محافظ الشرقية: غرف عمليات ومتابعة ميدانية لضمان انتظام العملية الانتخابية    القبض على 4 أشخاص بحوزتهم كروت الدعاية الانتخابية بالشرابية    ضبط 3 أشخاص في دار السلام بالقاهرة بحوزتهم مبالغ مالية تمهيداً لتوزيعها على الناخبين    السيسي يتلقى اتصالاً هاتفياً من رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية    ارتفاع سعر اليورو فى ختام تعاملات اليوم الأربعاء 17 ديسمبر 2025 بالبنوك    مدبولي: خفض الفقر أولوية الحكومة    جلسة صعود وهبوط: 6 قطاعات فى مكسب و10 قطاعات تتراجع    الشوا: المنخفض الجوي فاقم الكارثة الإنسانية وكشف هشاشة أوضاع النازحين في غزة    توروب يحاضر لاعبي الأهلي.. وتدريبات تخصصية استعدادًا لمباراة سيراميكا    منتخب مصر تحت 16 عاماً يفوز على اليابان بركلات الترجيح    منتخب مصر يغادر للمغرب استعدادا للمشاركة في بطولة كأس الأمم الأفريقية    بعد رحيلها.. أبرز محطات في حياة الفنانة نيفين مندور    مستشار رئيس الجمهورية: مصر تمتلك كفاءات علمية وبحثية قادرة على قيادة البحث الطبى    البنك الزراعي يوقع بروتوكولًا للقضاء على قوائم انتظار زراعة القرنية ودعم غير القادرين    عاجل- المركز الإعلامي لمجلس الوزراء ينفي شائعات ضعف كفاءة مشروعات الصرف الصحي بقرى مغاغة بالمنيا    أرفع أوسمة «الفاو» للرئيس السيسى    إصدار عُملة تذكارية بمُناسبة مُرور 150 عامًا على إنشاء هيئة قضايا الدولة    محافظ الجيزة يفتتح مبنى علاج الغسيل الكلوي الجديد بمستشفى أبوالنمرس المركزي    ترامب: قدمت الكثير لإسرائيل وسأظل صديقًا ومدافعًا عن الشعب اليهودي    محافظ القاهرة يتفقد عددًا من اللجان الانتخابية للاطمئنان على سير العملية الانتخابية    جامعة الدول العربية تطلق المنتدى العربي الأول للإنذار المبكر والاستعداد للكوارث    طيران الاحتلال يشن غارة جوية بمحيط منطقة السامر في غزة وأنباء أولية عن سقوط شهيد    التموين تنتهي من صرف مقررات ديسمبر بنسبة 73%    الروائى شريف سعيد يتحدث عن "عسل السنيورة" الفائزة بجائزة نجيب محفوظ    الصحة: إجراء جراحة ميكروسكوبية دقيقة لطفل 3 سنوات بمستشفى زايد التخصصى    تضامن المنوفية: تسليم 46 مشروع إنتاجي لتمكين المرأة الريفية    وزراء الري والزراعة والصناعة: تعامل حازم مع أى تعديات على المجارى المائية والطرق    كيف دعم حسن حسني الراحلة نيفين مندور في فيلم «اللي بالي بالك»؟    وزير الأوقاف يكرم المشاركين فى نجاح المسابقة العالمية 32 للقرآن الكريم    تأييد حبس الفنان محمد رمضان عامين بسبب أغنية رقم واحد يا أنصاص    جوائز مالية ضخمة للمنتخبات المشاركة في كأس العالم 2026    حقيقة انفصال مصطفى أبو سريع عن زوجته بسبب غادة عبدالرازق    مفتي الجمهورية يلتقي نظيره الكازاخستاني على هامش الندوة الدولية الثانية للإفتاء    مكتبة الإسكندرية تشارك في افتتاح ملتقى القاهرة الدولي للخط العربي    الداخلية تضبط 3 أشخاص لتوزيعهم أموال بمحيط لجان المطرية    أسوان تكرم 41 سيدة من حافظات القرآن الكريم ضمن حلقات الشيخ شعيب أبو سلامة    18 فبراير 2026 أول أيام شهر رمضان فلكيًا    إحالة أوراق متهم بقتل شخص فى سوهاج بسبب خلافات ثأرية إلى فضيلة المفتى    محافظ القليوبية يكرم البطلة جنة صليح لحصولها على برونزية قذف القرص بدورة الألعاب الأفريقية    أبو كويك: اللجنة المصرية تطلق مبادرة لإيواء النازحين في غزة    بوتين يؤكد تطوير القدرات العسكرية ومواصلة العملية فى أوكرانيا    المحمدي: ظُلمت في الزمالك.. ومباريات الدوري سنلعبها كالكؤوس    أم كلثوم.. حين تتحول قراءة الرمز إلى تقزيم    أوكرانيا تعلن استهداف مصفاة نفطية روسية ومنصة بحر القزوين    مع بدء التصويت بانتخابات