تعرف على سعر الدولار اليوم الخميس 2 مايو مقابل الجنيه    وزير الدفاع الأمريكي يبحث مع نظيره الإسرائيلي مفاوضات صفقة تبادل الأسرى واجتياح رفح    عقوبات أمريكية على روسيا وحلفاء لها بسبب برامج التصنيع العسكري    عاجل.. الزمالك يفاوض ساحر دريمز الغاني    رياح وشبورة.. تعرف على حالة الطقس اليوم الخميس 2 مايو    ضبط عاطل وأخصائى تمريض تخصص في تقليد الأختام وتزوير التقرير الطبى بسوهاج    تشيلسي وتوتنهام اليوم فى مباراة من العيار الثقيل بالدوري الإنجليزي.. الموعد والتشكيل المتوقع    خبير تحكيمي يكشف مدى صحة ركلة جزاء الإسماعيلي أمام الأهلي    فلسطين.. قوات الاحتلال تقتحم مخيم قلنديا شمال شرق القدس المحتلة    الثاني خلال ساعات، زلزال جديد يضرب سعر الذهب بعد تثبيت المركزي الأمريكي للفائدة    بتهمة التحريض على الفسق والفجور.. القبض على الإعلامية "حليمة بولند" في الكويت    التحضيرات الأخيرة لحفل آمال ماهر في جدة (فيديو)    ما الفرق بين البيض الأبيض والأحمر؟    متى تصبح العمليات العسكرية جرائم حرب؟.. خبير قانوني يجيب    أول ظهور ل أحمد السقا وزوجته مها الصغير بعد شائعة انفصالهما    بتهمة التحريض على الفسق والفجور.. القبض على حليمة بولند وترحيلها للسجن    «البنتاجون»: أوستن أكد لنظيره الإسرائيلي ضرورة ضمان تدفق المساعدات إلى غزة    طريقة عمل الآيس كريم بالبسكويت والموز.. «خلي أولادك يفرحوا»    مسلسل البيت بيتي الجزء الثاني يواصل تصدره التريند بعد عرض الحلقة ال 3 و4    أمطار تاريخية وسيول تضرب القصيم والأرصاد السعودية تحذر (فيديو)    حسن مصطفى: كولر يظلم بعض لاعبي الأهلي لحساب آخرين..والإسماعيلي يعاني من نقص الخبرات    سعر الموز والخوخ والفاكهة بالأسواق اليوم الخميس 2 مايو 2024    مُهلة جديدة لسيارات المصريين بالخارج.. ما هي الفئات المستحقة؟    كيف يؤثر الذكاء الاصطناعي في الموارد البشرية؟    احذر الغرامة.. آخر موعد لسداد فاتورة أبريل 2024 للتليفون الأرضي    لاعب الزمالك السابق: إمام عاشور يشبه حازم إمام ويستطيع أن يصبح الأفضل في إفريقيا    وليد صلاح الدين يرشح لاعبًا مفاجأة ل الأهلي    هاجر الشرنوبي تُحيي ذكرى ميلاد والدها وتوجه له رسالة مؤثرة.. ماذا قالت؟    عميد أصول الدين: المؤمن لا يكون عاطلا عن العمل    بشروط ميسرة.. دون اعتماد جهة عملك ودون تحويل راتبك استلم تمويلك فورى    البنتاجون: إنجاز 50% من الرصيف البحري في غزة    هذه وصفات طريقة عمل كيكة البراوني    أهمية ممارسة الرياضة في فصل الصيف وخلال الأجواء الحارة    صندوق مكافحة الإدمان: 14 % من دراما 2024 عرضت أضرار التعاطي وأثره على الفرد والمجتمع    ترابط بين اللغتين البلوشية والعربية.. ندوة حول «جسر الخطاب الحضاري والحوار الفكري»    حكم دفع الزكاة لشراء أدوية للمرضى الفقراء    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 2 مايو في محافظات مصر    بسام الشماع: لا توجد لعنة للفراعنة ولا قوى خارقة تحمي المقابر الفرعونية    مظهر شاهين: تقبيل حسام موافي يد "أبوالعنين" لا يتعارض مع الشرع    الأنبا باخوم يترأس صلاة ليلة خميس العهد من البصخة المقدسه بالعبور    يوسف الحسيني : الرئيس السيسي وضع سيناء على خريطة التنمية    اشتري بسرعة .. مفاجأة في أسعار الحديد    النصر يطيح بالخليج من نصف