رحاب أبو زيد، طالبة بالمرحلة الثانوية، نزلت إلى منطقة الفجالة، كما اعتادت منذ سنوات، بحثا عن مجموعة من الكتب الخارجية التى اعتادت شرائها لمساعدتها في فهم المنهج الدراسي، لأن الكتاب المدرسي "عقيم" ويعتمد فقط على سرد المعلومات على حد تعبيرها. الكتاب القديم ب 150 جنيها لم تكن رحلة رحاب بين مكتبات الفجالة لشراء 10 كتب خارجية تستغرق في الأعوام الماضية أكثر من ساعة، لكنها هذا العام احتاجت وقتا أطول ولم تجد ما تحتاجه من كتب خارجية، وما وجدته منها كانت إصدارات العام الماضي وبأسعار مضاعفة، بلغت في بعض الأحيان 150 جنيها للكتاب. رحاب ليست وحدها في مأزق ندرة الكتب الخارجية هذا العام بل أكثر من 18 مليونا و411 ألف طالب وطالبة، هم حصيلة طلاب التعليم ما قبل الجامعي وفقا للبيانات الصادرة عن وزارة التربية والتعليم في 2010. هؤلاء يضطرون الآن إلى شراء الكتب الخارجية حتى لو كانت قديمة يضعف سعرها الحقيقي نتيجة لقلة الكتب الخارجية هذا العام في الأسواق. بدأت الأزمة قبل شهرين من بداية العام الدراسي الجديد، عندما أصدر أحمد زكي بدر، وزير التربية والتعليم، القرار رقم 52 لسنة 2010، ويقضي بإلزام دور النشر بدفع مبالغ مالية تتراوح ما بين 350 ألفاً إلى مليونا و250 ألف جنيه مقابل حقوق الملكية الفكرية. حاول الناشرون ومسئولو الوزارة الوصول إلى حل عبر عقد عدة اجتماعات باءت جميعها بالفشل لينتهي الأمر بتوجيه حوالي 24 من دور النشر إنذارا قانونيا للوزير برقم 12872 للتحذير من المبالغ المالية المفروضة للحصول على تراخيص للكتب. تلى ذلك عرض من دور النشر يقضي بحصول الوزارة على 2.5% من الأرباح لكن الوزارة تمسكت بموقفها، وهو ما ترتب عليه رفع أصحاب دور النشر دعوى قضائية ضد وزير التعليم أمام محكمة القضاء الإداري لإيقاف تنفيذ القرار الصادر وتحدد لها 23 سبتمبر الجاري للبت فيها. في الفجالة.. امسك "كتب خارجية" في الفجالة تبدو قرارات الوزير أحمد زكي بدر واضحة، فالمكتبات التى اعتادت بيع الكتب الخارجية أغلقت أبوابها نتيجة عدم وجود نسخ من الكتب الخارجية لديها أو لأنها أغلقت بقرار رسمي بعد مصادرة كتب خارجية غير مرخصة بمخازنها. الفجالة، المزدحمة دائما، تبدو تلك الأيام أقل ازدحاما كما يقول تجارها الخائفين من المصادرة والمنع، أو حتى الحديث باستفاضة عن أزمة الكتب الخارجية. الجميع هنا يبدو حذرا من الإفصاح عن وجود كتب خارجية لديه حتى لو كانت قديمة، السوق هنا يبدو وكأنه سوق سوداء خارجة عن القانون، بعد أن تحولت بضاعتها الأهم، الكتب الخارجية، إلى بضاعة "ممنوعة". يقول محمود، عامل بإحدى مكتبات الفجالة: "السوق واقف عشان قرار الوزير ومفيش كتب ومنعرفش ايه اللي هيحصل.. ولو نزلت كتب الأسبوع الجاى ح تكون أغلى". بينما يقول هيثم محمد، بائع في الفجالة، إن بعض المكتبات التابعة لدور نشر كبرى أغلقت من قبل الوزارة التعليم والمصنفات الفنية، ويضيف: "من المحتمل أنه هيبقي فيه كتب على بداية الدراسة". طوابير للكتب الخارجية ويكفي أن تتردد أي معلومة عن وجود كتب خارجية في أي مكتبة بالفجالة، ليتكدس أولياء الأمور والطلاب في صفوف طويلة ومزدحمة أمامها أملا في الحصول على نسخة ولو بسعر