الاعادة للمرحلة الثانية .. حزب العدل يتقدم ب 7 شكاوي للهيئة الوطنية للانتخابات    المصرف المتحد يرعى المسابقة العالمية للقرآن الكريم في نسختها الثانية والثلاثين    عاجل- الأرصاد السعودية تحذر: أمطار ورياح شديدة على منطقة حائل    إقبال كثيف من المواطنين على التصويت فى جولة الإعادة بالمقطم    إصابة سيدة وابنها صدمتهما سيارة بقرية فى أبو النمرس    محافظ قنا يوجه بحملات مرورية مكثفة للحد من حوادث الطرق    متحدث وزارة الصحة يقدم نصائح إرشادية للوقاية من الإنفلونزا الموسمية داخل المدارس    الزمالك يكشف تطورات شكوى زيزو فى اتحاد الكرة    رئيس الشيوخ: المشاركة في الانتخابات واجب وطني يعكس وعي المواطنين    النائب أيمن محسب: الخروقات الإسرائيلية تهدد الانتقال للمرحلة الثانية من وقف إطلاق النار    إصابة ثلاثة طلاب من جامعة بنها جراء اعتداء بمياه النار في كفر شكر    مرونة الإسلام.. وخلافات الصحابة    أحمد مراد: حبيت فيلم "الست" وبعيط كل مابشوفه فيه أجزاء بتخليني أرتعش من جوايا    كامل أبو علي ينصح حسام حسن: تجاهل السوشيال ميديا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من الفلافل إلى البقلاوة.. المطبخ المصري حكاية هوية تبحث عمن يوثقها

لم يكن المطبخ يوما مجرد وصفات تُطهى على النار، بل سجلا حيا لتاريخ الشعوب وتحولاتهم الاجتماعية والاقتصادية، وفي مصر حيث تعاقبت الحضارات وتقاطعت الجغرافيا مع التاريخ، تحول الطعام إلى شاهد صامت على هوية ثرية لم يتم روايتها بعد كما ينبغي.
في هذا التقرير تتحدث الكاتبة والباحثة في التراث الغذائي سميرة عبدالقادر، مؤلفة كتاب "الطبخ أصله مصري" في تصريحات خاصة ل "الشروق"، عن جذور الأكلات المصرية، وصراعات نسبها، ودور المرأة في إنقاذها، ولماذا تأخر الاعتراف العالمي بالمطبخ المصري رغم كونه من أقدم مطابخ العالم.
المطبخ مرآة الهوية
ترى سميرة، أن التراث هو المرآة الحقيقية للشعوب، وبالنسبة لمصر تحديدا فإن التاريخ والجغرافيا لعبا دورا محوريا في تشكيل مطبخ شديد الثراء والتنوع؛ فمصر بحضارتها الممتدة وموقعها المركزي، وتنوعها المناخي والجغرافي، أنتجت تراثا غذائيا متعدد الطبقات، لا يمكن فصله عن مسارها التاريخي الطويل.
وتؤكد أن المطبخ المصري لم يكن يوما هامشيا؛ بل كان دائم التأثير، ليس فقط في محيطه الإقليمي، بل في العالم كله، بوصفه أقدم مطبخ مستمر في التاريخ، وقادر على التطور والاستمرار عبر العصور، من الفراعنة وحتى اليوم.
أكلاتنا ليست مستوردة
توضح الباحثة، أن أكثر ما صدمها خلال تتبعها لتاريخ الأطباق المصرية هو اكتشاف أن كثيرا مما نعتقد أنه شرقي أو شامي أو تركي هو في الأصل مصري.
وتقول إن كثيرا من الحلويات المنسوبة اليوم إلى الشام وتركيا والهند، هي في الأصل مصرية، وأن الروايات الشائعة عن أصول هذه الأطباق تفتقر إلى أي توثيق علمي، بينما تعتمد على تكرار ادعاءات غير مدعومة بالمصادر، فيما تشير الشواهد إلى أن مصر بوصفها أقدم حضارة وأقدم مطبخ مستمر، كانت المنبع الأساسي لكثير من الأطباق المنتشرة في الشرق الأوسط، من الكنافة والبقلاوة إلى المحاشي.
وتضيف أن دولا كثيرة بذلت جهدا كبيرا في صناعة سردية عن تراثها الغذائي، حتى لو استندت إلى الاقتباس أو التزييف، بينما تقاعس المصريون عن الدفاع عن تاريخهم، بل وصدقوا روايات تم كتابتها بأقلام غير مصرية دون مراجعة.
حتى أن الأدب الشعبي لم يسلم من نسبه لغير مصر، مثل "ألف ليلة وليلة"، التي تحتوي على إشارات واضحة للأطعمة والحلويات المصرية، إلى جانب أشعار لفلاحين مصريين في العصر العثماني، الذين كانوا يذكرون الفطير والبقلاوة والعيش المصري أثناء عملهم في الحقول، الطعام والعلاقات الاجتماعية تاريخ من الازدهار والانكسار.
