قد يكون أمرا غريبا أن يتكرر أمامك مشهد لرجل يوزع المال على الصبية الصغار فى أى يوم، أما فى يوم العيد فالتفسير المنطقى له هو توزيع «العيدية»، تلك العادة الاجتماعية التى تحدث تغييرا ملموسا كل عام فى حركة النقد المتداول. وهو ما دعا وزارة المالية هذا العام إلى طرح «فكة» بقيمة 14.9 مليون جنيه من العملات المعدنية من فئتى الجنيه والخمسين قرشا والعملات المعدنية الأخرى الأصغر، خلال شهر أغسطس الماضى، وتبكير صرف معاش شهر سبتمبر عن موعده المعتاد يومى 10 و20 من كل شهر ليبدأ الصرف من يوم 4 سبتمبر وذلك لحلول عيد الفطر يوم 9 سبتمبر. وضخ هذا النقد فى العيديات التى شهدت ارتفاعا فى قيمتها يتوازى مع ارتفاع الأسعار لتتراوح فى الوقت الحالى بين 20 جنيها و50 جنيها فى فئات الدخل المتوسط، وتوجيه مبالغ أخرى لتحضير ولائم العيد وأطباق الكحك، دفعة للاستهلاك. «عادة ما يدفع توزيع الأموال فى العيد الإنفاق الاستهلاكى بقوة، لأن متلقى العيدية اعتادوا إنفاقها فورا وليس ادخارها»، يقول هانى جنينة، محلل الاقتصاد الكلى ببنك الاستثمار فاروس، معتبرا أن الحملات الإعلانية الضخمة التى تم بثها خلال شهر رمضان مؤشر على قوة الاستهلاك فى مصر خلال الفترة الراهنة والتى يكون موسم العيد محفزا قويا لها. وهو ما حدث أيضا فى موسم عيد الفطر العام الماضى، فبالرغم من أن 2009 كان عام الأزمة التى أضرت بالكثيرين سواء من تركوا وظائفهم أو من تعرضوا لخفض أجورهم، فإن الاستهلاك فى مصر فى شهر سبتمبر من ذلك العام كان قويا، ورفع معدل التضخم السنوى فى الحضر لأول مرة منذ بداية العام ليصل إلى 10.8%. وقد وصلت الأسعار هذا العام إلى مستويات أعلى بكثير من السنة الماضية، «شهدنا هذا العام أزمات متتابعة ساهمت فى رفع أسعار الغذاء بشكل متراكم حتى وصلنا لمستويات أسعار مرتفعة فى موسم العيد، بدءا من أزمات توفير اللحوم الحية ثم أزمة نقص الأرز وأخيرا أزمة حظر الصادرات الروسية من القمح»، على حد تعبير جنينة. وأشار المحلل إلى أنه وفقا لأخر رصد لبنك الاستثمار فاروس لأسعار السلع الاستهلاكية خلال أغسطس، فإن أسعار الدواجن سجلت ارتفاعا شهريا بنسبة 37% واللحوم العجالى ارتفاعا بنسبة 29%، والأرز بنحو 44%، أما عن مكونات كحك العيد، فقد ارتفع سعر كيلو الدقيق 57% وعبوة السمن 950 جراما 2.6% وكيلو السكر 10%. والإقبال على الاستهلاك فى العيد لا يقتصر على الأغذية فقط، فأماكن الترفيه أفضل مكان لصرف العيديات، وبينما شهدت القاهرة تزاحما شديدا على المراكز التجارية والملاهى خلال العيد، فإن الفنادق السياحية شهدت إقبالا قويا أيضا، «هناك فنادق فى الساحل الشمالى ليس بها موقع لقدم، وإذا أردت أن تحجز بها فى العيد فعليك أن تدفع ثلاثة أضعاف السعر العادى» كما أضاف جنينة. وبالرغم من قوة الاستهلاك فى العيد التى يشهدها الاقتصاد المصرى، فإن هذه القوة يقوضها تزامن العيد مع بدء موسم الدراسة التى امتصت نسبة كبيرة من الإنفاق الاستهلاكى للأسر المصرية على الترفية والأغذية، لصالح نفقات أخرى كشراء الزى المدرسى، تبعا لأراء التجار. حيث يقول يحى زنانيرى، نائب رئيس شعبة الملابس بالاتحاد العام للغرف التجارية، إنه بالرغم من تزامن العيد مع الاوكازيون هذا العام فإن الإقبال الاستهلاكى على شراء «لبس العيد» لم يكن بالقوة المعتادة «خلال الأيام الأخيرة من رمضان التى عادة ما يكون فيها إقبال قوى على الشراء، فلم نلمس معدلات الشراء المعتادة بالرغم من وجود تخفيضات تتراوح بين 20% و50%». ويضيف زنانيرى أن فقد الأموال لقيمتها الحقيقية على مر السنوات الماضية أضعف من القوة الاستهلاكية ل«العيدية»، «من الصعب شراء أى من مستلزمات العيد ب20 جنيها أو حتى 50 جنيها»، على حد تعبيره. وعلى مستوى السلع الغذائية، يقول عبدالرحمن رأفت، عضو غرفة السلع الغذائية، إن الموسم الدراسى والإنفاق على الغذاء خلال رمضان أرهقا الأسر المصرية وقللا من معدلات استهلاكهم للمستلزمات المستخدمة فى «كحك العيد». وترى ضحى عبدالحميد، أستاذة التمويل بالجامعة الأمريكية، أن الطفرات التى تشهدها الأسعار هذا العام بسبب أزمات مثل أزمة القمح وغياب الرقابة على الأسواق قلصت من القدرة الاستهلاكية للكثير من الأسر من الطبقة المتوسطة، خاصة أن الأجور لا تزيد بالمعدل نفسه، «أعتقد بأن الكثير من الأسر هذا العيد لم تنفق هذا العام كما اعتادت على كحك العيد ولبس العيد لتوفير الأموال لاحتياجات أخرى ضرورية».