مضاعف. ورغم ذلك تعتبر ياسمين علي، بائعة، أن "الفجالة السنة دى رايقة عن السنين اللي فاتت" مرجعة السبب إلى أزمة الكتب الخارجية. آمال جمال، طالبة في المرحلة الثانوية، كانت تبحث بإصرار شديد على أحد الكتب الخارجية التى تنقصها، على أمل الحصول على نسخة قبل بداية العام الدراسي، تقول: "الكتب الخارجية السنة دى أقل ومش هينفع تنفيذ القرار دا.. يبقوا ينفذوه لما كتاب الوزارة يبقى كويس.. إحنا بنعتمد على الكتب الخارجية طول الوقت". تتفق إيمان حسن، مدرسة، مع آراء الطلاب حيث ترى أن منهج الكتاب المدرسي غير كاف لشرح المادة المقررة على الطلاب، في حين يوسع الكتاب الخارجي مدارك المعلم، وهو ما لا يتوافر في الكتاب المدرسي. ميزانية للكتب الخارجية تنظر مدام عبير محمد، ربة منزل، إلى مسألة اختفاء الكتب الخارجية من الأسواق من ناحية العبء الاقتصادي الذى ستتحمله نتيجة الأزمة، وتقول: "الكتب الخارجية لها ميزانية خاصة في بيتنا منذ بداية العام الدراسي.. ولا أعتمد على كتاب الوزارة فهو يقدم شرحا غير واف للطالب". من جهته، يرى عبد الحفيظ طايل، رئيس مركز الحق في التعليم، أن الأعباء الاقتصادية التى سيتحملها أولياء الأمور نتيجة قرار وزير التعليم، ستضاعف معناة الأسر المصرية، ويضيف: "بعض الكتب وصل سعر النسخة منها إلى 150 جنيها.. المدرسون سيتجهون إلى رفع أسعار ملازمهم بشكل كبير رغم أنها كانت بأسعار رمزية". دور النشر: الحل القانوني لصالحنا "الجميع خاسر في هذه الأزمة.. أولياء الأمور ودور النشر" هكذا بدأ محمد عبد المجيد، مدير عام المؤسسة العربية، حديثه مؤكدا أن الأزمة ستنتهي في 23 من سبتمبر الجاري، موعد البت في القضية التى رفعها الناشرون على الوزارة. ويتابع عبد المجيد حديثه متفائلا: "الحكم سيكون لصالح المؤسسة وباقي دور النشر لأنه لا يوجد قانون يحرم الكتب الخارجية لأنها مجرد كتب مساعدة لكتاب الوزارة". ويقول المسئول بالمؤسسة العربية إن "قرار وزارة التربية والتعليم يهدم مصالح وزارات أخرى بجرة قلم" في إشارة إلى وزارات القوة العاملة والاستثمار والصناعة والتجارة التى تتعامل معها دور النشر باعتبار أن لديها عمال ومسجلون في التأمينات الاجتماعية والشركات مسجلة في وزارة الاستثمار. أما دار نهضة مصر، التى لم تطبع أي نسخ حتى الآن من سلسلتها، فيقول محمد فوزى مدير مكتبة نهضة مصر بالفجالة، إنهم يفضلون الاستمرار في الطريق القانوني مع الوزارة، وأضاف: "حتى البت في القضية لن نطبع أي نسخ أو نطرح أيا من إصداراتنا في الأسواق". يذكر أن "المؤسسة العربية الحديثة " و"الطلبه للطبع والنشر والتوزيع" والدولية للطبع والنشر والتوزيع" قاموا بتقديم إنذار قانوني يوم 4/9 برقم 14259 إلى مدير الإدارة العامة لشؤون الكتب بوزارة التربية والتعليم. القرار لزيادة إيرادات الوزارة وليس التطوير يستبعد عبد الحفيظ طايل أن للقرار الأخير علاقة بمحتوى الكتاب المدرسي، ويقول: "القرار صدر لحاجة الوزارة للمال ليس أكثر" مؤكدا أن الحل لا يكمن في رجوع الوزارة عن قرارها لكن في أن تكفل الوزارة كتابا مدرسيا محترما يتعلم منه الطلاب بشكل فعلي لأن الكتاب الخارجي نجح خلال السنوات الماضية في إقصاء الكتاب المدرسي.