وتكشف الباحثة، أن تحولات المطبخ المصري مرتبطة بشكل وثيق بالأحوال الاجتماعية والسياسية؛ ففي العصر الفاطمي كانت الموائد تمتد في الشوارع، وتفيض بالسكر واللحوم، حتى أصبحت مصر مقصدا لشعوب المنطقة، بينما شهد العصر العثماني -الذي تصفه بأنه من أقسى الفترات على المصريين- تراجعا اقتصاديا أدى لاختفاء أكلات تعتمد على المكسرات واللحوم، وانتشار أطعمة البقوليات والنشويات، وتضرب مثالا باختفاء أنواع من الكعك المصنوع من دقيق الجوز والمكسرات، والتي انتقلت لاحقا إلى المغرب وشمال إفريقيا باسم "كعب الغزال"، بينما اندثرت من مصر.
في المقابل، استمرت الأكلات الشعبية والمشروبات مثل القهوة، التي تؤكد أنها كانت جزءً من جهاز العروسة المصرية، على عكس الاعتقاد السائد بأن الشاي هو المشروب الأقدم.
المرأة.. الحارس الحقيقي للتراث
بحسب سميرة، تلعب المرأة الدور الأهم في الحفاظ على التراث الغذائي ونقله عبر الأجيال، حيث تؤكد أن المرأة المصرية لعبت الدور الأهم في إنقاذ المطبخ المصري، فمع تراجع الأحوال الاقتصادية أعادت النساء ابتكار الوصفات باستخدام مكونات أقل كلفة، دون التفريط في الروح الأصلية للأطباق، لتكييفها حسب الظروف.
وتشير إلى أن حلويات المولد، مثل أقراص السكر، ظهرت في سياقات تاريخية محددة، مستفيدة من كون مصر من أقدم وأكبر منتجي السكر عالميا، فعندما تراجعت الأحوال الاقتصادية ظهرت أصناف تعتمد على السكر بدل المكسرات.
وتضيف أن بعض الحلويات الحديثة، مثل "المارشملو" تعود جذورها إلى مصر القديمة، حيث كانت تُصنع من نباتات طبيعية قبل أن تتغير مكوناتها عبر الزمن.
كما تؤكد أن تنوع الخبز والفطائر في مصر لا يُضاهى، ما يجعلها من أكثر مطابخ العالم تطورا في هذا الجانب.
الإشهار قبل الأوراق
ترى الباحثة، أن التوثيق لا يبدأ فقط من اليونسكو، بل من إقناع المصريين أنفسهم بملكية تراثهم، وأن التوثيق الحقيقي يبدأ بالإشهار، أي نشر الوعي داخليا قبل السعي للاعتراف الخارجي، واستشهدت بتركيا كمثال نجحت في ترسيخ صورتها عالميا، رغم أن كثيرا من وصفاتها منقولة عن مصر والعراق.
أكلات على حافة الاختفاء.. والخبز أول الضحايا
تحذر سميرة من اندثار أنواع كثيرة من الخبز والفطائر، بسبب صعوبة تقنياتها وطول وقت تحضيرها، وعزوف الأجيال الجديدة عن تعلمها.
كما تشير إلى حلويات محلية في محافظات، مثل الشرقية وبورسعيد والإسكندرية، لا يعرفها باقي المصريين في المحافظات الأخرى، وأكلات اندثرت بالفعل، مثل أطباق "الحلو والحادق" التي كانت تجمع بين اللحوم والفواكه، كالبرقوق والمشمش.
وتضيف أن مصر عرفت أنواعا متعددة من "الكُبَب" والكفتة، ولم يتبقَ منها سوى القليل، مثل كفتة الأرز، إلى جانب وصفات البيض والشوربات القديمة، مثل "السخينة" التي تشبه شوربة البصل الفرنسية.
لماذا لم يصل المطبخ المصري للعالمية؟
تختصر سميرة الإجابة في جملة واحدة وهي "لأننا لا نعرف تاريخنا"، وتوضح أن المصريين صدقوا طويلا أن أكلهم فقير أو غير جذاب، حتى أصبحت أطباق مثل "الفلافل" عالمية بعد أن كانوا يُعايرون بها.
وتوضح أن الاعتماد على مراجع غير مصرية، والاستحياء من التراث، سمح للآخرين بنسب الأكلات لأنفسهم، بل إن بعض المصريين في الخارج، بحسبها، يخشون وصف الأكلات بأنها مصرية حتى لا يثيروا حساسية إقليمية، وهو ما سمح لغيرهم بالاستيلاء على السردية كاملة.
ما الذي يجب توثيقه أولا؟
تختتم الباحثة حديثها بالتأكيد على أولوية توثيق الأكلات الشعبية، مثل الفلافل والبصارة، والمحاشي المصرية، والممبار، والحلويات المهددة بالاندثار، خصوصا أنواع الكنافة والبقلاوة غير المعروفة عالميا.
وتقول إن أول خطوة لنشر تراثنا عالميا هي أن نصدق نحن أنه تراثنا، لأن الطعام ليس مجرد أكل، بل شهادة حضارية على من نكون، وفيه تكمن هوية مصر التي لم يتم حكايتها بعد للعالم كما تستحق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.