نهائي كأس الملك بالسعودية    حيثيات الحكم بالسجن المشدد 5 سنوات على فرد أمن شرع فى قتل مديره: اعتقد أنه سبب فى فصله من العمل    برج الميزان .. حظك اليوم الخميس 2 مايو 2024 : تجاهل السلبيات    أخبار التوك شو|"القبائل العربية" يختار السيسي رئيسًا فخريًا للاتحاد.. مصطفى بكري للرئيس السيسي: دمت لنا قائدا جسورا مدافعا عن الوطن والأمة    أول تعليق من الصحة على كارثة "أسترازينيكا"    بعد أيام قليلة.. موعد إجازة شم النسيم لعام 2024 وأصل الاحتفال به    لبنان.. الطيران الإسرائيلي يشن غارتين بالصواريخ على أطراف بلدة شبعا    مفاجأة للموظفين.. عدد أيام إجازة شم النسيم في مصر بعد قرار ترحيل موعد عيد العمال    بروسيا دورتموند يقتنص فوزا صعبا أمام باريس سان جيرمان في ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    القوات الأوكرانية تصد 89 هجومًا روسيًا خلال ال24 ساعة الماضية    حمالات تموينية للرقابة على الأسواق وضبط المخالفين بالإسكندرية    النيابة تستعجل تحريات واقعة إشعال شخص النيران بنفسه بسبب الميراث في الإسكندرية    أكاديمية الأزهر وكلية الدعوة بالقاهرة تخرجان دفعة جديدة من دورة "إعداد الداعية المعاصر"    بقرار جمهوري.. تعيين الدكتورة نجلاء الأشرف عميدا لكلية التربية النوعية    الوطنية للتدريب في ضيافة القومي للطفولة والأمومة    وزير الأوقاف: تحية إعزاز وتقدير لعمال مصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوارات هيكل الجزء الثامن والعشرون
نشر في الشروق الجديد يوم 26 - 06 - 2010

الحديث فى هذه الحلقة عن كونى وزيرا بعيد عن السياق الأصلى لهذه المرحلة وهى حرب الاستنزاف، ولكنى أظن فى مرحلة قصيرة على الطريق سوف نجد أنفسنا بالضبط فى صميم حرب الاستنزاف وعند أكثر المواقع حساسية فيها، وسوف أقف أمام تجربتى كوزير لأنى أعتقد لو أنها جملة استطرادية فى هذه الأحاديث فأنا أعتقد أنها تجربة بالنسبة لى شديدة الأهمية، فهى تجربة لم أردها وقد شرحت ذلك ولكنى فى النهاية قبلتها وكان عندى إحساس فى واقع الأمر وفى ذلك الوقت أننا أثقلنا على جمال عبدالناصر فى مرحلة شديدة وصعبة عليه عصبيا ونفسيا وسياسيا ومن كل الزوايا وأولها تقديره أننا مقبلون فى حرب الاستنزاف إلى نقطة حيوية وأساسية فى مسار الحرب كلها.
وعلى أى حال فقد وافقت على منصب الوزير ولدىّ تحفظات. وكان لدىّ انطباع مسبق عن الوزارات، فأنا أعرف أن لقب وزير أصله فارسى والأصل فى لقب وزير هو رجل يساعد كسرى ويحمل عنه أثقاله ويتولى ويتحمل عنه عقاب الظروف إذا فشل وهو رجل يمكن الاستغناء عنه وهو فى خدمة كسرى، وهى التى ظهر منها لقب وزير، ويحمل بالأثقال ويتصرف، وأظن أن معنى وزير أنه كما ورد فى النص القرآنى فى سورة طه «واجعل لى وزيرا من أهلى هارون أخى أشدد به أزرى وأشركه فى أمرى»، النص واضح فيه المساعدة.
لقب الوزير فى مصر لقب مستجد فقد ظهر هذا اللقب فى فارس وانتقل للخلافة العباسية الأولى والعصر العباسى الأول وهناك الوزراء المشهورون من البرامكة حتى من فارس، مثل يحيى البرمكى وجعفر البرمكى ابنه ومن الوزراء هارون الرشيد، وقد نكبوا لما أراد الخليفة أن يحملهم سوءات حكمه.اختفى اللقب تقريبا من التداول العام لكن ظهر فى الخلافة العثمانية فى إسطنبول وأضيفت إليه وزير أعظم وزير أفخم، وأضيفت إليه ألفاظ أخرى للتضخيم.
