ذكر العالم برستد أنه عندما نفحص الدين المصرى فى أقدم وثائقه التى وصلت إلينا يتضح، أن ظاهرتين طبيعيتين أثرتا فى المصريين هما: الشمس والنيل، الشمس متجسدة فى رع والنيل متجسدا فى أوزير. وتذهب الأسطورة إلى أن إله الشمس أنجب إله الهواء شو وزوجته إلهة الرطوبة تفنوت اللذين أنجبا إله الأرض جب وإلهة السماء نوت وهما بدورهما أنجبا أوزير وست وإيزيس ونفتيس. أراد الإله ست التخلص من أخيه أوزير، فدبر مكيدة ملخصها أنه صنع تابوتا وأن من يكون التابوت على مقاسه فهو من نصيبه. وكان قد صممه على مقاس أوزير الذى رقد فيه ولم يخرج منه، إذ إن ست أغلقه ورماه فى النيل إلى آخر الأسطورة كما رواها فلوترخوس، بينما ذكر برستد أنه لا يوجد أى أثر فى المصادر المصرية لحكاية التابوت، حيث إن أقدم مصدر وهو نصوص الأهرام أشار إلى الحادث بقوله «لقد أوقعه أخوه ست إلى الأرض» وفى نص آخر ذكر كاتب الأسطورة «لقد أغرق أوزير فى مائه الجديد: الفيضان». علمت إيزيس بالخبر فانطلقت تبحث عن جسد زوجها ومعها أختها نفتيس حتى تم العثور على الجثة فى بيبلوس فى (لبنان حاليا) فى أغلب الروايات. عادا به إلى أحراش الدلتا فى مصر. وكانت الأختان قد تجسدتا فى صورة عصفورين. اقتربت إيزيس من زوجها أوزير وأطلقت صفقة رعد بقوة سحرها فأنجبت منه حورس. وجاء فى نصوص الأهرام أن إيزيس قالت لأوزير: جئت إليك تغمرنى البهجة من أجل حبك. الأم إيزيس والخالة نفتيس احتضنتا الطفل حورس وتولتا رعايته حتى صار شابا. بعد ذلك تبدأ الأسطورة فى سرد تفاصيل الصراع بين حورس وست حول من منهما الأحق بعرش مصر: حورس أم ست؟ انتقل الصراع إلى ساحة القضاء، وبعد سماع الادعاء والخصوم والدفاع، وبعد سرد الكثير من التفاصيل الشيقة عن دور إيزيس فى اقناع رؤساء المحكمة بأحقية ابنها فى العرش، صدر حكم المحكمة لصالح أوزير وابنه حورس. وجاء فى نصوص الأهرام «كل الآلهة يبتهجون بانتصار أوزير»، ويرى برستد أن العقوبة التى حكمت بها المحكمة اختلفت مع اختلاف صيغ الأسطورة وتطورها. وإذا كان البعض يرى أن ست هو رمز الشر فى الأسطورة، فإن آخرين لهم رأى آخر ومن بينهم برستد الذى رأى أن تقاسم حورس وست على عرش مصر، رغم الخصومة، يبرز وجها آخر لست الذى يظهر فى مراسم الجنازات وهو يستخدم لعابه لتطهير الموتى بالضبط مثل حورس. ويتآخى مع الموتى مثل حورس. كما أن ست وحورس يظهران جنبا إلى جنب فى نصوص الأهرام دون أن يوجد أقل إيحاء بأن ست إله شرير وممقوت. بل إن الأسطورة أسندت إلى ست مهمة تقديم السلم الذى يصعد به الميت إلى إله الشمس. وفى أسطورة أخرى فإن ست يتحول إلى حيوان خرافى يبتلع حيوانا خرافيا آخر يحاول ابتلاع ضوء الشمس. هذا هو الهيكل العام للأسطورة أو للحدوتة، أما المضمون فهو محمل بالكثير من قيم النبل الإنسانى، وهو أمر أكده كثيرون من علماء المصريات مثل برستد الذى ذكر أن إيزيس جسدت رمز النبل فى وفاء الزوجة لزوجها. وجسدت عاطفة الأمومة نحو ابنها. وعن هذه الجماعة التى انتظمت أبا وأما وابنا حاك الشعب نسجا جميلا من المثل العليا للأسرة، تسمو سموا عظيما على مثل هذه التصورات فى أى مكان آخر. وفى هذه الأسطورة وجد نظام الأسرة أقدم وأرفع تعبير له فى الدين. والوعى الخلقى العميق الذى نظر فيه المصرى إلى العالم، والمغزى الثانى فى الأسطورة أن الإله يتحول إلى صديق للإنسان وحاكم رءوف للموت، وأنه هو الذى يعطى الحياة للوديع والموت للمذنب، والمغزى الأخلاقى الثالث يتمثل فى إصرار حورس على البحث عن أبيه، وعندما عثر عليه قدم له عينه التى نزعها ست منه ثم استردها حورس بمعاونة الإله تحوت الذى تفل على الجرح وشفاه. وإذا تذكرنا أن الأم فى عصرنا الحالى ما زالت تنفخ فى عين ابنها لشفائها، علمنا أصل هذه العادة الشعبية. وإذا كانت عين حورس مقدسة فى الأسطورة الأوزيرية، فإن الموروث الشعبى وعبر آلاف السنين أطلق عليها «العين عليها حارس»، وذكر برستد: «إن هذا المنهج فى شفاء العين كدواء شعبى انعكس فى الأسطورة حاز ذيوعا عظيما ووجد سبيله إلى آسيا. بل ظهر فى الحادثة التى تصور يسوع (عليه السلام) وهو يستخدم نفس الوسيلة لشفاء الأعمى. وغدت عين حورس فى الوجدان المصرى رمزا لكل تضحية. كما أن آلاف العيون المصنوعة بالطلاء الأزرق والأخضر أو التى نحتت من الأحجار الكريمة التى تزخر بها متاحفنا والتى يحملها آلاف السياح، هى أثر قصة حورس وإخلاصه لأبيه»، وذكر أيضا أن أثر الأسطورة انتقل إلى شعوب أخرى أطلقت على العين «الملاك الحارس»، وفى عصرنا الحاضر ما زلنا نقول «أفديك بعينى». والمغزى الرابع هو أن ظهور الحق تم بواسطة القضاء، كتأكيد على أهمية العدالة التى ابتكر المصرى لها إلهة هى ماعت، وذكر برستد أن رع وأوزير كانا شبيهين بالإنسان العادى واصطبغا بالصبغة الروحية، والمغزى الأخير أن الأسطورة هى أقدم صورة للصراع بين الخير والشر، وانتقلت إلى الأدب العالمى بعد آلاف السنين. وعثر العالم أدولف إرمان على عدة صفات لإيزيس من بينها الطاهرة، وكانت فى فريجيا أما مقدسة. وفى أثينا الإلهة أثينا وفى قبرص أفروديت وفى كريت أرتميس. ولم يكن ثمة أحب إلى قلب الشعب من حورس الطفل وهو يمص إصبعه. كما كان يستحب تمثيل إيزيس مع رضيعها وهى تعطيه ثديها فى وضع يذكرنا بتماثيل السيدة العذراء. ولهذا ليست مصادفة أن نرى إيزيس ابتلعت جميع الآلهة التى كانت تعبد فى أوروبا.