وضع الجنرال ماكريستال الرئيس أوباما فى وضع مستحيل، ولذلك كان لا بد أن يرحل. فمهام أى جنرال تنطوى على تنفيذ السياسات التى يضعها القائد العام، ووضع الاستراتيجية، وكسب الحروب، لا أن يقوم بألعاب سياسية فى وسائل الإعلام للنيل من خصوم سياسيين داخل الحكومة. فقد استلزم ما فعله ماكريستال أن يقوم أوباما إما بتغيير قادة عسكريين فى لحظة حاسمة من الصراع فى أفغانستان أو المخاطرة بأن يبدو ضعيفًا أو غير قادر على السيطرة. وهو خيار لا يجب أن يجبر عليه رئيس جمهورية. لكن مشكلة ماكريستال ألقت الضوء أيضا على العراقيل التى تواجه مساعى أوباما للعثور على طريق ثالث بين الفرقاء السياسيين فى البيت الأبيض. وكان جميع أفراد فريق الرئيس بمن فيهم ماكريستال أعربوا عن موافقتهم على تسوية أوباما: أن يعطى ماكريستال القوات التى قال إنه يحتاج إليها لتحسين الموقف، مع تحديد مدة زمنية واضحة لبقاء القوات. ومن الناحية العملية، واصل مستشارو الرئيس الصراع فيما بينهم، وبذروا الشكوك بشأن السياسة الحقيقية. فأعلن أولئك المعارضون لاقتراح ماكريستال تعزيز القوات أن الموعد الذى أعلنه أوباما لسحب القوات فى يوليو موعد حاسم، بينما قال مؤيدو ماكريستال إن الموعد النهائى مرن. وانقسمت الإدارة على نحو علنى بشأن كيفية العمل بفاعلية مع الرئيس الأفغانى حامد قرضاى. فعلى النقيض مما يرى ماكريستال، يعتقد السفير كارل إيكنبرى وكذلك ريتشارد هولبروك المبعوث الخاص لأفغانستان وباكستان أن قرضاى زعيم ميئوس منه وتعيس. ونظرا للحرب الدائرة داخل الإدارة، شعر قرضاى بحرية كاملة للمشاركة فى الجدل الذى أطلقه مقال «رولينج ستون» بعنوان «دع الأمور تجرى فى أعنتها». وأعلن قرضاى أنه يرى أن ماكريستال «أفضل قائد أرسلته الولاياتالمتحدة إلى أفغانستان». وأصبح رئيس بلد آخر مشاركا فى المداولات السياسية داخل بلدنا. وللمفارقة، أبرزت تعليقات قرضاى الداعمة لماكريستال السبب الذى كان يجب من أجله إبعاد الجنرال. وأوضحت فقرة لا تكاد تكون ملحوظة فى مقال مايكل هاستنجز فى «رولنج ستون» مشكلة ماكريستال الرئيسية. كتب هاستنجز: «تعامل ماكريستال مع حامد قرضاى أوضح مثال على اغتصابه لسياسة الدبلوماسية». فماكريستال وليس دبلوماسيون مثل إيكنبرى أو هولبروك هو من يتمتع بأفضل علاقة مع الرجل الذى تعتمد عليه أمريكا فى قيادة أفغانستان. وتستلزم فكرة مكافحة التمرد وجود حكومة ذات مصداقية. ونظرا لأن قرضاى لا يتمتع بمصداقية لدى شعبه، يبذل ماكريستال أقصى جهده لإكسابه هذه المصداقية». ومن المفترض أن تتناسب الاستراتيجية العسكرية مع الحقائق فى الواقع. لكن ماكريستال كان يسعى لاختراع حقيقة بديلة تجعل الوقائع ملائمة لاستراتيجيته فى مكافحة التمرد، حيث يسعى لتحويل قرضاى إلى شخص آخر غير ما هو عليه. وأدى الانقسام المعلن فى الجانب الأمريكى إلى إضعاف دوافع قرضاى لتغيير سلوكه. ثم كان هناك ضعف الخبرة اللافت الذى أبرزه مقال «رولينج ستون»، وهو ما يمكن تلافيه بالاعتماد على خليفته الجنرال ديفيد بتريوس. وكان هناك أيضا الازدراء الذى أبداه ماكريستال نحو جميع من هم خارج دائرته الضيقة. فما هى الرسالة التى اعتقد ماكريستال أنه يرسلها عبر هاستنجز؟ لكن الأمر الأسوأ هو عدم مبالاة ماكريستال بالتأثير المحتمل للمقال. فمفتاح استراتيجية مكافحة التمرد هو إدراكها لتأثير السياسة، والحكم، والرأى العام على فرص النجاح. ومقال من هذا النوع يقوض ما كان يفعله ماكريستال، كما أسفرت العجرفة التى ظهرت فى هذا المقال عن نتيجة سيئة، خاصة أنه لا يبدو أن استراتيجية ماكريستال العسكرية حققت نجاحا حتى الآن. غير أنه لا يمكن إعفاء أوباما من اللوم. بل على العكس، فقد تمسك بماكريستال على الرغم من وجود دلائل كافية على أن الجنرال سوف يتحايل لفرض أفضلياته عبر العاملين فى البيت الأبيض. فضلا عن أن نهج أوباما نحو أفغانستان، الذى كان دائما متوازنا بصورة دقيقة، يتمثل فى استراتيجية معتدلة ليست متشددة إلى حد كبير أو متساهلة إلى حد كبير، هى: التصعيد الآن من أجل الإسراع فى الانسحاب. وكانت فكرة جيدة، ربما تتيح لنا أن نترك خلفنا وضعا متحسنا بصورة معقولة. المشكلة هى أن هذا التوازن الدقيق يتطلب تعاون جميع من فى الإدارة، وقبول أن السياسة قد استقرت وليست مطروحة للنقاش الدائم. كما يتطلب أن يتوافق أصحاب الذوات المتضخمة. ويستلزم أن يتغير قرضاى، وأن يكون لأوباما النفوذ الكامل على جيشنا. وقد أكد أوباما هذا النفوذ فى بيان كان رقيقا ولكنه حاسم، وقام بتذكير فريقه المنقسم بأهمية «توحيد الجهود». لكنه مازال بحاجة إلى أن يجعل أهدافه أكثر وضوحا، بدءا من الإجابة عن السؤال: هل نحن جادون بشأن بدء الانسحاب فى يوليو المقبل؟ ووفقا لما حدث حتى الآن، لا بد أن نكون جادين بالفعل.