فى الأيام الأخيرة عملت ماكينة الإعلام الصهيونى بكامل طاقتها للترويج للقاء مرتقب يجمع الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى ورئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، وسخرت وسائل إعلام عديدة داخل إسرائيل وخارجها عددا من كتابها وباحثيها للحديث عن جدول أعمال هذا اللقاء، وعلى طريقة «اللى بيغنوا ويردوا على بعضهم» حددت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية نقاط الاتفاق والاختلاف بين الجانبين المصرى والإسرائيلى بشأن هذا اللقاء «المرتقب، والواقع أن جهودا مكثفة يبذلها «بنيامين نتنياهو» لعقد اجتماع مع الرئيس المصرى عبد لفتاح السيسى، ليس فى الأيام الأخيرة وحسب ، بل منذ فترة طويلة، وحتى الآن لم تسفر تلك الجهود عن أى تقدم. فى أعقاب نكسة يونيو 1967 قالت رئيسة الوزراء الإسرائيلية «جولدامائير»: «إن التسوية فى رأيى هى أن أذهب لأتسوق من الموسكى فى القاهرة ، وسوق الحميدية فى دمشق، دون أن يبدو الأمر مستغربا». لم يكن نتنياهو قد أتم عامه التاسع عشر حين قالت جولدا مائير مقولتها تلك، والآن وبعد مضى نحو ثمانية وخمسين عاما وقد بلغ نتينياهو السادسة والسبعين من عمره لا يزال يسعى لتحقيق أمنية جولدا ظنا منه أن الوقت قد بات مناسبا لفرض تصوراته وتحقيق أحلامه. أبرمت مصر معاهدة سلام مع إسرائيل عام 1979 وواصلت السير على طريق «السلام»، لكنه بقى «سلاما باردا» لا يحظى بقبول شعبى، حتى فى سنوات «التطبيع النشط» فى أعقاب توقيع اتفاقات أوسلو وما نتج عنها من انفراجة نسبية أدخلت البعض فى «دائرة التفاؤل الساذج» بإمكانية التعايش السلمى مع «إسرائيل». فاز «نتنياهو» عام 1996 فى الانتخابات متغلبا على منافسه المخضرم «شيمون بيريز» فأصبح أصغر رئيس للوزراء فى تاريخ إسرائيل، وأول شخص يصل إلى هذا المنصب ممن وُلِدوا فى إسرائيل بعد إعلان قيامها، ليعيد عقارب الساعة إلى الوراء ، ويوقف «قطار التسوية» بل وينسف أى محاولات لاستكمال ما سبق أن وافق عليه سلفه المغتال «إسحاق رابين». نتنياهو هو صاحب الرقم القياسى فى تولى رئاسة الوزراء فى تاريخ إسرائيل، وهو أول شخص ينتخب مباشرة عن طريق التصويت الشعبى عام 1996، وحين تعرض حزب الليكود تحت زعامته لهزيمة ساحقة على يد تحالف رئيس الوزراء الأسبق «إيهود باراك» عام 1999 قرر اعتزال العمل السياسى، لكنه عاد وزيرا للخارجية ثم وزيرا للمالية فى عهد حكومة مجرم الحرب إيرييل شارون، ثم استقال احتجاجا على خطة فك الاربتاط مع غزة التى نفذها شارون، لكنه لم يغب كثيرا عن صدارة المشهد إذ سرعان ما عاد للواجهة رئيسا للوزراء عام 2009. لا يحتاج المرء لعظيم جهد لاكتشاف تطرف نتنياهو وعنصريته، فسجله ملطخ بالدم وتاريخه السياسى يزخر بالجرائم من كل نوع. كتاجر يهودى يذكرك بسيرة «تاجر البندقية شايلوك» يريد نتنياهو الحصول على أعلى قدر من المكاسب بأقل قدر من التكاليف وكصيهونى مخلص يكرس نتنياهو جهوده من أجل تنفيذ مخططات الآباء المؤسسين لبلوغ حلم «إسرائيل الكبرى» لذا فإن تحقيق أمنية جولدا مائير فى أن تذهب للتسوق من الموسكى فى القاهرة أو سوق الحميدية فى دمشق دون أن يبدو الأمر مستغربا يبقى عالقا فى ذاكرته حاضرا فى مخططاته. لكن هيهات. فحتى وإن فقدت سوريا بوصلتها السياسية فى رأس نظامها الحاكم، ستبقى ذاكرتها الجماعية ووجدانها الشعبى رافضا لأى تطبيع مع العدو. أما مصر، فلم تغيرها «معاهدة السلام». فالسلام بدون قوة قادرة على الدفاع عنه يصبح «استسلاما» وصلابة الموقف المصرى رسميا وشعبيا التى تحطمت عليها أوهام التهجير والقضاء على القضية الفلسطينية خير دليل على أن ما كانت تحلم به جولدا وما يسعى نتنياهو لتحقيقه سيبقى عصيا على التحقق. يعرف «نتنياهو» جيدا أنه شخص غير مرغوب فيه مصريا، ويدرك أن سياساته مرفوضة وجرائمه مدانة، وهو على يقين أن لقاءً يجمعه بالرئيس السيسى سيبقى مرهونا بتنفيذ قائمة من المطالب المصرية، وفى مقدمة هذه المطالب تنفيذ كامل بنود خطة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب واتفاق شرم الشيخ، والانسحاب الإسرائيلى الكامل من محور صلاح الدين، والعودة إلى ما قبل السابع من أكتوبر، إضافة إلى وقف جرائمه فى الضفة الغربية والقدس الشريف فهل هو مستعد لتنفيذ هذه الطلبات؟! حتى وإن أعرب «مناوِرًا» استعداده لتنفيذ هذه المطالب، فهل يمكن الوثوق فيه بعد أن أخلف وعوده عديد المرات؟!