على عكس الاعتقاد السائد في الغرب، أصبحت سلطوية الأنظمة العربية وديكتاتورية حكامها تعني هشاشة النظام وضعفه في مواجهة خصومه، ويظهر هذا كثيرا في عدم قدرة الدول العربية على جمع الضرائب بشكل فعال، أو مواجهة بعض المجموعات المسلحة فيها مثلا. فكتب برايان ويتيكر في صحيفة "الجارديان" البريطانية يقول إن الوضع متناقض في الشرق الأوسط، فالأنظمة العربية تعاني من رغبة شديدة في فرض السلطة والتحكم بشمولية، وهي تشرع وتسن قوانين لا حصر لها، وتكون جيوشا كبيرة وتعطي للسلطة الأمنية صلاحيات غير محدودة، ورغم كل هذا، مازالت قوتهم محدودة، ومازال الحكام العرب غير قادرين على التحكم في سلوك مواطنيهم. العنف سمة الضعف وأشار ويتيكر إلى أن أهم أولويات الأنظمة الحاكمة العربية هي الحفاظ على النظام نفسه، لهذا لا يقبل النظام العربي أية معارضة، ويسعى إلى قمعها باستمرار وبقوة أكثر من أي شيء آخر. على الجانب الآخر، لا يعتبر هذا دليل قوة بالنسبة للنظام نفسه، وإنما يعني أن النظام هش للدرجة التي تجعله خائف وبشدة من أي معارضة قد تلوح ضده في الأفق، أي أن "الأنظمة العربية دائما عنيفة لأنها ضعيفة"، حسبما كتب نزيه أيوب في كتابه "مبالغة الأنظمة العربية". وضرب ويتيكر مثالا بالنظام الحاكم المصري، الذي يبدو أنه بارع في اعتقال المتظاهرين بالعشرات، لكنه فشل تماما في إقناع مواطنيه على مدار عشر سنوات في ارتداء حزام الأمان أثناء قيادة السيارات، كما فشل في وقف عادة ختان الإناث على مدار 50 عاما التي تعتبر من أهم مساوئ التقاليد المتعارف عليها في مصر. دول قوية ودول قاسية وأوضح ويتيكر الفرق بين "الدولة القوية" و "الدولة القاسية"، حيث أن الدولة القاسية غالبا ما تكون ضعيفة، وتجنح إلى الشمولية والتدخل لفرض قوالب محددة على الاقتصاد والمجتمع بشكل عام. من ناحية أخرى، تتكامل الدولة القوية مع المجتمع، وتصنع نوعا من المشاركة مع مواطنيها، ولا تعتمد سياساتها على الاستعباد، وإنما على تضافر كل مراكز القوة فيها مع المجتمع. وبهذا الشكل، يمكن تصنيف معظم الدول العربية باعتبارها "دول قاسية"، لكنها ضعيفة في نفس الوقت، بينما تعتمد معظم الدول الأوروبية على كونها "قوية وناعمة"؛ قوية لأنها قادرة على إحداث التأثير المطلوب على المواطنين لتطبيق القانون، وناعمة لأنها تفعل ذلك دون إكراه. وأكد ويتيكر على أن المواطنين في بريطانيا يتمتعون بحرية غير متاحة للمواطنين في الدول العربية، لكن الدولة مازالت محتفظة بحقها في "تنظيم الحريات"، بحيث لا تتعارض مع بعضها البعض. فمثلا، تحاول أن تنظم حرية العمل لكسب المال، بحيث لا يتعرض الموظف للاستغلال في نفس الوقت. والفكرة كلها تتلخص في حماية الطرف الضعيف من استغلال الطرف القوي له، وحماية حرية الأفراد، وحماية المجتمع من الممارسات الخاطئة التي قد يقوم بها بعض المواطنين، خاصة فيما يتعلق بالمجالات الخطيرة كالأمن والصحة. من ناحية أخرى، يختفي مصطلح "المصلحة العامة" في الدول العربية، ويقتصر فقط إذا تم تطبيقه على ما يتفق مع الأعراف الاجتماعية الأخلاقية والدينية، بينما لا تهم أرواح المواطنين الأبرياء الذين يموتون في السفن الغارقة أو تحت الأنقاض! قوانين عقيمة تنتهي برشوة وأوضح الكاتب أن طاعة المواطن للدولة وتطبيقه للقوانين لا تأتي إلا عندما تكون هذه القوانين شرعية، أي وافق عليها الشعب ويعرف أنها في صالحه العام، وتمت مناقشتها بجدية بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة الأخرى وسط شفافية إعلامية، وحبذا لو تم الاقتراع عليها قبل إقرارها بصورة نزيهة. وعندما يكون هناك قبول عام للقانون، يصبح فرضه على المواطنين آخر حل يمكن للدولة أن تقوم به، بدلا من أن يكون ذلك أول خطوة توضع في الاعتبار. وأخطر ما يمكن أن يحدث هو فرض قوانين على مواطن يعرف أنها عقيمة وبلا فائدة، حيث يمكن للشرطة ولمنفذي القانون أنفسهم أن يتلقوا رشاوى فيتغاضون عن الأمر برمته. وأكد ويتيكر أنه لا يقول إن الدول الغربية كاملة، وإنما أراد أن يوضح لماذا يصعب على المواطن العربي تطبيق القوانين، فالدولة تعامل مواطنيها كما لو كانوا أطفالا، لا تناقشهم في القوانين قبل إقرارها، وبالتالي يجد المواطن أمامه قوانين غامضة ومعقدة وغير مفهومة فلا يطبقها. واختتم بقوله إن عدم وجود حوار يعني عدم اقتناع الناس بجدوى القوانين وأهميتها، فضلا عن أن النظام نفسه يفتقد إلى الشرعية، حتى أصبحت الحكومات عقبة في حد ذاتها، تخلق المشاكل للمواطن بدلا من أن تيسر حياته، وتصبح شريكته في تنمية المجتمع.