وعندنا فى مصر بدأ أيام محمد على وكان يسمى منصب النظارة وظل منصب الوزارة إلى الحماية البريطانية ولأول مرة ظهر لقب وزير لأنه أريد إشعار المصريين أن لقب المصريين ليس قاصرا على الخلافة ولكن مصر أصبحت مساوية لإسطنبول وبها وزراء يمارسون سلطة حكم ولكن بلا دولة، لأننى أعتقد أن مشروع إنشاء الدولة تأخر ولا يزال متأخرا حتى هذا الوقت لأن معنى الدولة أكبر كثير من معنى السلطة، فمن الممكن أن تمارس السلطة فى حدود سيادة الدولة، ولكن اذا كانت السلطة تمارس بعيدا عن فكرة الدولة ويكون كسرى حاضرا فيها أكثر من الشعب ويكون الوزير الذى يخدم كسرى يخدمه شخصيا وليس مسئولا أمام الشعب بأى شكل من الأشكال هو رجل فوق الشعب يعينه السلطان الرئيس أو الملك حتى هذه اللحظة ولم يختلف حتى الآن وأظنه لم يختلف فى العالم العربى كله إلا عندما ينشأ مفهوم الدولة الحقيقى المتعالى على أفراد يمسكون بذمام السلطة ويحكمون ويسمى أنفسهم حكومة.
وفى العالم الذى نشأت فيه الدولة تسمى جهاز السلطة فيه جهاز الخدمة العامة وليس جهاز الحكومة فكلمة الحكومة عندنا غليظة بقسوة، ففى الفترة التى كنت فيها بالوزارة كان باستمرار فى ذهنى أرى بعينى تجربة الوزراء، فتجربة الوزارات كانت عندنا تجربة وزير انجليزى يدعى لورد سيسل عمل مستشارا للنظارة المصرية وكان فيها، مصطفى باشا فهمى، ومحمد سعيد باشا وحتى سعد زغلول كان ضمن هؤلاء النظار.
وظل لورد سيسل مستشارا للنظارة فى مصر من أول 1904 وحتى 1916 حتى الحماية البريطانية. وبالنظر إلى كيف كانت تتم معاملة النظار وكيف كان يأمرهم ويستبد بهم، وهو موضوع من أول القرن الماضى وليس بالبعيد، ولن أتحدث عما حدث فى وقت محمد على ووقت إسماعيل ولا فى وقت عباس ولا فى وقت سعيد وكيف أن النظار لم يكونوا مصريين وعندما بدا أبناء الفلاحين من المصريين يتطلعون إلى منصب النظارة ويصبحون نظارا، أعتقد أن الصورة لم تكن تدعو، فهناك من النظار وجدوا لديهم اختصاصات جاهزة وهى تقريبا محددة، وأود القول إنه فى اختصاصات السلطة فى غياب الدولة يكون فى مجالات وليس فى اختصاصات محددة، والسلطة التى كانت مخصصة على سبيل المثال والتى كانت أكبر سلطة راسخة هى سلطة الأمن، والشرطة وبعدها سلطة الوقف التى كانت أراضى الأمير، والوزارات بشكل أو بآخر كان عملها واضحا، ولكن بسبب غياب الدولة أنشئت وزارات وأعتقد أنها تعمل فى مجالات والأمر كان يتوقف عادة على وزير قوى أو ضعيف، أو ناظر قوى أو ضعيف، فمثلا ناظر قوى مثل سعد زغلول باشا حينما يتحدث عن مجال التعليم وتبدو نبرة صوته أعلى من العادة، ووزير مثل طه حسين ويبدو أن لديه مشروعا ويحاول تحقيقه، وكانت هناك وقتها وزارات التعليم والداخلية والأوقاف، وعارض الانجليز أن يكون هناك وزارة للخارجية وقرروا أنه بعد الحماية أن مصر ليس لديها حماية انجليزية، وأنا أزعم أن مصر لم تكن بها سياسة خارجية حتى جاءت الثورة، لأنه أن تكون هناك علاقة أحادية واحدة وقضية واحدة مع دولة محتلة لنا فهذه ليست سياسة خارجية ولكن سياسة كفاح وطنى، وكان لدينا وزير خارجية كفء فى مرة من المرات وهو محمد صلاح الدين.
