صوتت الجمعية العامة الفرنسية (البرلمان) على مشروع قانون حظر النقاب أو البرقع في فرنسا. وحظي مشروع القانون بما يشبه الإجماع في البرلمان، حيث لم يصوت ضده سوى نائب واحد. وبذلك تتبع فرنسا موجة تجتاح أوربا لحظر مثل هذه الملابس. ويدرك الفرنسيون أن مثل هذا الحظر ينطوي على مخاوف كثيرة في حالة تطبيقه، ولهذا السبب تشهد الساحة السياسية نقاشا شرسا صريحا ومبدئيا، بلغ ذروته من خلال اعتماد نص قانون يتصف بالبراجماتية. وبالضبط مرت سنة كاملة بعد أن تم تشكيل لجنة برلمانية، وحددت مهمتها بالبحث ما إذا كان حظر النقاب في فرنسا ممكنا أم لا. وكان أعضاء اللجنة المذكورة يمثلون كل الأطياف السياسية الموجودة على الساحة من اليمين إلى اليسار. وكان المبادرة تقدم بها أحد أعضاء الحزب الشيوعي في الغرفة الثانية للبرلمان الفرنسي. بعد أشهر من البحث والتقصي من الناحية السياسية والقانونية، توصلت اللجنة المذكورة إلى النتيجة التالية: نعم، النقاب يمكن حظره في فرنسا، وهذا يتوافق مع رأي الرئيس الفرنسي اليميني نيكولا ساركوزي، الذي اعتبر في تصريحات سابقة أن النقاب "لا يمثل مظهرا من مظاهر التدين، لكنه رمز للخضوع، وهو غير مرحب به في فرنسا". العيون المغطاة في فرنسا يبدو أن الأمر قد حسم الآن: يكاد اليمين واليسار يكونان متفقين على مسألة عدم التسامح مع أي لباس يغطي كل الجسم كما هو الحال مع اللباس الذي ترتديه النساء المسلمات، والآن صادق البرلمان على حظر البرقع أو النقاب الذي يغطي كل الجسم عدا العينين. فالنساء اللائي يلبسن البرقع يرين العالم فقط من خلال ثقوب القماش. المعارضة اليسارية لا تريد أن تصوت لصالح هذا القانون الجديد، والسبب يعود إلى عدم موافقة هذه الأحزاب على السياسة التي ينتهجها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، إلا أنها تقف على نفس الخط في دعمها للحظر. وساهم الاشتراكيون أنفسهم في صياغة نص مشروع القانون الذي تقدمت به الحكومة اليمينية. غرامات مالية كل امرأة ترتدي البرقع في شوارع فرنسا مستقبلا، أو في الأماكن العامة، ستكون عرضة لدفع غرامة مالية تصل إلى مائة وخمسين يورو. وكل شخص يجبر امرأة على لبس البرقع فإنه سيتعرض بدوره إلى عقوبة أشد: ثلاثون ألف يورو غرامة أو سنة سجنا نافذا. ليس مفاجئا أن يتم إقرار حظر النقاب، وأن يحظى الحظر بدعم واسع في فرنسا. فهذه الأخيرة وبلدان أوربية أخرى استقبلت في العقود الأخيرة أعدادا كبيرة من المهاجرين. إلا أن العالم لم يعد كما كان بعد أحداث الحادي عشر من أيلول سبتمبر عام 2001، والتي نُسبت إلى متطرفين إسلاميين. وتحول الإسلام بالنسبة إلى كثير من الناس في العالم الغربي إلى "متهم"، وكل ما يمت بصلة إلى "الإسلام المتطرف" بات يبعث على القلق. ولهذا السبب انطلق نقاش آخر حول مسالة الهوية: هل أوربا الغربية مختلفة عن العالم الإسلامي؟ ما هي المسائل التي يجب على المهاجرين أن يحترموها في المجتمع الغربي حين يأتون للإقامة في الاتحاد الأوربي؟ ما هي القيم والأنماط المعروفة هنا، والتي يجب احترامها؟ توجه أوربي أدى ذلك إلى فرض إجراءات جديدة. الحكومة البريطانية كانت السباقة إلى اتخاذ إجراءات تجعل حظر النقاب في المدارس ممكنا. في سويسرا صوت الناخبون في العام الماضي عبر استفتاء عام لصالح حظر بناء المآذن. في أسبانيا هناك مشروع قانون بانتظار المناقشة، يتضمن منع جميع الرموز الدينية في المباني العمومية. وقبل أشهر كان البرلمان البلجيكي أول من صوت في أوربا لصالح فرض النقاب. لم تتخلف هولندا عن هذا السباق، ففي الانتخابات النيابية الأخيرة حقق السياسي اليميني خيرت فيلدرز فوزا كبيرا، وهو صاحب الخطابات النارية الداعية إلى الوقوف بوجه ما يسميه "أسلمة" هولندا. الخيار الفرنسي لحظر النقاب لا ينفصل إذن عن توجه أوربي عام. براجماتية مع ذلك فإن الفرنسيين مدركون لمخاطر هذا التوجه. ليس فقط لأن كثيرا من المسلمين يرون في قانون الحظر نوعا من الإهانة، ولكن أيضا لأسباب قانونية. فقد حذر عدة خبراء قانونيين من أن حظر ارتداء النقاب في الأماكن العامة يتعارض مع الحريات الفردية المنصوص عليها في الدستور الفرنسي، وفي المعاهدة الأوربية لحقوق الإنسان. لذلك حاولت الحكومة الفرنسية أن تضفي على نص مشروع القانون مسحة براجماتية: يُمنع ارتداء النقاب للحفاظ على الأمن والنظام العام. أصبحت الفكرة الرئيسية التي تُقدم كتبرير للحظر هو أن النقاب سيجعل عمل الشرطة في مراقبة الأمن في الشوارع غير ممكن. وهكذا حسم النقاش الحاد حول الجانب المبدئي في القضية، بنص واضح ولكنه نص شديد البراجماتية. ساركوزي وصف النقاب بأنه "مهين" للمرأة. لكن هذا الموقف "المبدئي" لا وجود له في نص القانون الجديد. البرلمان الفرنسي اعتبر أن النقاب "يتناقض مع مبادئ الجمهورية الفرنسية"، وإذا كانت هذه العبارة ذات أثر إيجابي على الناخبين، فإنها هي الأخرى اختفت من النص، حيث تبين صعوبة الدفاع عنها من الناحية القانونية. بالفيديو.. جدل حاد بين الفرنسيين حول البرقع السبب الوحيد رسميا لحظر النقاب هو أنه يعرقل عمل الشرطة في المحافظة على النظام العام. شاهد الفيديو..