مثّل النبات عنصرا مهما للغاية فى مصر القديمة، وكان له العديد من المعانى والاستخدامات والتمثيلات والوظائف فى أغلب مظاهر الحياة والموت، واهتم به المصريون القدماء اهتماما كبيرا، واستخدموه لمنافع عديدة، فعلى سبيل، استخدم فى الطقوس الجنائزية بسبب فوائده الجنائزية والطقسية فضلا عن ارتباط بعض أنواعه بآلهة معينة وأيضا لأغراض زخرفية بل وأخرى شعرية. ووظف النبات بكثافة كعنصر زخرفى دال فى أغانى الحب الفرعونية التى ترجع إلى عصر الدولة الحديثة. وأثار هذا الاستخدام الزخرفى عددا من الأسئلة مثل: لماذا استخدم الفراعنة النبات فى هذا السياق الأدبى تحديدا؟ وهل كان هذا الاستخدام مختلفا عن الاستخدامات الأخرى للنبات؟ وما المعنى وراء هذا الاستخدام؟ وما وظيفة هذا الاستخدام؟ وهل كانت هناك أهمية لهذا الاستخدام؟ وما كانت رمزيته ودلالته الأدبية والفنية؟ شكلت أغانى الحب من عصر الدولة الحديثة نوعا فريدا فى الأدب المصرى القديم. وجاء أغلبها من قرية دير المدينة بالبر الغربى لمدينة الأقصر الحالية. وكان، أغلب الظن، النشاط الإبداعى المكثف فى عصر الرعامسة (عصر الأسرتين التاسعة عشرة والعشرين حوالى 1295 1069 قبل الميلاد)، وتحديدا عهدى الملكين سيتى الأول ورمسيس الثالث، الدافع الرئيس وراء ظهور وتطور هذه الأغانى التى ربما ألفتها الصفوة المثقفة فى مدينة طيبة القديمة. وأعاد كتابتها فنانو وكتاب دير المدينة. وتعد أغانى الحب معروفة من مصادر محددة أهمها بردية شستر بيتى الأولى وبردية هاريس بالمتحف البريطانى، وبردية تورين. وعلى الرغم من أن كاتبى أغانى الحب كانوا من الرجال غالبا، فقد نجحوا بصورة كبيرة فى التعبير عن مشاعر النساء القوية تجاه عشاقهن. وتعنى أغانى الحب فى المقام الأول بالإنسان. وتصور الحب كحالة شعرية فريدة. وتمتلئ هذه الأغانى بالإيحاءات الحسية الصريحة. ومثلت تعبيرا متحررا عن الحب والجنس فى مجتمع المدينة المفتوح على الثقافات الوافدة إلى مصر الفرعونية. وتحمل الأغانى فى طياتها رسالة غير مباشرة تعبر عن الحب والرغبة الحميمة بين العاشق والمعشوقة، لكنها تلمح ولا تصرح بأية أنشطة جنسية صريحة. واهتم مؤلفوها بمديح الحب والسعادة والدعوة للاستمتاع بالمتع فوق سطح الأرض. واستخدمت البيئة النباتية وعناصرها الزخرفية بكثافة فى هذه الأغانى، فتعدد ذكر الأحراش، والحقول، والحدائق، والبساتين. وكانت الحقول والحدائق أمكنة محببة للقاء بين العاشقين. وكانت الحدائق بكل نباتاتها وأشجارها، مثل اللوتس والصفصاف، أحد أهم العناصر الرمزية فى الأغانى. وكانت الأشجار لاعبا نشيطا ومحورا فى أغانى الحب. وأغانى الحب، ليست دائما، فى حالات كثيرة قصة حب، وتنتهى عادة نهاية سعيدة. ويشكل المكان والزمان عنصرين مهمين من عناصر قصة الحب هذه. وكانت المناسبات الاحتفالية أوقاتا جيدة لممارسة الحب بين العشاق والعاشقات من الشباب. وربما أبدعت وازدهرت أغانى الحب فى العيد الجميل للوادى واحتفال بداية العام. ولكل أغنية زمنها الخاص، وكان بعض لقاءات الحب يحدث بالنهار أو بالليل. غير أن النهار، عندما تشرق الشمس، كان الأنسب للقاءات الحب. وكان مكان الحب، حيث يلتقى العشاق، أهم عناصر أغانى الحب، والذى كان حديقة فى الغالب. ويعد الحب فى الحديقة موضوعا مكررا فى أغانى الحب حيث أظهرت أغان عديدة أن الحب كان عادة يحدث فى حديقة. وفى هذا السياق المكانى، تمثل الحديقة مكانا يؤطر سياق الحب يمتاز بالتجدد والخصوصية