لكنه شخص، واختصاصه محدد وكان يقتصر على القضية المصرية والتفاوض مع الانجليز، وهذه لا تصنع علاقات خارجية، وكانت لدينا سفارات فى الخارج لكنها كانت فى سلطة كسرى وفى سلطة الملك فؤاد أو الملك فاروق، وأهم من يتم تعيينهم فى هذه السفارات يمثلون السلطان وكسرى فى واقع الأمر، ويمثلون أكاسرة دون فتوحات وأباطرة دون إمبراطوريات، ولكنهم موجودون، وهى عمليات فى واقع الأمر مراسم، وكان لدىّ انطباعات باستمرار ورأيت التسابق الذى كان يجرى قبل الثورة إلى منصب الوزير وأنا شاب فى ذلك الوقت عائد من تغطية شئون المنطقة المحيطة بنا من أول البلقان وحتى غرب أفريقيا، وكنت عائدا بتصورات وأحلام كبيرة، ورأيت ما يحدث فى مصر ورأيت أنه لا شىء يمارس من الوزراء إلا قلة، وهناك بعض الاختصاصات محددة كالأمن، وهم غير مسئولين أمام السلطة المصرية، فواحد كإسماعيل شاكر باشا الذى كان ناظرا لسكة الحديد ولم تكن هناك حكومة تستطيع تغييره، وأحمد عبدالوهاب باشا فى وزارة المالية وأنا أعتقد أن هؤلاء كانوا وطنيين وقاموا بعمل لا بأس به لكنه فى مجالات سلطة محددة ومحدودة والمسئول عنها تقريبا السلطة الحاكمة، وهى فى ذلك الوقت سلطة احتلال.
ما أود الاشارة إليه أنه لحظة أن يكون منطق الدولة مقتصرا على السلطة والدولة هى الحكومة فنحن أمام مشكلة، لأنه هنا ستكون المرجعية فى تقييم أو تحديد أى أداء أو أى مهمة هى من يملك السلطة، واذا كان الانجليز يملكونها فأى كلام فى التفاصيل تجنى على واقع.
وعندما أصبحت وزيرا للارشاد القومى، وكنت أعرف ما الموجود، وكبحت جماح أى انطباع قد يكون لدى وتصورت أنه لا بد أن أقدم على هذه المهمة حتى بالتشوق الطبيعى لصحفى يريد المعرفة والفهم قبل أن يعرض ما لديه على الناس، وقمت بتجربة أظنها مستجدة بالنسبة لنا وفى الخارج، فعلى سبيل المثال فى الخارج فى إنجلترا وفرنسا هناك أحزاب تتابع الأداء الحكومى، ففى إنجلترا هناك وزارة الظل حيث يكون وزراء المعارضة جاهزين، والبديلون جاهزين وعلى اتصال بالبيروقراطية الدائمة ويستطيعون أن يجيئوا ويستأنفوا العمل.
أما عندنا فعندما يأتى أحد فلا تكون لديه أدنى فكرة عند اختصاصه المقبل عليه والوزير فى الأصل لا بد أن يكون سياسيا ولا يصح أن يكون اختصاصيا فهنا معنى السلطة أكثر من أن يكون معنى السياسة ومعنى العمل السياسى والدولة وفكرة الدولة.
وتصورت وأنا آتٍ لهذه المهمة أن أبدأ بداية قد تكون مستغربة ولذلك نظمت مجلسا استشاريا للوزير وأخذت له سبعة من مكتبى من مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية فى ذلك الوقت، منهم مثلا الدكتور عبدالملك عودة والذى كان أصله عميد اقتصاد وعلوم سياسية جامعة القاهرة، والدكتور أسامة الباز وهو أستاذ قانون وعبدالوهاب المسيرى الذى كان متخصصا فى الأدب والعقل اليهودى، وسميح صادق وهم مجموعة من سبعة وأيضا تحسين بشير الذى كان ملحقا صحفيا فى أماكن كثيرة فى أوروبا، ولم أكن أريد أن أتعامل فى الوزارة مع بيروقراطية الدولة.
