المقررات الدراسية لا تكفى وحدها لكى تنقل الطلاب من مدرجات الجامعة إلى مكاتب الشركات ومواقع العمل، بعضهم أخذ زمام المبادرة وقرر مساعدة نفسه ومساعدة زملائه عن طريق أنشطة طلابية مستقلة وبدأوا مبكرا طريقهم إلى الحياة العملية. خلال سير حسام عمرو سويلم الطالب بالسنة الثالثة فى كلية الهندسة بجامعة القاهرة يناديه أحد زملائه مبتسما «يا سيادة الرئيس!»، فيبتسم حسام بدوره. الوصف ليس مزاحا تماما، لأن حسام فعلا هو الرئيس المنتخب بالاقتراع المباشر ولمدة سنة واحدة هى الدورة الحالية للنشاط الأشهر فى الكلية الآن، وربما فى جامعة القاهرة كلها: «ستب STP» أو «Steps Towards Progress». «ستب» هو نشاط يهدف لمساعدة طلاب الجامعات على اكتساب مهارات ومعارف لا يدرسونها فى المقررات الدراسية لتخصصاتهم، ولكنها ضرورية لسوق العمل الحالية. والمميز فى «ستب» أنه يقوم بشكل أساسى على تطوع الطلبة الذين يكتسبون هذه المهارات وينقلونها لزملائهم عبر ورش عمل مجانية، بالإضافة لكون النظام الداخلى ل«ستب» يمنح استقلالية كبيرة للنشاط الذى يجدد نفسه عبر آليات انتخاب سنوية. بدأت «ستب» فى العام الدراسى 2005/2006 بمبادرة من الطالب محمد سمير. كان سمير قد أتيحت له فرصة للتدرب فى شركة بترول كبرى، وهناك شعر بأن المعارف التقنية وحدها لا تكفى لكى يكون كفئا فى عمله. وشعر بتفوق المهندسين الأجانب على أقرانهم المصريين، رغم أن الأخيرين ربما يكونون على نفس المستوى من المعرفة العلمية. شكل سمير مع مجموعة من زملائه النواة الأولى للنشاط ونجحوا فى إقناع بعض الشركات لرعاية الفكرة. بدأت الفكرة باسم STEP اختصارا ل«Steps Towards Engineering Progress» «خطوات نحو تقدم الهندسة». فقد كان كل أعضاء النشاط الذين بلغوا 50 طالبا من كلية الهندسة، وقدموا ل300 طالب 5 ورش عمل فى التفكير الهندسى والتسويق والاقتصاد ودراسة مخاطر المشروعات والتفكير المبدع. وفى نهاية العام الدراسى تم اختياره من قبل إدارة الكلية كأفضل نشاط طلابى لهذا العام. بعد نجاح السنة الأولى قرر أعضاؤها قبول اشتراك طلاب من كليات أخرى بنسبة30% سواء فى إدارة النشاط أو فى الاستفادة من الورش، وألغوا كلمة الهندسة من اسم النشاط، واتسعت مجالات النشاط لتصل هذا العام إلى 7 ورش موضوعاتها: سوق البورصة، إدارة المشروعات، إدارة الأعمال والاقتصاد، التنمية البشرية، إدارة المخاطر، الهندسة للحياة ومهارات التسويق والإعلان. بالإضافة لفاعليات ومحاضرات عامة ومعارض توظيف وإصدار مجلة STPanza وإنشاء راديو «ستب» على الإنترنت لنشر أفكار وقيم «ستب» بين الشباب. تقول رنا محفوظ، الطالبة بالسنة الأولى فى كلية الصيدلة، ومسئولة العلاقات الخارجية فى «ستب» أن تحديد موضوعات الورش يعتمد بالأساس على دراسات للسوق يتعرف عليها الطلبة من خلال الرعاة الأكاديميين ل«ستب»، وهم خبراء فى شركات كبرى إدارة الأعمال والتوظيف والتدريب والتنمية البشرية. وأيضا من خلال خبرات الطلبة أنفسهم فى مواقع التدريب أو العمل بعد التخرج. حيث تبلغ نسبة الخريجين 10% من أعضاء «ستب»، ومعظمهم ممن استفادوا منه أو أداروه قبل تخرجهم. «4000 طالب استفادوا من نشاط ستب خلال الأربع سنوات» بحسب حسام سويلم، رئيس الدورة الحالية للنشاط «يتقدم الكثيرون ويتم اختيار العدد الذى يناسب قدرتنا عبر المقابلة الشخصية والمفاضلة، بحسب خلفية الطالب التى تساعده على الاستفادة من الورش، وأيضا يتم اختيار الأفضل