وجمال وروعة الطبيعة. وقد ترمز الحديقة عموما إلى فتاة أو إلى الطبيعة الجنسية الأنثوية على وجه الخصوص، علاوة على كون الحديقة مكانا رائعا شديد الخصوصية والحميمية للعاشق أن يلتقى فيه بمعشوقته. ويمكن أن توصف بعض الحدائق بأنها أماكن للمتعة مخصصة للتجدد والانتعاش والترويح عن النفس. وعلى الرغم من سيادة وسطوة العالم النباتى فى أغانى الحب، لم تذكر كل أنواع النباتات فى هذه الأغانى العديدة. واستخدمت أجزاء من جسد المحبوبة بشكل رمزى وعميق وموح. وتكونت العناصر الزخرفية، التى لعبت دورا محورا فى أغانى الحب، من الأشجار والفواكه والخضراوات والأزهار. وكان من بين النباتات المثمرة لذيذة المذاق التين والتفاح والجميز وكانت توحى عادة بفكرة الخصوبة والتواصل والارتواء. واختيرت الأزهار الملونة والعطرية الفواحة. وتعد لغة النباتات الخاصة بالأشجار والفاكهة فريدة جدا وتعبر تعبيرا حيا وحقيقيا عن الحب وتؤسس لسياقه. وكانت بيئة الحب هذه طبيعية للغاية، مليئة بكل العناصر التى تساعد على تحقيق الحب وازدهاره. وعلى الرغم من أن لغة الأغانى لا تتحدث صراحة عن لقاءات جنسية فعلية، كما سبق القول، فإن ذلك لا يحتاج إلى مجهود كبير لتبين حقيقة ما كان يحدث بين العشاق والعاشقات. وتعتبر البيئة الطبيعية خير مكان لتحقيق ذلك، وإذا لم يمارس فعل الحب فيها، فإنها كانت مقدمة مناسبة لأدائه فى مكان آخر. وحملت رائحة الأشجار والفواكه دلالات جنسية قوية وساعدت كثيرا فى خلق بيئة مناسبة لممارسة الحب. وعبرت نصوص مصرية قديمة عديدة عن أهمية تأثير الرائحة على الرجال والنساء على حد سواء فى الإعداد للقاء الجنسى. وعكست بشكل ملحوظ موائد النبلاء ومناظر الأعياد وبردية تورين الجنسية، من عصر الدولة الحديثة، (وما ظهر فيها مثل أزهار اللوتس، والأقماع العطرية، إلخ) أهمية العطر ودلالاته الجنسية. وذكر مرارا نبيذ العنب، المستخرج من الكروم والذى يعد واحدا من أفضل أنواع الخمور، فى أغانى الحب. وتظهر إحداها فكرة السكر من الخمر كأحد مظاهر الأعياد والاحتفالات ومدلولاتها الجنسية. والخلاصة أن أغلب العناصر النباتية المستخدمة فى أغانى الحب كانت من الفاكهة والأزهار (مثل اللوتس على سبيل المثال)، ولها أغراض وظيفية ورمزية، علاوة على أغراضها الزخرفية المعروفة. وللنبات هنا دور جديد كعنصر زخرفى ورسول محبب للغرام. وله أيضا رمزية دلالية واضحة من خلال تمثيله بعض أجزاء من جسد الحبيبة، كما أشير من قبل. وكان أيضا العنصر الأكثر توافرا فى بيئة العاشق والمعشوقة على السواء. وتعد هذه العناصر النباتية حديثة الظهور فى المشهد الأدبى واللغوى المصرى القديم. ونجح مؤلفو أغانى الحب فى توظيف هذه العناصر أدبيا على نحو موفق وفريد لا يعكس فقط معناها الدينى المعروف. وكان هذا السياق مقصودا فى حد ذاته نظرا لما يمثله من خلق وإبداع متجدد لصورة رومانسية جميلة للعاشق والمعشوقة على حد سواء، تبث السرور فى النفس وتبعث على تهيئة المشهد للحب وإعادة فعل الحب الأول الذى حدث مع بداية الخلق وجلبته الآلهة للأرض، ومنها تعلم البشر فنون الحب من أجل أن يستمر لمواجهة قوى الشر التى تسعى لتدمير أسس الحياة. وعبرت أغانى الحب عن ارتباطها الوثيق بالحياة الأولى ومتعها الحسية على سطح الأرض. ويمثل مشهد الحب فى الحديقة النبات نفسه حين يبدأ صغيرا وينمو حتى يسيطر على المشهد كله تماما مثل الحب الذى يساعد على استمرارية الحياة ممتلئة بالسعادة والمتعة والحب.