توقع يوسف بطرس غالى، وزير المالية، أن يصل العجز فى موازنة العام المالى الحالى إلى 7.5%، بدلا من 7.9% كانت قد توقعتها الحكومة سابقا، «من المحبذ جدا أن تتمكن الحكومة من تحقيق هذا الهدف»، بحسب تعبير غالى، خلال كلمته فى المؤتمر السادس عشر لليورومنى للاستثمار الذى بدأ فعالياته أمس، وينتهى اليوم. كما توقع الوزير أن تتمكن مصر من تحقيق معدلات نمو تصل إلى 8 و9% خلال السنوات المقبلة، فى ظل الاعتماد على السوق المحلية إلى جانب مصادر النمو المتحققة من التصدير والاستثمار الاجنبى، «قابلت مؤخرا أحد المصرفيين بأحد البنوك العالمية الكبرى، وعندما وجدته متفائلا للغاية بالسوق المصرية سألته عن السبب، فقال لى إنه يرى أن وضع مصر حاليا يشبه الاقتصاد الصينى سنة 1991 عندما بدأ فى الانطلاق» بحسب غالى، مشيرا إلى تقديراته بارتفاع الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى 9 مليارات جنيه فى السنوات القامة. وفيما ألمح ريتشارد بانكس، المدير الإقليمى لليورومنى، خلال تقديمه لوزير المالية، إلى أن «قضية عدالة توزيع الدخول فى مصر تعد من أبرز القضايا المطروحة حاليا»، فإن غالى تمسك فى كلمته بالتأكيد على أن الحكومة نجحت فى رفع مستوى معيشة الطبقة الوسطى فى المجتمع المصرى «بغض النظر عن ما يقال فى الصحافة»، وأنها تعمل على دفعها للنمو بشكل أكبر، وإن كان اعتبر أن «إعادة توزيع الدخل أكبر تحدٍ يواجه الحكومة فى الفترة المقبلة». كما اعتبر غالى أن الحكومة تسير بخطى جيدة فيما يتعلق بمكافحة الفقر، من خلال انتهاجها لسياسات طويلة المدى وأخرى قصيرة المدى، مثل إعادة هيكلة الدعم وتوجيهه بشكل أدق للفقراء، علاوة على استهدافها لاستدامة النمو الاقتصادى من خلال الاهتمام بإصلاح قطاعات مثل قطاع التعليم، الذى أكد غالى ضرورة وجود مشاركة أكبر من القطاع الخاص فى إصلاحه. إلا أن فلورنس عيد، المديرة التنفيذية بالبنك العربى للتعاون الدولى، أشارت فى كلمتها بالمؤتمر إلى أن الحكومة لا تحصل الضرائب من نسبة كبيرة من المصريين، وهى الموارد التى من الممكن أن تساعدها على مكافحة الفقر «القاعدة الضريبية فى مصر لاتزال نقطة ضعف أساسية، فهى لا يتم تحصيلها سوى من 60% فقط من المجتمع، بينما تصل هذه النسبة فى دول أخرى بالمنطقة إلى 85% أو 90%». ومن جهته اعتبر محمود محيى الدين، وزير الاستثمار الأسبق الذى سيتولى منصب المدير العام بالبنك الدولى، فى كلمته بالمؤتمر أن تحقيق الحكومة المصرية لهدف تخفيض عدد فقرائها، الذين تصل نسبتهم حاليا إلى 20%، إلى النصف أمر ممكن»، مستشهدا بتجربة ماليزيا فى تخفيض الفقر من 25% إلى 3%. وكان محيى الدين، الذى يحضر المؤتمر لأول مرة غير حاملا للقب حكومى، قد بدأ كلمته بحكمة قديمة تتحدث عن أن البقاء ليس للأذكى ولا للأقوى ولكن للأكثر قدرة على التغير، وهو ما يعنى أن الأقرب للنجاح هو الأكثر «مرونة وبراجماتية» بحسب وصف محيى الدين، وقد جاء ذلك فى سياق حديث الوزير السابق عن التحديات، التى تواجه الاقتصاد المصرى وسط حالة من القلق بدت واضحة بين المشاركين فى المؤتمر على مستقبل النمو الاقتصادى المصرى فى ظل تطورات الأزمة المالية العالمية والانتخابات المرتقبة. «أعتقد أن السؤال المتعلق بما إذا كان مبارك سيستمر فى الحكم أو من سيخلفه هو أهم ما يقلق المستثمرين فى الوقت الحالى «بحسب ما قاله مايكل ماركس، محلل اقتصادى ألمانى، ل«الشروق» على هامش المؤتمر، مشيرا إلى أنه يعرف مستثمرين ألمانا يريدون الاستثمار فى مصر «ولكنهم ما زالوا مترددين حتى تصبح الأمور أكثر وضوحا فى مصر». إلا أن محيى الدين نفى فى كلمته أن تكون هناك مخاطر سياسية فى السوق المصرية، مشيرا إلى أنه خلال الانتخابات السابقة عاشت مصر أفضل فتراتها الاقتصادية فى عامى 2005 و2006، وفى الوقت الحالى تشهد مصر زيادة ملموسة فى معدلات تأسيس الشركات بها، مؤكدا أن الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة لا تدعو للقلق فى ظل النظام الجمهورى المتبع والدستور الذى يحكم البلاد. وبرغم اتفاق ماريوس ماريفثفتيس، رئيس قسم البحوث فى ستاندرد شارترد بنك، مع وزير الاستثمار على زيادة حجم الاستثمارات فى مصر، إلا أنه يرى أن هذه الزيادة لا تعد مؤشرا كافيا لاهتمام المستثمرين بالسوق المصرية وليست هى الأمثل للنهوض بالاقتصاد، خاصة أن الجزء الأكبر منها يركز على قطاع الغاز والبترول، ومن ثم لا يوفر فرص عمل حقيقية ولا تعود بالمنفعة المرجوة منها على معدل الاقتصاد القومى. وأشار أيضا ماريفثفتيس إلى نقطة أخرى مهمة، وهى أن الغالبية العظمى من الاستثمارات الأجنبية فى مصر قادمة من أوروبا فى حين أن كل المؤشرات تنبىء بتحول القوى من أوروبا إلى آسيا. وللأسف مصر لا تزال غير جاذبة للاستثمارات من آسيا وهذا ما يجب معالجته. وحول تأثير أزمة إلغاء عقد مشروع مدينتى على الثقة فى بيئة الاستثمار، قال محيى الدين إن نموذج العقد الذى تمت به تسوية الأزمة يصلح لتسوية أية أزمات جديدة تواجهها شركات أخرى لديها حالات مماثلة لهذا المشروع، مضيفا أنه من الممكن أن تكون هناك تعديلات تشريعية فى الدورة البرلمانية المقبلة لضمان عدم تكرار هذه الأزمة.