ولم أرد التعامل مع الجهاز الحكومى إلا من خلال منطق مؤسسى، وبالتالى أول اجتماعات قمت بها، كانت جميعها فى الأهرام قاصدا أن يكون عمل الوزارة هو إضافى بالنسبة لى وأن الأصل هو الأهرام، وعلى الرغم من قبولى هذا المنصب لكننى أبعدته تماما من سجلى العام باختيارى ولم أرد قول إنه وزير سابق فأنا أستغنى عن اللقب، وتمنيت رغم قبولى أن أعمل شيئا خصوصا أن الوزارة قد تكون قريبة من اختصاصى ومما أستطيع أن أتحدث فيه، وعلى أى حال فقد بدأت باجتماعات تنظيمية تحضرها مجلس المستشارين، وأولى الجلسات كان هناك بالطبع أربعة أو خمسة وزراء وأربع أو خمس مؤسسات كبرى تعمل هناك، والوزارة كان بها هيئة الاستعلامات وكان بها هيئة التليفزيون وهيئة الانتاج التليفزيونى والراديو، والمراسلون الأجانب، وأغرب ما كان موجودا هو الرقابة على التليفونات الخارجية، وظهر بعد ذلك أنه من أول حرب الإنجليز كانوا يراقبون الهواتف الخارجية خصوصا المراسلين الأجانب ماذا يقولون وجهاز الرقابة ذهب للملك فاروق ليراقب بها أعداءه، واتسعت الرقابة مع حرب فلسطين وجاءت كلها وزارة الارشاد، وكنت مندهشا للغاية، لأن الموضوع زاد، وفى هذا الوقت ثبت لى أشياء غريبة مثل عدد التليفونات التى كانت تراقب حينما اصبحت وزيرا للإعلام, اليوم ظهر لى وهو موجود فى العالم كله وهى أن الحاجة هى أم الاختراع لكن بتجربة وزير مصرى فأنا مستعد أن أقول إن الاختراع أبو الحاجة واذا وجد الاختراع فاستعماله بلا حدود، بمعنى أن سهولة أدوات الرقابة بالأدوات الالكترونية تغنى باستعمالها، بمعنى أننا أمام العشرات أو مئات الألوف من المراقبة.
وبعد أن بدأنا سلسلة الاجتماعات كانت لدى ثلاثة أسئلة، أريد أن أسألها لطاقم الوزارة:
1 ما اختصاص الوزارة، وتوصيف عملها بالتحديد؟
2 ما الأجهزة التى ستمارس بها هذه الاختصاصات وكيف؟
3 ما وسائلها لتقييم ما تؤديه، وتعرف ما اذا كانت نجحت أو وصلت أم لا؟
فيما يتعلق بتوصيف هدف الوزارة وجدت أنه وهى وزارة أنشئت سنة 1952 وقت الثورة فى قرارات إنشائها أشياء غريبة ففى القانون رقم 72 لسنة1952 بإنشاء وزارة الارشاد القومى.
مادة واحد: تنشأ وزارة الارشاد القومى ويكون أهدافها توجيه الأفراد وإرشادهم بما يرفع مستواهم المادى والأدبى ويقوى روحهم المعنوية ويحفزهم إلى التعاون والتضحية ومضاعفة الجهد، فى خدمة الوطن وإرشادهم بما يجب لمكافحة الأوبئة والآفات الزراعية والعادات المؤذية، وبصفة عامة ما يعين على جعلهم مواطنين صالحين.
وهذا كلام لا أستطيع أن أفهمه وفى الحقيقة رأيت فى اجتماع مجلس المستشارين الذى قمت به كان هذا الكلام لا يصدق، وهذا الكلام لا يعنى شيئا، حتى تقام عليه مؤسسات وتقام عليه إدارات وتنشأ عليه بيروقراطية دولة، وتكتشف الوزارة أن هناك نحو 200 ألف موظف، بعضهم موجودون فى وظائف تاهوا فيها، فلما أسال رئيس الهندسة الإذاعية ويقول لى إن هناك محطات ومرسلات موجودة على الشواطئ لترسل الاذاعات الموجهة إلى حيث نريد فى العالم العربى، وأنه لا يوجد حصر بالضبط لهذا الكلام.
