يعتقد الدكتور تونى فروداكيس العالم الرائد فى علم الأحياء الجزيئية الذى استخدم لأول مرة معلومات الحامض النووى فى تحديد التركيب العنصرى الدقيق لمرتكب جريمة الاغتصاب أن تكنولوجيا الحامض النووى سوف تقضى على الجرائم فى نهاية المطاف. كما يعتقد أن من يحتمل إقدامه على جريمة قتل أو اغتصاب سوف يرتدع إذا عرف أنه سوف يتم التوصل إليه بواسطة تكنولوجيا الحامض النووى المتقدمة. وللأسف، لم يكن على صواب. فتكنولوجيا الحامض النووى لن تردع المجرمين لنفس السبب الذى من أجله لم تؤد عقوبة الإعدام إلى ذلك. فى الولاياتالمتحدة، تشكل عقوبة الإعدام قضية سياسية حساسة. وحيث تعتبر كثير من القضايا المثيرة للخلاف الحاد ذات طبيعة أخلاقية أو فلسفية، فهى خارجة عن نطاق العلم. ورغم ذلك، فهناك قضية واحدة على الأقل يمكن اعتبارها علمية بحت، وهى مسألة ما إذا كان لعقوبة الإعدام الأثر الرادع المقصود. هل تردع المعرفة وتوقع الإعدام من يحتمل إقدامه على جريمة قتل فى المستقبل عن اقتراف الجريمة؟ وبينما يتواصل الجدل السياسى والعام، يبدو أن أكثرية الدراسات الخاصة بالشواهد العلمية، سواء بصورة مستعرضة (مقارنة الدول التى تطبق عقوبة الإعدام مع التى لا تطبقها) أو بصورة طولية (فحص نفس الدولة قبل وبعد إدخال عقوبة الإعدام) تشير إلى أن عقوبة الإعدام ليس لها الأثر الرادع المراد. فلم يظهر انخفاض فى جرائم القتل، فى أماكن وأوقات متباينة، نتيجة إتاحة عقوبة الإعدام باعتبارها عقوبة محتملة للمدان فى جريمة قتل. فما السبب فى هذا؟ فإذا لم تكن هناك عقوبة جنائية أكبر من عقوبة الإعدام. فلماذا لا تردع القاتل؟ تشكل حقيقة عدم ردع عقوبة الإعدام للقاتل لغزا أمام باحثى العلوم الاجتماعية، وخاصة المختصين بالخيار الرشيد فى مجال الاقتصاد الجزئى. فمن منظور الاقتصاد الجزئى، يقوم كل فاعل بتحليل مدروس ومتأنٍ للتكلفة والمنفعة قبل أن يتخذ قرارا. وبالتالى يعتبر عدم وجود أثر رادع لعقوبة الإعدام أمرا محيرا من هذا المنظور، إلا إذا كان احتمال الاكتشاف والاعتقال والملاحقة القضائية والإدانة ضئيلا للغاية. ومهما كان الشىء الذى يرغبه فاعل الجريمة، فهو لا يستطيع السعى وراءه أو استهلاكه إذا انتهت حياته. ولذلك، فمن منظور الاقتصاد الجزئى، لا تكاد تكون هناك حوادث يكون منطقيا فيها بالنسبة للفاعلين الراشدين اتخاذ قرار بارتكاب جريمة قتل، مع وجود خطر الإعدام واقعيا. ومع ذلك، فمن منظور علم النفس التطور، لا يعتبر عدم وجود أثر رادع لعقوبة الإعدام محيرا على الإطلاق. أولا، على عكس الاقتصاد الجزئى، لا تكون جريمة القتل فى معظم الحالات عملا مخططا ومتعمدا. وتبدأ عادة من «مشادة تافهة»، عندما يهين شخص شخصا آخر من خلال التشكيك فى شرفه ومركزه وسمعته. فيبدآن العراك، الذى