أثار روبرت فيسك في صحيفة "الإندبندنت" البريطانية من جديد قضية مقتل المواطن المصري محمد مسلم في قرية كترمايا بلبنان والتمثيل بجثته وإشاعة المشاهد المفجعة عبر وسائل الإعلام في كل أنحاء العالم، حيث ذهب فيسك بنفسه إلى القرية لتقصى حقيقة ما حدث والاستماع لشهادة الأهالي في الواقعة التي فاقت بشاعتها كل الحدود، ما جعله يعتبر أن سنوات الحرب الأهلية في لبنان، والمجازر الإسرائيلية عليها ربما تكون قد ساهمت بشكل كبير في كم العنف والوحشية الذي تعامل به الأهالي مع الحادث. يقول فيسك في مقاله إن ما حدث في إبريل الماضي لم يكن سوى انتصار لقانون الغابة والجنون الجماعي على القانون الوضعي والضمير الإنساني. فقد صرح رئيس شرطة قرية كترمايا إن محمد مسلم لم يشنق على شجرة، وإنما قام الأهالي بتعليقه على عامود نور عبر خطاف جزارة مرروه من حنجرته بعد أن جردوه من ملابسه. ولأن الأمر يبدو مثيرا للسخرية المريرة، يقبع مسجد كترمايا في الجهة المقابلة للعمود الذي شنق عليه مسلم بعد اتهامه بجريمة قتل 4 أفراد من نفس الأسرة، عجوزين وحفيدتيهما، بينما يجتمع الأربعة في مقابر على بعد أمتار من مكان الواقعة، وأمتار أخرى من مقابر الشهداء اللبنانيين ضحايا القصف الإسرائيلي. ويتعجب فيسك من أن أهالي القرية التي مازالت تلفها رياح المأساة، لا يصدقون أنهم فعلوا ما فعلوه حتى الآن، ما يعني أن ضمائرهم مازالت مصدومة ومعذبة من الواقعة التي هزت لبنان بأسره. ولم يشفع للمتهم أنه مصري الجنسية، لكن معظم الأهالي يحملون الشرطة مسئولية ما حدث، ووصف بعضهم خطوة إحضار مسلم لتمثيل الجريمة في مكان الواقعة بالغباء، حيث يتحرك الناس في مثل هذه الوقائع بدافع الغضب الذي يؤدي إلى الجنون في النهاية. ويوضح فيسك أن الشرطة ألقت القبض على اثنين فقط من المشتبه بهم في قتل مسلم، في الوقت الذي هاجمت فيه منظمة هيومن رايتس ووتش والعديد من الجمعيات الحقوقية قوات الشرطة اللبنانية، وأمرت بفتح تحقيقات موسعة، وسن قوانين صارمة لمنع الإعدام خارج القانون. واعتبرت المنظمات أن لبنان بأكملها في حالة امتحان إلى أن تثبت أن السيادة فيها للقانون، وليس لقوانين الغابة. واختتم روبرت فيسك تحليله قائلا إن الحرب الأهلية في لبنان خلفت ورائها بحارا من الدم، وجعلت المجرمين يفرون وأياديهم ملوثة بالدماء، ويبدو أن هذه المآسي مازالت تعشش في نفوس الناس هناك.