وكنت فى ذلك الوقت لا أريد ان أحكم بانطباعات سابقة أو أتصرف بمقتضى معلومات سابقة وغير مدروسة فى كل الأحوال، لكننى أريد أن أعرف أكثر، وبالتالى طلبت من الدكتور سيد أبوالنجا، وهو فى ذلك الوقت مسئول عن شركة للخدمات الدراسية والمعلوماتية، كانت موجودة فى نطاق الأهرام فى ذلك الوقت، طلبت منه أن يجلب لى عددا من الخبراء وطلبت منه أجهزة بالتحديد لدراستها، وعمل بعض هذه الدراسات أحد المستشارين والذى كان يعمل فى الشركة وهو الدكتور عاطف عبيد الذى كان باحثا والذى أصبح رئيس وزراء، وقد رأيته كباحث وكان جيدا وقام بعمل هائل، وعندما أصبح رئيس وزراء فغيرى يحكم على أدائه، وحاولنا بكل الوسائل ما هى الصورة التى أمامنا، وصورة واضحة لمعرفة كيفية التصرف، وأنه كيف يمكن أن نؤدى خدمة حقيقية، وكنت متخيلا أن دورنا يكون على أقل تقدير محاولة التنوير فى الشأن العام، وفى الشأن الجارى بقدر ما هو ممكن فى الداخل والخارج.
وتوصلت بعدها ومعى مجلس المستشارين ومعى رؤساء الهيئات إلى كيف أن نؤدى مهمة أعتقد أنها كاستراتيجية هى مهمة وحيدة وهى التنوير قدر ما يمكن، وإتاحة أكبر قدر ممكن من المعلومات والآراء والراحة النفسية لمواطن وسط معركة، ومواطن يخوض مراحل فى حياته وبما فيها بناء مجتمع وبناء دولة، وما يلزمه بالدرجة الأولى أن يكون عالما بما يجرى حوله ومشاركا فى الحوار الدائر لتأكيده وتحقيقه، وعارفا بما يجرى فى العالم، وفاهما لما يحدث سواء حدوثه كأخبار أو آراء، ثم أن يضاف إلى هذا جرعة ثقافة عامة مبسطة وتسليه بقدر ما هو ممكن، لكن عمل الاعلام من الدرجة الأولى التنوير بقدر ما هو ممكن، وكنت أتصور هذا، وتصورت أنه لابد أن يتم تنظيم وزارة على هذا النحو، وفى الحقيقة توصلت، وأخشى أن هذه الوزارة لا لزوم لها أصلا.
وتكررت الاجتماعات فى الأهرام، وفيها الوزارة، وبها أنا، ولكن جاء لى الأستاذ سيد فرج وهو وكيل وزارة فى ذلك الوقت، وقال لى إن بقائى فى الأهرام دون أن أذهب للوزارة ويرانى موظفوها يحدث تأثيرا سلبيا وسيشعر الناس أن الوزارة على الهامش، فوجدت أن معه حقا، لأنه لا يصلح أن أؤدى عمل الوزير من بيت الصحفى، فذهبت أول مرة وفى الحقيقة يجب أن أقول إننى لم أجلس على كرسى وزير ارشاد إطلاقا واعتبرت أن هذا ليس مكانى وأننى جئت لمهمة مؤقتة.
وتجربة ذهابى أول مرة للمكتب، مستعد أن أعملها، لأننى فهمت لماذا تتسابق الناس على منصب الوزير؛ لأن هناك مراسم وطقوسا سلطانية، حيث قال لى أحد وكلاء الوزارة إن هناك أربع سيارات مخصصة للوزير وهناك موتوسيكل مخصص ولم أكن أفهم لماذا أربع سيارات وقلت لهم إن معى سيارة من الأهرام ولا اريد شيئا من سيارات الوزارة، ولكن أول ما دخلت بسيارة الأهرام الوزارة أولا هناك باب خاص للوزير وأسانسير خاص للوزير وحراس ينبهون إلى مجيئى حاجة خطيرة، وأبواب تفتح وتغلق بشدة، واحد يجرى وسعاة يجرون فى القاعات، فوجدت أن المكتب كبير والقاعة كبيرة وقررت الجلوس على الأريكة وأنا موجود فى الوزارة، وعملت قاعدة وهى هناك اجتماع يومى للوزارة، وفى هذا الاجتماع يأتى وكلاء الوزارة ورؤساء المؤسسات مع الوزير ومستشاريه وتناقش كل الموضوعات وتبت فى كل القضايا ونحن موجودون، فى حضور جميع الناس؛ لأنه بهذه الطريقة من الممكن أن تكون السياسة تتابعا، لكن لكل وكيل وزارة يأتى بورقة وأمضى على أوراق إلى آخره، والمسائل تكون غير مترابطة كلام غير معقول.
