في خطوة سياسية لافتة تحمل أبعادًا إقليمية ودولية، أعلنت إسرائيل رسميًا اعترافها بأرض الصومال كدولة مستقلة ذات سيادة، في أول اعتراف رسمي منذ إعلان أرض الصومال انفصالها من جانب واحد عن الصومال عام 1991. ويعود هذا الاعتراف إلى جذور تاريخية تعود إلى ستينيات القرن الماضي، حين كانت إسرائيل من أوائل الدول التي أبدت استعدادًا للاعتراف بأرض الصومال بعد استقلالها المؤقت عام 1960، قبل قيام الدولة الصومالية الموحدة. ويعيد هذا الاعتراف فتح ملف العلاقات غير المعلنة التي ربطت الطرفين لعقود، ويضعها في إطار رسمي يعكس تحولات جيوسياسية في منطقة القرن الإفريقي، حيث تتقاطع المصالح الأمنية والاقتصادية مع الموقع الاستراتيجي لأرض الصومال قرب مضيق باب المندب، أحد أهم الممرات البحرية العالمية، وفقًا لصحيفة "لاكروا" الفرنسية. أبعاد الاعتراف السياسي والدبلوماسي وتسعى أرض الصومال من خلال هذا الاعتراف لكسر عزلتها الدبلوماسية ونيل اعتراف دولي أوسع، بينما ترى إسرائيل في الخطوة امتدادًا لسياساتها الرامية إلى تعزيز حضورها في البحر الأحمر وشرق إفريقيا، في ظل المتغيرات الإقليمية المتسارعة. وتعود جذور العلاقة بين الطرفين إلى عام 1960، حين أعلنت أرض الصومال استقلالها عن الاستعمار البريطاني لفترة قصيرة قبل اتحادها مع الصومال الإيطالي لتشكيل جمهورية الصومال. وتشير الروايات التاريخية إلى أن إسرائيل كانت من أوائل الدول التي أبدت اعترافًا بالدولة المستقلة آنذاك، قبل إعلان الدولة الصومالية الموحدة في يوليو من العام نفسه. التطورات الحديثة والاعتراف المتبادل على الرغم من أن وحدة الصومال أنهت الكيان المستقل بعد أيام قليلة، أعاد انهيار الدولة المركزية في الصومال عام 1991 إعلان انفصال أرض الصومال من جانب واحد، ساعيةً إلى الحصول على اعتراف دولي. ومنذ ذلك الحين اتسمت علاقة أرض الصومال بإسرائيل بالهدوء والحذر، مع اتصالات غير معلنة في بعض الفترات، خاصة في مجالات الأمن والملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن. وفي السنوات الأخيرة، ومع تنامي الدور الجيوسياسي للقرن الإفريقي، برز اهتمام إسرائيلي متزايد بأرض الصومال لموقعها الاستراتيجي قرب مضيق باب المندب، بالتزامن مع جهود حكومة أرض الصومال لتعزيز علاقاتها الخارجية وكسر عزلتها الدبلوماسية عبر شراكات إقليمية ودولية. وتوج هذا المسار مؤخرًا بإعلان وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر توقيع اتفاقية اعتراف متبادل وإقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع أرض الصومال، تشمل تبادل السفراء وافتتاح سفارات، بدعم من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس أرض الصومال عبد الرحمن محمد عبد الله. أرض الصومال وموقعها الاستراتيجي من جانبها، ذكرت إذاعة "ار تي إس" السويسرية أن أرض الصومال تقع في شمال غرب الصومال وتبلغ مساحتها نحو 175 ألف كيلومتر مربع، أي ما يعادل مساحة الأوروغواي، وأنها أعلنت استقلالها من جانب واحد عام 1991 بعد انهيار النظام العسكري الصومالي بقيادة الديكتاتور سياد بري، معتمدة على عملتها وجيشها وقوات شرطتها، وتمتاز بدرجة من الاستقرار النسبي مقارنة بالصومال الذي يعاني من تمرد حركة الشباب وصراعات سياسية مزمنة. وأشارت الإذاعة إلى أن أرض الصومال لم تحظَ حتى الآن باعتراف علني من أي دولة، ما أبقاها في حالة من العزلة السياسية والاقتصادية رغم موقعها الاستراتيجي عند مدخل مضيق باب المندب، أحد أكثر طرق التجارة ازدحامًا في العالم، الذي يربط المحيط الهندي بقناة السويس. ووصف رئيس أرض الصومال عبد الرحمن محمد عبد الله (عبد الرحمن سيرو) الاعتراف الإسرائيلي بأنه "لحظة تاريخية"، مؤكدًا عبر منصة إكس أن هذه المرحلة تمثل بداية شراكة استراتيجية تعزز المصالح المتبادلة، وتقوي السلام والأمن الإقليميين، وتحقق فوائد مشتركة لجميع الأطراف دون الإضرار بأي منها. وأشار وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر إلى أن البلدين سيقيمان علاقات دبلوماسية كاملة تشمل تعيين سفراء وافتتاح سفارات، فيما أفاد مكتب رئيس الوزراء نتنياهو أن رئيس أرض الصومال وجّه دعوة لزيارة إسرائيل. وتأتي هذه المبادرة ضمن إطار اتفاقات أبراهام، التي أتاحت تطبيع العلاقات بين إسرائيل وعدة دول عربية، من بينها البحرين والإمارات والمغرب، مما يعكس تحولات واسعة في الخارطة الدبلوماسية للمنطقة.