يتصاعد إلى النقطة التى ينتهى فيها أمر أحدهما بالموت. ولا تردع عقوبة الإعدام القاتل، حيث إن الأمر لا ينطوى على النظر فى العواقب وتحليل للتكلفة والمنفعة. وعادة لا يقرر الإنسان بوعى اقتراف جريمة قتل. وربما تردع عقوبة الإعدام أنواعا أخرى من المجرمين، الذين يقررون بتعمد اقتراف جريمة، أو القتلة الخياليين فى مسلسل كولومبو، ولكن ليس معظم المجرمين فى الحياة الواقعية. فمعظم مجرمى الحياة الواقعية لا يشبهون من نراهم فى كولومبو وغيرها من برامج المنوعات الخاصة بالجريمة. ولسبب من الأسباب نادرا ما يكونون رجالا ونساء على درجة عالية من الذكاء وناجحين. ثانيا، والأكثر أهمية، وعلى عكس الاقتصاد الجزئى أيضا، هناك ما هو أسوأ من الموت. ومن منظور علم النفس التطور، تعتبر الحياة، وكل ما عليها، وسيلة إلى تحقيق الهدف النهائى وهو التكاثر. ولذلك فالموت ليس أسوأ الأشياء؛ وإنما الفشل التام فى الإنجاب. فإذا فقد رجال الأمل فى الإنجاب، مع احتمال واضح لأن تنتهى حياتهم بعقم تام، فمن المنطقى أن يتجهوا إلى ممارسة العنف تجاه الرجال الآخرين، فى محاولة للقضاء عليهم باعتبارهم منافسين من نفس الجنس، وذلك عبر قتلهم أو تشويهم. ويخلق هذا أيضا منطقا تطوريا تاما لدى الرجال الذين ليس لديهم فرصة شرعية للوصول إلى النساء من أجل الإنجاب، إلى محاولة فعل ذلك بصورة غير شرعية عبر الاغتصاب بالقوة. وهذا هو السبب فى أن معظم المجرمين وخاصة مقترفى جرائم القتل والاغتصاب يكونون فقراء، غير متعلمين قليلى الشأن، وذوى مراكز اجتماعية متدنية، ومن الذين فقدوا الأمل فى الإنجاب. ربما ينتهى الأمر بمثل هؤلاء الرجال إلى أن يخسروا القدرة على الإنجاب تماما، من خلال إعدام الدولة لهم إذا مارسوا العنف وقتلوا رجالا آخرين أو اغتصبوا نساء. ولكن من المؤكد أن الأمر سينتهى بهم عقيمين تماما إذا لم يقتلوا أو يغتصبوا. وفى ظل تلك الأحوال، يكون هناك منطق تطورى تام لدى بعض الرجال، الذين لا أمل لهم فى الإنجاب، إلى محاولة تحسين فرصهم الإنجابية من خلال ممارسة العنف تجاه الرجال الآخرين من أجل القضاء عليهم باعتبارهم منافسين لزملائهم من نفس الجنس، أو من خلال اغتصاب النساء من أجل كسب فرصة عير شرعية للوصول إليهن بغرض الإنجاب. يكاد ألا يكون هناك ما يمكن لنظام العدالة الجنائية (أو أى جهة أخرى) فعله من أجل ردع الشباب فاقدى الأمل فى الإنجاب. وربما يكون ذلك سببا فى أن عقوبة الإعدام، أو التيقن شبه الكامل من الاعتقال والإدانة عبر استخدام تكنولوجيا الحامض النووى، لم يوقفا جرائم القتل أو الاغتصاب. فقد يموتون إذا اقترفوا جريمة قتل أو اغتصاب، ولكنهم سوف يموتون بالقطع (إنجابيا) إذا لم يفعلوا ذلك. الموت ليس رادعا بالنسبة إلى أولئك الذين يتوقعون مصيرا أسوأ من الموت.