أحد وكلاء الوزارة بعد الانتهاء من الاجتماع الأول دخل للمكتب يقول إن هناك مسائل يريد أن يحدثنى فيها شخصية، فقال لى عن موضوع سيارات الوزير، فقلت له اننى لا أريد، وقال لى عن راتب الوزير والبدلات، فقلت له إننى لن أحصل على الراتب لأننى أحصل على راتبى من الأهرام ولا أستطيع الجمع بين راتبين حتى وإن كان القانون الصادر يقول بالجمع.
وقال لى إن هناك ما يسمى بالمصاريف السرية وهى خزانة موجودة بحمام الوزير يتصرف فيها كما يشاء دون حسابات، وأنه استعداد لحضورى قام أحد وكلاء الوزارة بالذهاب لمجلس الشعب وحصل على اعتماد إضافى ب150 ألف جنيه وضعت فى الخزانة وهى موجودة بحمام الوزير وشكلها بالخارج تشبه الثلاجة، وسألنى: هل سأنتدب أناسا من الأهرام، فقلت له: لن أنتدب أحدا، واكتشفت شيئا غريبا وهو أن أمضى على تجاوز ب18جنيها، وفى نفس الوقت قالوا لى إن هناك قضية مهمة جدا موجود بها التليفزيون، وصدر حكم أولى بسبعة أو ثمانية ملايين فرنك سويسرى، لأن هناك شركة تقدم أفلاما للتليفزيون لكن العقد كان غريبا.
توصلنا إلى إنشاء هيئة مستقلة للإذاعة والتليفزيون والتى سميت بعد ذلك اتحاد الإذاعة والتليفزيون، على الرغم من نزع كل الاختصاصات التى قد حصل عليها، والتى تصورت أن أضعها فى القانون الأول لاتحاد الاذاعة والتليفزيون، فإذا كان هدفى فى التنوير فأول شىء أطلبه أن يكون القائم عليه هيئة مستقلة تماما بعيدة عن سلطة الدولة، وفكرت فى اتحاد الاذاعة والتليفزيون وأن يكون هيئة مستقلة تعتمد على مواردها وتحصل على الضرائب التى تحصل من الكهرباء وتبيع وتنتج أفلاما ويكون معها استقلال مال كاف، وحاولت أن أطبق نظام بى بى سى، وأن أجعل واحدا أكبر من وزير مسئولا عنها، وبالفعل اخترت الدكتور مصطفى خليل الذى كان بالفعل قد خرج مع الدكتور زكريا محيى الدين نائب رئيس الوزراء لشئون المواصلات، وكنت أتصور قطاع التليفزيون والقطاعات الهندسية فيه كلها تحتاج إلى تجديد، وأتصور كما هو فى انجلترا أن وزير المواصلات ممثل الحكومة فى بى بى سى.
أخذت الدكتور مصطفى خليل وترجيته، واشترط الاستقلال، فقلت له أنا ومن بعدى فى الوزارة سنكون أعضاء فى مجلس الاتحاد ولم نكن رؤساء، وهناك من قال إن هذا مخالف للمسئولية الوزارية، لكن عبدالناصر أقر تماما بما أقوم به.
ومسألة وزير للإعلام أن يكون فقط للاشراف وإظهار صورة الرئيس أو الملك أو السلطان وكيف يخرج فى الصور وينشر عنه أعتقد أن هذا يقوم به مستشار صحفى فى الرئاسة لكن لا يقوم به الوزير.وحينما تمت الموافقة على اتحاد الاذاعة والتليفزيون أرسلت الدكتور مصطفى خليل للندن ليدرس البى بى سى كهيئة مستقلة بعيدة عن الحكومة، وقد تم وضع قانون الاتحاد ووضعه جمال العطيفى الذى كان موجودا فى مجلس المستشارين وبعد ذلك أصبح وزير الاعلام.
وكان من أهم القوانين: أنها مستقلة ولا علاقة لها بوزارة الارشاد القومى أو وزارة الاعلام.
فى الناحية الأخرى الاستعلامات، حيث كانت وزارة الارشاد القومى بها شيئان بالدرجة الأولى أولها التليفزيون والشىء الآخر الاستعلامات ومجموعة من الهيئات ليس لها آخر من أول وكالة أنباء الشرق الأوسط وحتى الرقابة على الهواتف الخارجية والمصنفات الفنية وإدارة المراسلين الأجانب والصحافة العربية، ووكالة أنباء الشرق الأوسط.