بين غير المقبولين لحضور ورش وبرامج ابتدائية». النشاط توجه أيضا إلى طلاب بعض المدراس الثانوية منذ 2007 ببرنامج «جونيورز» الذى يتضمن ورشا عن إدارة الوقت ومهارات النجاح واتخاذ القرار. يعلق حسام هنا «اهتممنا بشكل خاص بقرار اختيار التخصص فى دراستهم الجامعية، وحاولنا تبديد الفكرة النمطية عن أن النجاح مرتبط فقط بكليات القمة، بغض النظر عن ميول وقدرات كل شخص وعن الفرص المتاحة فعليا فى سوق العمل». رغم تعجب البعض من أن يحاضر طلبة الجامعة لطلبة المرحلة الثانوية، إلا أن الفكرة نجحت والكثير من خريجى «جونيورز» الذين التحقوا بجامعة القاهرة أصبحوا أعضاء فى «ستب». تقول رنا محفوظ: إن جزءا من نجاح «ستب» يعود إلى أنه لا حاجز بين عضو النشاط والطالب المستفيد، فهم فى النهاية زملاء وفى أعمار متقاربة. تعلن «ستب» فى أوراقها وعلى موقعها أنها تقوم على الإيمان بقيم روح الفريق والتكامل والتميز والقيادة. والنظام الداخلى لها يتميز بكونه يجمع بين اختيار أعضاء النشاط أنفسهم لبرنامج عمل السنة القادمة، وبين تجديد الهيكل التنظيمى كل عام. فى نهاية مارس تنتهى ورش «ستب» وينتهى دور لجانها الثلاثة: التنظيمية والأكاديمية ولجنة الموارد البشرية، ودور الهيئة العليا التى تتشكل من رؤساء اللجان مع الرئيس ومساعده. ويتم اختيار لجنة لتنظيم الانتخابات من 3 أفراد لن يترشحوا للرئاسة. يقول حسام سويلم: «الترشح يكون كفريق مكون من اثنين يودان الترشح لمنصب الرئيس ومساعده، وعليهما تقديم برنامج كامل، يشمل الخطة الزمنية لنشاط العام القادم، ودراسة لفرص التمويل وعدد المتطوعين المطلوب، وخطط بديلة فى حالة عدم توفر ذلك. فى يوم محدد، يعرض كل رئيس ونائبه برنامجهما على الأعضاء. وفى يوم آخر يدلى الأعضاء بأصواتهم لاختيار رئيس جديد وبرنامج جديد، ويجب ألا يقل عدد الناخبين عن 75% من الأعضاء. وبعد ذلك يبدأ تشكيل جديد لهيكل «ستب»، يتقدم الراغبون فى عضوية الهيئة العليا، ويختارهم الرئيس ومساعده، وهم بدورهم يختارون مساعديهم ومسئولى اللجان الفرعية. ومن أبريل إلى بداية الورش فى سبتمبر، يتلقى أعضاء «ستب» الجدد دورات مكثفة فى الموضوعات التى سيدرسونها لزملائهم، بالإضافة لدورات تدريب مدربين TOT. هذا النظام الانتخابى أتاح التجديد الكبير فى هيكل النشاط بدون أن يؤثر على استقلاله الطلابى. فاللوائح والأنشطة تتطور من عام لآخر، ومن بين أعضاء هذا العام لا يوجد إلا واحد فقط كان من المجموعة المؤسسة. باستثناء بعض التوتر مع الإدارة الجامعية العام الماضى، أرجعه بعض الطلبة إلى كلمة خرجت عن هذا إطار النشاط فى تجمع احتفالى للأعضاء. فتلك «الديمقراطية الطلابية» تلقى ترحيبا كبيرا، فبعد العام الثانى من نشاط «ستب» تم ترشيحه للتكريم فى مئوية جامعة القاهرة كأحد أفضل نماذج النشاط الطلابى. وفى بداية عامه الثالث شارك فى المنتدى الدولى للشباب فى شرم الشيخ كممثل وحيد عن النشاط الطلابى فى الجامعات الحكومية المصرية. تزامن مع بداية «ستب» أنشطة مماثلة مثل Aces فى كلية الهندسة بجامعة عين شمس، ولكنه إلى الآن مقتصر على طلبة الهندسة. وبعدهما نشأ «إكو» فى كلية الفنون الجميلة بجامعة حلوان ثم فى كلية الهندسة بجامعة القاهرة. هذا العام نشأ نشاط مماثل تحت اسم «IST». والرعاية التى تحظى بها كل هذه المشروعات من كيانات اقتصادية كبرى وشركات توظيف، يعنى أنها ناجحة إلى حد كبير فى أن تكون جسرا فعالا بين الجامعة وسوق العمل.
