تواصل إسرائيل تنفيذ ضربات جوية مكثفة ضد عناصر «قوة الرضوان»، وتستهدف ما تصفه ب«البنى التحتية الإرهابية»، وفى المقابل، يواصل حزب الله التمسك باستراتيجية عدم الرد «لإحباط مخطط إسرائيل وتصرُّفها بوحشية أكبر ضد لبنان». حسبما برّر الأمين العام للحزب ذلك فى أكتوبر؛ أمّا الولاياتالمتحدة، فتحذّر لبنان من أنه إذا لم يُظهر حزما وقدرة على نزع سلاح حزب الله، فإن إسرائيل ستشن حربا واسعة، كذلك يُنقل عن دبلوماسيين غربيين أنهم يوجهون رسائل مشابهة إلى القيادة اللبنانية، لكن هناك شكا فى أن تعطى واشنطن الضوء الأخضر فعلاً. وعلاوةً على الخطاب التهديدى، تدور معركة دبلوماسية مكثفة يشارك فيها، واشنطن، وتهدف إلى بلورة مراحل التقدم التالية. ومن المقرر عقد اجتماع رفيع المستوى فى باريس يوم الأربعاء، يُتوقع أن يشارك فيه، من بين آخرين، المبعوثة الأمريكية إلى لبنان مورغان أورتاغوس وقائد الجيش اللبنانى العماد رودولف هيكل. ومن المتوقع أن يعرض هيكل فى الاجتماع معطيات بشأن نشاطات الجيش حتى الآن، وعدد الأسلحة التى تمت مصادرتها، ومنشآت حزب الله التى انتقلت إلى سيطرة الجيش، فضلاً عن مطالب الجيش، استعدادا للمرحلة المقبلة؛ وبعد ثلاثة أيام، فى 19 ديسمبر، من المنتظر عقد اجتماع فى الناقورة للبحث فى آلية الرقابة على تنفيذ وقف إطلاق النار، بمشاركة ممثلين مدنيين لإسرائيل، بينهم يورى رزنيك من مجلس الأمن القومى، وممثل لبنان سيمون كرم. • • • ستُعقد الاجتماعات فى باريس والناقورة على وقع الاعتراف بأن لبنان لن يتمكن من إنجاز مهمته بشأن نزع سلاح حزب الله، أو تحييده، حتى نهاية العام، حسبما حدد الرئيس ترامب. ويبدو كأن الأطراف ستضطر إلى التوصل إلى تفاهمات جديدة، سواء بشأن الجدول الزمنى، أو بشأن الإنجازات المطلوبة فى كل مرحلة، ويقدّر سياسيون لبنانيون تحدثوا لوسائل إعلام محلية أن الولاياتالمتحدة، وبضغط سعودى وفرنسى، ستوافق على منح لبنان مهلة إضافية مدة شهرين، لكن يوجد شك كبير فى أن تكون هذه المهلة كافية لتمكين الجيش اللبنانى من السيطرة على جميع الأسلحة جنوبى الليطانى، فضلاً عن شماله وبقية أنحاء البلد، حسبما ينص اتفاق وقف إطلاق النار. فى الوقت نفسه، هناك تفسيرات عديدة لمسألة «نزع السلاح» نفسها؛ فقبل أسابيع، قال المبعوث الأمريكى الخاص إلى لبنانوسوريا توم برّاك: «إن فكرة نزع سلاح التنظيم بالقوة غير واقعية، لا يمكنك أن تطالب لبنان بنزع سلاح أحد الأحزاب السياسية وتتوقع السلام، وما يجب علينا أن نسأل أنفسنا عنه هو كيف نمنع التنظيم من استخدام سلاحه؟» كذلك أدلى السفير الأمريكى الجديد فى لبنان ميشال عيسى بتصريحات شبه مطابقة، خلال عشاء أقيمَ يوم الخميس الماضى على شرف زيارة وفد من اللوبى الأمريكى اللبنانىلبيروت، فسأل النائب ميشال معوض عيسى عمّا إذا كان من الضرورى الضغط على حزب الله لنزع سلاحه، فأجابه أنه «إذا لم يكن نزع السلاح ممكنا، فعلينا احتواؤه». لكن حتى مفهوم «الاحتواء» يحمل تفسيرات عديدة: إبقاء السلاح الخفيف فى يد حزب الله والمطالبة بنزع السلاح الثقيل فقط - الصواريخ والطائرات المسيّرة؛ أو وضع السلاح جانبا، أى إبقاؤه فى يد التنظيم والتوصل إلى اتفاق على تسليمه للدولة على مراحل، مشروط بانسحاب إسرائيل من النقاط الخمس التى تسيطر عليها داخل الأراضى اللبنانية، ووقف الضربات، وإطلاق سراح المعتقلين اللبنانيين لديها. ومثل هذه الترتيبات يعنى أن الجيش اللبنانى لن يدخل فى مواجهة عنيفة مع حزب الله، وأن سلاح الحزب سيبقى فى يده كضمانة لتنفيذ أى اتفاق بين إسرائيل والحكومة اللبنانية. • • • فى مواجهة هذه التفسيرات، كان ردّ الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم حاسما، إذ قال أمس الإثنين: "إن الحزب لن