كل وكالات الأنباء فى الدنيا نشأت كملكية وتعاون للجرائد فأنشئت مع بعضها وكالات أنباء مثل اسوشيتد برس واليونايتد برس، وقد تقدم العالم عن التصورات المركزية للسلطة وعن التصورات المركزية لكسرى وأعوان كسرى. وكنت أريد الاستقلال للاتحاد وأن تعود مصلحة الاستعلامات كما كانت فى الوزارات وكل وزارة يكون لديها ضابط إعلام للاتصال فقط على أن يكون فى الرئاسة متحدث رسمى باسمها ووزارة الحربية يكون بها متحدث، لكن تصور إدارة مركزية، فمصلحة الاستعلامات لديها ميزانية هائلة تضيع، فالفيلم الاسلايد كان فى الأهرام ب2 مليم، اكتشفت أنه فى الاستعلامات ب 30 قرشا.
فالصرف كان لا يعقل وتصورت أن هذا لا لزوم له ومركزية شديدة فى الجمع، فإذا كانت الوزارة تريد القيام باعلان سيكون هناك مكتب صحفى بها، لكن تصور إعلان مركزى يعلن عن وزارات الدولة وهو فى الواقع يكرر، لأن الوزارات أرسلت مكاتبها وأنشأت مكاتب بديلة، وطلبت كل المكاتب فى الوزارات أن تكون لديها هى، والوزارات أنشأت مكاتب بديلة ولكن اصبح هناك كيان يسمى مصلحة الاستعلامات ووجدت الدكتور عصمت عبدالمجيد أمين عام الجامعة العربية بعد ذلك، ولأن الأسباب متعلقة بالتنظيم السياسى فقد أصبح سفيرا بكندا وجاء بعده محمد حسن الزيات وكان هذا التعيين بعد ترشيح زميلى محمد فائق وكان رجلا على قدر كبير من الاستقامة والنزاهة والكفاءة.
ولكن ببساطة تركيب ما يسمى بالحكومة مسألة تحتاج لإعادة نظر وبشدة وقسوة، وكان مشروعى الذى ذهبت به لعبدالناصر وقلت له إن الاستعلامات غير محدد ومضيعة للوقت والنقود، ومهين أمام العالم الخارجى فكرة وجود وزارة للارشاد القومى فهى لإرشاد من وكيف ذلك، فهل ذلك لاختصاصات؟ فأتصور أنه غير معقول، أما إذا أصبحت للتنوير وهيئة إعلامية مستقلة وشغلها ضخ أخبار وتعرض كل ما يساعد وتنوير وتبصير متفرج ومستمع ليعرف ما يجرى من حوله فى العالم سواء من ناحية الخبر أو الفكر، هذه قضية لا بد أن تكون بعيدة حتى عن كلمة الإرشاد أو حتى الإعلام.
حوارات هيكل (الجزء الأول)
حوارات هيكل (الجزء الثاني)
حوارات هيكل (الجزء الثالث)
حوارات هيكل (الجزء الرابع)
حوارات هيكل (الجزء الخامس)
حوارات هيكل (الجزء السادس)
حوارات هيكل (الجزء السابع)
حوارات هيكل (الجزء الثامن)
حوارات هيكل (الجزء التاسع)
حوارات هيكل (الجزء العاشر)
حوارات هيكل (الجزء الحادي عشر)
حوارات هيكل ( الجزء الثاني عشر)
حوارات هيكل (الجزء الثالث عشر)
حوارات هيكل (الجزء الرابع عشر)
حوارات هيكل (الجزء الخامس عشر)
حوارات هيكل (الجزء السادس عشر)
حوارات هيكل ( الجزء السابع عشر)
حوارات هيكل (الجزء الثامن عشر)
حوارات هيكل( الجزءالتاسع عشر)
حوارات هيكل (الجزء العشرون)
حوارات هيكل (الجزء الواحد والعشرون)
حوارات هيكل الجزء(22)
حوارات هيكل الجزء الثالث والعشرون
حوارات هيكل الجزء الرابع والعشرون
حوارات هيكل الجزء الخامس والعشرون
حوارات هيكل الجزء السادس والعشرون
حوارات هيكل الجزء السابع والعشرون


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.