فى بحيرة كبيرة ذات ماء رائق، تسير «اللانشات» ذات الألوان الزاهية يركبها سكان منتجع يتميز بمساحاته الخضراء الواسعة، تلك هى الصورة التى التقطها أحد الأجهزة الحكومية لمنتجع سياحى على طريق القاهرةالإسكندرية. لم يكن الجهاز تابعا لوزارة السياحة، ولكنه كان «المركز الوطنى لاستخدامات أراضى الدولة»، الذى التقط هذه الصورة وهو يرصد واحدا من المشروعات التى حصلت على جزء من الأراضى المطروحة على طريق القاهرةالإسكندرية بأسعار منخفضة للغاية بغرض الاستصلاح الزراعى، إلا أنها استغلت المياه الجوفية المتاحة بها فى مشروعات ترفيهية. ولم تكن هذه الحالة هى التجاوز الوحيد الذى رصده المركز، فقد عرض عمر الشوادفى، رئيس المركز، صورا عديدة لتجاوزات حدثت فى مناطق مختلفة، فى ضوء الجدل الذى دار خلال ورشة عمل للمجلس الوطنى للتنافسية، اختتمت أعمالها اليوم، عن عيوب النظم الحالية لطرح الأراضى على المستثمرين وعدم وضوح طرق تقييم أسعارها. فبينما تتجه الحكومة للتوسع فى تطبيق نظام حق الانتفاع فى تخصيص أراضى الاستصلاح الزراعى، نظرا لأن استرداد الدولة لأراضيها فى حالة استخدامها بشكل مخالف للاتفاق الذى تم وقت البيع، كما كان فى المثال السابق، يكون أكثر مرونة فى نظام حق الانتفاع مقارنة بالتمليك، بحسب ما قاله وليد حمزة، مستشار وزير الزراعة، ل«الشروق» على هامش الورشة، فإن العديد من المستثمرين الزراعيين يرون أن «هذا النظام غير ملائم للزراعة». ويستند أصحاب هذا الرأى إلى أن الاستصلاح الزراعى يتطلب نفقات كبيرة لتجهيز الأرض، قد تصل فى أغلب الأحيان إلى 70 ألف جنيه للفدان، حتى تصبح صالحة للزراعة، وبالتالى فإن نظام حق الانتفاع قد يعرض المستثمر لمخاطر عدم تجديد مدة حق الانتفاع، مما يضيع عليه المبالغ الطائلة التى أنفقها، علاوة على ميل المستثمرين فى هذا المجال لتوريث أراضيهم، كفكرة راسخة فى ثقافة الفلاح المصرى، بحسب ما قاله المستثمرون خلال الورشة. ويواجه من يريد الدخول فى الاستثمار الزراعى فى مصر عددا كبيرا من التشريعات المنظمة لهذا المجال، «ومن يقرؤها كلها ينتهى إلى أنه لا يفهم أى شىء، ويجد أسهل طريق له هو شراء الاراضى من البدو»، وفقا لما قاله عبدالحميد الدمرداش، عضو مجلس تنافسية الزراعة. وقد ساهمت المشكلات البيروقراطية فى بيع الأراضى فى اتجاه الكثيرين إلى الاعتماد على نظام وضع اليد، بحسب مدحت المليجى، مستشار وزير الزراعة، معتمدين على المبدأ القانونى القائل بأن الأرض لمن يزرعها، وبعد استصلاحهم للأرض يتجهون لتقنينها، وهى المسألة التى تفتح بابا آخر للجدل حول كيفية تقييم الدولة لتلك الاراضى الزراعية عند تقنين وضعها. فالمستثمرون يختلفون فى بعض الأحيان مع الدولة حول تقييم أسعار تلك الأراضى، نظرا لتقديرهم أن هذه الاراضى لم تكن لها قيمة كبيرة إلا بعدما أنفقوه عليها من استثمارات فى مجالات البنية الأساسية. وهى القضية التى رأى طارق توفيق، عضو مجلس تنافسية الزراعة، أنها لا تقتصر على القطاع الزراعى فحسب، مشيرا إلى الجدل الذى كان دائرا حول تقييم سعر المتر فى أرض مدينتى بعد الحكم بإلغاء عقد بيع الأرض، «المشكلة أنه لا توجد طريقة واضحة لتقييم أسعار أراضى الدولة، وهذا عامل مقلق للغاية بالنسبة للاستثمار»، كما قال توفيق، ل«الشروق»، على هامش الورشة. ومنذ ثلاث سنوات كان المركز الوطنى لاستخدامات اراضى الدولة قد قام بإعداد مقترح لنظام يقيم أسعار أراضى الاستصلاح الزراعى، يشمل فى تقديره لقيمة الأرض مختلف العوامل المؤثرة فى السعر كدرجة الخصوبة وتوافر المياه وتوافر العمالة، إلا أن الحكومة لم تطبق هذا النظام التسعيرى حتى الآن، بحسب ما قاله رئيس المركز، الذى أسسته الدولة فى عام 2004 لإيجاد كيان موحد للتصرف فى أراضيها. وأضاف الشوادفى أن «عدم تطبيق الحكومة لهذا النظام، جعل المركز لا يوجد لديه حافز لتصميم نظام مماثل لتقييم أراضى الاستثمار العقارى»، مشيرا إلى أنه «من الممكن إيجاد نظام علمى موحد لتقييم الأراضى، والخلافات التى نشاهدها فى تقييم الأراضى كما حدث بعد إلغاء عقد مدينتى ترجع إلى أن بعض الاطراف لا تضع كل العناصر المؤثرة فى السعر فى حساباتها، ولكن تركز فقط على العناصر التى تبرهن على وجهة نظرها فى تقييم الأرض»، كما يقول الشوادفى. ويقترح الشوادفى أن تكون هناك «لجنة ثلاثية» مكونة من مندوب عن المركز ووزارة المالية وجهة الولاية على الأرض تقوم بتسعير الأرض المبيعة، إلا أنه يرى أن هذا الاقتراح لا يمكن تطبيقه إلا اذا كان هناك شباك موحد لبيع أراضى الدولة. والمفارقة أن التشريع المصرى ينص على أن يكون بيع الأراضى من خلال نظام الشباك الواحد، إلا أن شبابيك هيئة الاستثمار لا تشمل هذه الخاصية حتى الآن. وبحسب ما ذكره مسئول بوزارة الاستثمار، ل«الشروق»، خلال الورشة، نظام الشباك الواحد أشعر الوزارات صاحبة الولاية على أراضى الدولة بأنه سينتقص من اختصاصتها، مما عطل تطبيقه».