لا أحد يعرف على وجه اليقين متى أصبح التسحير مهنة للبعض يقوم بها لقاء مقابل من أهل البر والإحسان ولكننا نجد «المسحر» أو المسحراتى فى العديد من الأقطار العربية والإسلامية. ولعل أشهر «المسحرين» فى التاريخ ذلك الذى يدعى «أبا نقطة والذى ارتبط اسمه بابتكار شعر شعبى يسمى القوما له وزنان مختلفان وكان يسحر به الخليفة العباسى الناصر لدين الله مقابل راتب سنوى. وقد عرف هذا النوع من الشعر بالقوما من قول بعض المغنين «قوما لنسحر قوما». وعندما توفى أبونقطة أعصب ولدا صغيرا حاذقا ينظم «القوما»، فأراد أن ىعلم الخليفة بموت أبيه ليأخذ وظيفته فلم يتيسر له ذلك، فانتظر حتى جاء رمضان ووقف فى أول ليلة منه مع أتباع والده قرب قصر الخليفة وغنى «القوما» بصوت رخيم رقيق، فاهتز له الخليفة وطار طربا، وحين هم بالانصراف انطلق ابن أبى نقطة ينشد. يا سيد السادات لك فى الكرم عادات أنا ابن أبى نقطة تعيش أبى قد مات فأعجب الخليفة بسلامة ذوقه ولطف إشارته وحسن بيانه معه إيجازه، فأحضره وخلع عليه ورتب له ضعف ما كان لوالده. ومن الطريف أن مهنة «المسحر» لم تكن قصرا على الرجال، إذ عملت بها بعض النساء، وقد أنشأ فى إحداهن الشيخ زين الدين ابن الوردى قائلا: عجبت فى رمضان من مسحرة بديعة الحسن إلا أنها ابتدعت قامت تسحرنا ليلا فقلت لها كيف السحور وهذى الشمس قد طلعت وتعد وظيفة «المسحراتى» فى مصر من أبرز ما لفت أنظار زوار القاهرة من المسلمين والأجانب على حد سواء. ويستخدم المسحراتى فى طوافه ليلا بالأزقة والطرقات طبلا صغيرا يسمى «الباز» يضرب عليه بقطعة من الجلد ثلاث دقات متتالية فاصلا بذلك بين ما يقوله من نداءات أو أشعار. ويصحب المسحر فى جولته التى تبدأ بعد صلاة العشاء صبيا صغيرا يحمل قنديلين فى إطار من الجريد، ويقفان أمام كل منزل يقطنه مسلم من المستورين القادرين على مكافأة المسحراتى، وبعد أن ينشد «عز من يقول لا إله إلا الله ومحمد الهادى رسول الله» فاصلا بينهما بثلاث دقات على «الباز» يواصل إنشاده بالنداء على صاحب البيت وإخوانه وأولاده الذكور. ويتحاشى المسحراتى ذكر أسماء النساء إلا البنات الأبكار إذا ما وافق صاحب المنزل على ذلك، وفى هذه الحالة الأخيرة ينشد قائلا «أسعد الليالى إلى ست العرايس فلانة».. ويضرب طبلة بعد كل تحية. وبعد أن يحيى الرجال يقول «ليقبل الله منه صلواته وصيامه وطيباته» ويختم بقوله «الله يحفظك يا كريم كل عام». ولا يخفى على ذوى الفطنة أن السماح للمسحر بذكر أسماء البنات الأبكار إنما هو نوع من الإعلان، المدفوع الأجر عن بنات فى سن الزواج يقطن فى البيت الذى يقف أمامه المسحراتى، وفى هذه الحالة كان الرجل يؤدى جزءا أساسيا من عمل «الخاطبة» ولو لبعض الوقت. وتحظى البيوت الأكثر شهرة وغنى بالإضافة إلى ما سبق ببعض الأغانى الطويلة التى ينشدها المسحراتى فى سجع غير موزون ويبدأها باستغفار الله والصلاة على رسوله الكريم ثم يأخذ فى رواية قصة الإسراء والمعراج أو غيرها من القصص القرآنية أو حتى بعض الروايات الشعبية ذات الطابع الفكاهى، ضاربا فى كل الأحوال بطبلة بعد كل قافية. وفى إيجاز غير مخل كان المسحراتى يقوم بنفس الدور الذى يقوم به كل من الإذاعة والتليفزيون خلال شهر رمضان يبث المسلسلات الشيقة ولعله هو أصل ما يجرى من اهتمام إعلامى حديثا عند مقدم الشهر الكريم. ومهما يكن من أمر فإن المسحراتى الذى كان يخص بجهوده منازل بعينها فى كل حى، كان يحصل على أجره فى عيد الفطر عند مروره بذات المنازل وذلك إما نقدا أو عينا من كعك العيد. ومن الأشعار التى كان المسحرون ينشدونها قولهم: يا غفلان وحد ربك وبالتقى عمر قلبك ما يوم تقلق على رزقك دار ربما عالم بالحال يا رب قدرنا على الصوم واحفظ إيماننا بين القوم وارزقنا يا رب باللحم المفروم أحسن يا رب ماليش سنان وقد أغرى الانتشار الواسع لما ينشده المسحرون بعض الشعراء والزجالين بالكتابة لأولئك المسحرين، فقد كتب الشيخ محمد النجار شيخ الزجالين فى أواخر القرن الماضى عدة أدوار للمسحراتى منها قوله: ثبت هلال رمضان وقالوا صيام لرؤيته والشك زال باليقين أحياكم المولى إلى كل عام وكل عام وأنتم بخير طيبين وله أيضا مواويل سحر بها المسحراتية من بينها: يا خاسر الدين يا فاطر نهار رمضان ماهوش كدا المسلمين ما هوش كدا الإيمان تدب بطنك وتحلف قال كمان إيمان فاطر وكداب على الله فى نفس واحد فى أمر تقدر عليه النسوان قلل من الفول يا مخلول والطرشى لحسن تغشلق وتبقى من العشا تحشى.