ينزع سلاحه، حتى لو توحّد العالم بأسره فى حرب ضد لبنان». لكنه أضاف لاحقا: «إن الدولة أصبحت مسئولة عن سيادة لبنان والدفاع عنه، وطرد الاحتلال، ونشر الجيش، والمقاومة (حزب الله) قامت بكل ما هو مطلوب منها لتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، ولمساعدة الدولة». يرى قاسم أن الاتفاق يُلزم حزب الله نزع سلاحه فقط من جنوبى الليطانى، وأنه يعمل بالتعاون مع الجيش، لكن هذه التصريحات تكشف المأزق السياسى الذى يواجهه التنظيم: فإذا كانت الدولة مسئولة عن أمن لبنان وسيادته، فلماذا يستمر الحزب فى الاحتفاظ بسلاحه؟ وهذه التناقضات ليست الوحيدة فى مواقف الحزب العلنية، الذى يواجه انتقادات، ليس فقط من خصومه السياسيين، بل أيضا من جمهوره نفسه، أى المواطنين الشيعة، الذين لا يستطيع كثيرون منهم، حتى الآن، العودة إلى منازلهم فى الجنوب اللبنانى، فضلاً عن أن تعويضات الأضرار التى لحقت بهم خلال الحرب، والتى وُعد بها الحزب ما زالت تتأخر. هذه المسألة السياسية حاسمة بالنسبة إلى الحزب، الذى يستعد فعلاً للانتخابات العامة المقررة فى مايو، والتى ربما تحدّد موازين القوى داخل الساحة الشيعية بين حركة أمل، برئاسة رئيس البرلمان نبيه برى، وحزب الله. وهنا تكمن أيضا مصلحة حيوية لإيران، تتمثل فى الحفاظ على موطئ قدم سياسى لها فى لبنان، بعد أن «خسرت» سوريا ومعظم التهديد العسكرى الذى كان يمثله حزب الله. • • • فى الأشهر الأخيرة، تلقّت إيران صفعات سياسية عديدة فى لبنان، بينها منع هبوط طائرات إيرانية فى مطار بيروت، وآخر هذه الصفعات تمثّلَ فى رفض وزير الخارجية اللبنانى يوسف رجى دعوة نظيره الإيرانى عباس عراقجى إلى زيارة إيران، وشرح رجى أن «الظروف الراهنة» لا تسمح بزيارة إيران، مضيفا أنه سيكون سعيدا بلقاء عراقجى فى بيروت، أو فى دولة ثالثة. فى لبنان، هناك مَن يعتقد أن الجهد الإيرانى للحفاظ على نفوذه فى البلد ربما يدفع طهران إلى توجيه حزب الله إلى إبداء مرونة فى مسألة السلاح، خوفا من أن يؤدى الإصرار إلى تجدّد الحرب، وهو ما سيقوّض، ليس فقط القوة العسكرية للحزب، بل أيضا فرص بقائه السياسى. قد تجد إسرائيل نفسها أمام معضلة مشابهة فى مسألة نزع السلاح، فموقفها المعلن ينص على أنها لن توافق على أى تسوية لا تشمل نزعًا كاملاً وشاملاً للسلاح، وتدميره، أو تسليمه بالكامل للجيش اللبنانى، لكن مسئولين إسرائيليين يتخوفون من أن يُظهر البيت الأبيض مرونة فى محاولة للدفع بالمسار السياسى قدمًا، وبدء المفاوضات بشأن ترسيم الحدود البرية، وإقامة منطقة منزوعة السلاح بين الليطانى والحدود الإسرائيلية (باستثناء وجود الجيش اللبنانى)، وضم لبنان إلى اتفاقيات أبراهام. وربما يكون لذلك تأثير مباشر فى موقف الإدارة الأمريكية من مسألة نزع سلاح «حماس». فعلى غرار لبنان، يبدو كأن الإدارة الأمريكية لم تعُد ترى أن سلاح التنظيمات يشكل تهديدًا أمنيًا وجوديًا لإسرائيل ومثلما جرى فى لبنان، يمكن أن تتبنى موقفًا يعتبر أن «نزع السلاح الكامل غير واقعى». ومن هنا، تصبح المطالبة بنزع السلاح الكامل عقبة أمام الحل السياسى. وتشير خطة العمل الأمريكية للأيام والأسابيع المقبلة إلى أن نزع سلاح «حماس» لم يعُد شرطًا أساسيًا للدفع بخطط إعادة الإعمار، ويبدو كأن القوة المتعددة الجنسيات، فى حال أُنشئت وانتشرت فى غزة، لن يُطلب منها مواجهة «حماس»، أو نزع سلاحها، بل فقط تأمين قوات الشرطة والإدارة المدنية الفلسطينية؛ وعلى غرار لبنان، يجرى الحديث فى غزة أيضًا عن حلول، من قبيل «وضع السلاح جانبًا»، و«منع استخدام السلاح»، وهى مصطلحات ربما تعنى، عمليًا، السعى لاتفاقات مع «حماس» بشأن سلاحها، مع قبول سيطرتها على غرب غزة. تسفى برئيل هاآرتس مؤسسة الدراسات الفلسطينية