هل هى صدفة أن تتزامن التهديدات الآتية من حدودنا الشرقية مع فلسطينالمحتلة مع التهديدات التى يتعرض لها الأمن القومى المصرى فى ليبيا والسودان والبحر الأحمروالصومال ومياه النيل؟! قد تكون صدفة أن يتزامن تهديدان مختلفان من جهتين مختلفتين أو حتى ثلاثة تهديدات، لكن أن تتزامن كل هذه التهديدات مرة واحدة، فيصعب تماما القول بأنها صدفة أو عفو الخاطر أو مجرد تزامن وقائع وأحداث لا يربطها رابط. وحتى إذا تبين فعلا أنها كانت صدفة وعفو الخاطر، فإن المحاولات الدءوبة لاستمرارها وصب الزيت على نارها تكشف أن الأمر ليس محض الصدفة على الإطلاق. حينما اندلع الصراع فى ليبيا فى عام 2011 وتم قتل معمر القذافى على يد قوات حلف الناتو ودول عربية ومرتزقة وبعض المعارضين الليبيين، قال كثيرون إن استبداد القذافى وسوء حكمه هما السبب، وهو رأى له جانب كبير من الصواب فعلا، فلولا طريقة حكمه ما دخلت ليبيا إلى هذا النفق المظلم، لكن، النهاية التى وصلت إليها الدولة الليبية الآن، تقول بوضوح إن هناك رغبة من دول إقليمية ودولية فى استمرار الانقسام والتشرذم عبر أطراف داخلية مستفيدة لتحقيق أهداف كثيرة من بينها تحويل الحدود العربية لمصر إلى نقطة عدم استقرار دائمة. وحينما نفَّذت جماعة الإخوان الانقلاب بزعامة عمر البشير فى السودان فى 30 يونيو 1989، فإن ذلك مثَّل تهديدا مباشرًا للأمن القومى المصرى بطرق مختلفة، وحتى حينما سقط البشير دخل السودان فى نفق مظلم تكلل بالحرب الأهلية قبل عامين ونصف بين القوات المسلحة وميليشيا الدعم السريع التى تمكنت من السيطرة على مساحات واسعة من البلاد، وصرنا فى وضع لا تستفيد منه إلا القوى التى لا تريد خيرا للسودان وفى مقدمتها إثيوبيا وإسرائيل. فى الحدود الشرقية فنحن لا نحتاج لمزيد شرح، فالكيان الصهوينى ومنذ زرعه فى فلسطين عام 1948 فإن دوره الوظيفى هو تقسيم المنطقة العربية، ومحاولة إشغال واستنزاف مصر، ورغم اتفاق السلام عام 1979 فإن محاولات إسرائيل لزعزعة استقرار مصر بطرق مختلفة لم تتوقف، حتى وصلنا إلى اللحظة الراهنة بعد جريمة الإبادة الجماعية فى غزة وتبجح بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل بأنه متعاطف مع فكرة «إسرائيل الكبرى» التى تعنى أن حدود إسرائيل التوراتية هى من النيل للفرات. ولم يكن صدفة أنه وأثناء انشغال مصر بثورة 25 يناير 2011، بدأت إثيوبيا فى تنفيذ سدها الشيطانى بصورة منفردة، ليس فقط من أجل التنمية كما تزعم، ولكن من أجل تحويله إلى «محبس» لتعطيش مصر أو تركيعها، ولم تكن صدفة بالمرة أن تنحاز إثيوبيا إلى كل المحاولات الرامية لتقسيم وتفتيت السودان، حتى لا ينسق مع مصر لمواجهة المخطط الإثيوبى. ولم تكن صدفة بالمرة أن تبذل إثيوبيا كل الجهد لإبقاء الصومال منقسما، وترسل قواتها لهناك بحجة حفظ السلام، فى حين تبين لنا فى النهاية أنها تدعم الأقاليم الانفصالية وكل هدفها الحصول على منفذ بحرى عسكرى وتجارى على حساب الصومال والأمن القومى العربى. عسكرة البحر الأحمر كانت إحدى تداعيات «طوفان الأقصى» ثم العدوان الإسرائيلى على غزة، ووصلنا إلى وضع صار فيه باب المندب تحت سيطرة الحوثيين الموالين لإيران ومعظم البحر الأحمر تحتله عمليا القوات الأمريكية والأطلسية. مرة أخرى وبغض النظر هل هناك مؤامرة محكمة ضد مصر، أم لا، فالنتيجة واحدة، وهى أنها صارت محاطة بحزام من نار يقف خلفه كل الراغبين فى حصارها وتعطيلها، ومعهم قوى محلية إما مغيبة أو مخدوعة وإما متواطئة وخائنة. لكن من المهم ألا نلوم القوى الخارجية فقط، فهى تسعى لتحقيق مصالحها أو مطامعها، وبالتالى علينا أن نلوم أنفسنا أيضا لأننا سمحنا بأن نصل إلى وضع نجد أنفسنا فيه محاطين بهذا الحزام الملتهب من النار. من أجل كل ما سبق فإننا بحاجة إلى حساب خطواتنا جيدا فى الملفات، لأن الكثيرين من حولنا وبعضهم يقولون للأسف أنهم أصدقاؤنا يتربصون بنا ويشاركون فى المؤامرة.