتابعوا كتاباته. وكان النمنم جمع دراسات مجهولة لجورجي زيدان وحققها وصدرت عام 2009 في كتاب عنوانه: (الصهيونية.. تاريخها وأعمالها)، كتبها زيدان بعد زيارته لفلسطين وحذر فيها أن تصير فلسطين "كلها لليهود" في ظل إهمال الحكومة العثمانية للفلسطينيين وتركهم بلا رعاية ولا تعليم ولا حماية، وهي ظروف تساعد على "تنشيط الاستعمار الإسرائيلي في فلسطين". ويحظى طه حسين (1889-1973) بمكانة مرموقة في الفكر العربي باعتباره نموذجا للمفكر الموسوعي المؤمن بأن له دورا اجتماعيا يتجاوز أسوار الجامعة، فهو الذي أطلق صيحة "التعليم كالماء والهواء" حين أصبح وزيرا للمعارف (التعليم) عام 1950، وهو صاحب أول درجة دكتوراه تمنحها الجامعة المصرية عام 1914 قبل أن يذهب في العام نفسه إلى فرنسا لدراسة علم الاجتماع والفلسفة، وينال الدكتوراه عام 1918 في الفلسفة الاجتماعية لعبد الرحمن بن خلدون من جامعة السوربون. ويقول النمنم: إن من يتهمون طه حسين بتجاهل قضية فلسطين هم "المثقفون بالسماع"، مشددا على أنه "لا يجوز محاسبة الكاتب على ما لم يكتبه"، وإنما يحاسب على ما كتب، وهو كتب. ويسجل في فصل عنوانه: (فلسطين والطمع الصهيوني) أن قضية فلسطين شغلت اهتمام طه حسين، إذ نشر مقالا عنوانه (فلسطين) في صحيفة (كوكب الشرق) يوم 28 أكتوبر 1933، وهو عام تضاعفت فيه الهجرة اليهودية إلى فلسطين بشكل لافت للنظر، مسجلا أن أرض مصر "اصطبغت بدماء المصريين كما اصطبغت فلسطين بدماء الفلسطينيين". وفي المقال نفسه ينتقد موقف القوى الأوروبية: "وإلا فما إخضاع مصر لقوة الإنجليز، وما إخضاع فلسطين لقوة الإنجليز وطمع الصهيونيين؟". وفي الصحيفة نفسها نشر طه حسين مقالا في الرابع من مارس 1934 عنوانه: (غريب)، عن صديقه الكاتب الفلسطيني محمد علي الطاهر الذي هرب من تعنت الاحتلال البريطاني وحاول العودة لبلاده لزيارة أمه فمنعته سلطات الاحتلال، ويقول: "فما يكون الرجل من أهل فلسطين غريبا في مصر، وما ينبغي أن يكون الرجل من أهل مصر غريبا في فلسطين". ويقول المؤلف: إن طه حسين نشر أكثر من مقال عام 1945 الذي أنشئت فيه جامعة الدول العربية، وانتقد فيه موقف الجامعة من قضية فلسطين، قائلا إنها لا تفعل شيئا سوى إصدار البيانات والتصريحات، في حين تطالب الجماعات الصهيونية "علنا بإقامة دولة لهم على أرضها"، مسجلا أن "الجامعة لم تعالج أمر فلسطين بما يستحق من العزم والحزم والصرامة وبما يلائم ما تضطرب به النفوس العربية في جميع الأقطار". ويضم الكتاب مقالا عنوانه: (الصلح مع إسرائيل)، نشر في الرابع من يونيو 1956 في صحيفة الجمهورية التي كان الرئيس الراحل أنور السادات هو المدير العام لها آنذاك، وفيه يسجل طه حسين أن "الصلح مع الظالمين إجرام ما دام ظلمهم قائما.. الرضا بقصة فلسطين وظلم إسرائيل وأعوانها هو مشاركة في الإثم".